من كان، أو ما يزال، يعتقد بأن السيد عادل عبد المهدي قادر على نزع عباءته الإسلامية الشيعية ودشداشته الطويرجاوية والظهور بموقع المستقل عن الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية التي اختارته لمهمة خاصة استثنائية فيها من التعاون والتنسيق والمساومة بين الولايات المتحدة وإيران، كان مخطئاً وحَّمل الرجل، المستعد للاستقالة فوراً في أول أزمة تواجهه، فوق طاقته وقناعاته الفعلية والمصلحية الراهنة.
منذ البدء كانت لي قناعتي الشخصية بعدم قدرة عادل عبد المهدي على تحقيق الاستقلالية في اختيار الوزراء بحكم متابعتي لمواقف السيد عادل عبد المهدي، الفكرية والسياسية والاجتماعية خلال السنوات الـ 15 المنصرمة، وهو أبن العائلة المنتفكية المعروفة التي عايشتها وأنا الآن ابن نيف وثمانية عقود من السنين، أولاً، ومن خلال كتاباته الكثيفة واليومية في جريدة العالم العراقية بعد خروجه من الوظائف الرسمية، إضافة إلى كتبه في الدعوة للاقتصاد الإسلامي ثانياً، ومن خلال مواقفه من المال والمنح المالية الحكومية الكبيرة التي كان ولا يزال يتلقاها سنوياً هو وأمثاله من قادة قوى وأحزاب الإسلام السياسي العراقية الفاسدة بصورة غير شرعية وخارج المألوف الإنسان والعدالة الاجتماعية ثالثاً، وكذلك في سياساته أثناء كان وزيراً للنفط أو على رأس وزارات أخرى، رابعاً، معرفتي بتقلباته الفكرية والسياسية قبل سقوط الدكتاتورية البعثية الغاشمة حين كان في العراق ومن ثم في فرنسا حين تبنى بعد الماوية والتروتسكية النهج الخميني في أعقاب ثورة الشعب الإيراني الديمقراطية، التي احتواها وحرَّفها الإسلاميون السياسيون باتجاه ديني شيعي متطرف ومتطلع للتوسع في المنطقة باسم الدين والمذهب خامساً. أؤكد مرة أخرى بأن رئيس الوزراء الجديد غير قادر حقاً على الوفاء بعدة التزامات قدمها للشعب العراقي، وهي:
أولاً: أن يكون مستقلاً حقاً وصدقاً عن الأحزاب الإسلامية السياسية في تعامله مع الأحداث ومواقفه كرئيس وزراء عراقي يتطلع للإصلاح ورفض المحاصصة الطائفية والفساد.
ثانياً: أن يرفض الخضوع لإرادة الدولة الإسلامية الإيرانية ومرشدها الخامنئي، كما في فترة حكم المالكي، في اختيار شخصيات تسعى إيران لفرضها على العراق من التابعين لها ومن قادة الحشد الشعبي ومن الطائفيين والفاسدين المعروفين الذين اغتنوا من السحت الحرام وعلى حساب الشعب ومصالحه ورزق يومه، إذ تظهر يومياً الكثير من الفضائح لهذه النخب الفاسدة الحاكمة.
ثالثاً: أن يختار شخصيات وطنية مستقلة وتكنوقراطية متميزة وبعيدة عن تأثير الأحزاب الإسلامية السياسية التي حكمت العراق طيلة 15 عاماً ولم تجلب له الخير والتقدم، بل ساقته إلى البؤس والفاقة والموت والخراب والإرهاب والفساد وتفتيت الوحدة الوطنية، إنه المستنقع الطائفي السياسي والفساد النتن.
رابعا: أن يكافح الفساد والفاسدين لا من الأسفل، بل من القمة، فالسمك يتعفن ويفسد من رؤوسه لا من ذيوله، إضافة إلى دعوته تطهير سلطات الدولة الثلاث بمختلف أجهزتها وهيئاتها المستقلة وغيرها من خلال المحاسبة الجادة والموضوعية والمسؤولة والعادلة في آن.
من خلال متابعتي لجلستي مجلس النواب الأولى والثانية، وما طرح من جانب الأوساط السياسية، وما تم تشكيله من مجلس الوزراء حتى الآن، وما يرغب تنسيبهم لوزارات مهمة ومؤثرة في المجتمع: وزارات الثقافة والداخلية والتربية، على سبيل المثال لا الحصر، تؤكد بجلاء ما كنت أتوقعه وأخشاه. فالرجل خاشع مستكين أمام إرادة طهران ومرشدها أولاً وقبل كل شيء، وملتزم بما يطلبه أتباع إيران المباشرين، ومنهم هادي العامري الذي أدان أخطاءه الفاحشة، ولكنه عاد ليكررها قبل اختفاء صدى صوته، ومعه نوري المالكي وقيس الخزعلي ومن لفَّ لَفّهم، أولاً كما أنه عاجز عن تجاوز المحاصصة الطائفية بصورة مباشرة أو غير مباشرة ثانياً، وعن المقربين والمحسوبين والمنسوبين من النخبة الفاسدة ثالثاً. إن إيران تريد وزارة الداخلية، لأنها الوزارة التي تعرف: 1) أسرار العراق ونشاط قوه السياسية ومعارضي الإسلام السياسي؛ 2) وتعرف أين توجد قوى إيران التجسسية والحرس الثور وفيلق القدس والجماعات العسكرية الأخرى والعيون الوقحة والحاقدة التي ترصد حركة العراقيات والعراقيين وتقدم التقارير لإيران مباشرة؛ 3) وتعرف وتوجه الميليشيات الطائفية الشيعية المسلحة التي تنفذ أوامر إيران مباشرة وبضمنها الحشد الشعبي؛ 4) كما إنها تعرف علاقات إيران والتابعين لها كموظفين ومستخدمين في سلطات الدولة الثلاث وفي مختلف الأجهزة التنفيذية ومجلس النواب.
أتمنى أني نبتعد عن محاولة إرضاء النفس والقول بأن تنصيب عادل عبد المهدي يعتبر خطوة إيجابية ضرورية بأمل رفض المحاصصات الطائفية ومحاسبة الفاسدين في الحكم والدولة العراقية، إذ سنتحمل قبل غيرنا مسؤولية مكاشفة الشعب بواقع الحال، لكيلا يفاجأ بما لا يحمد عقباه. فالشخصية المستقلة لا تأتي من وسط وقلب قوى الإسلام السياسي الطائفية التي حكمت وما تزال تحكم العراق حتى الآن، بل تأتي من الأوساط السياسية الوطنية المستقلة، وهي كثيرة وبعيدة عن الأوساط الحاكمة، والتي تمتلك العلم والاختصاص المهني والفني النافع للبلاد، وتعي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وبيئيا وخدماتياً ما يحتاجه العراق وشعبه خلال هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق المعاصر وفي المستقبل. حتى الآن أصيب كل من راهن على ذلك بخيبة أمل، وأملي أن تتم مراجعة الموقف ومواجهة ما يسعى إليه حالياً عادل عبد المهدي.
كان وما زال أمام القوى الديمقراطية والقوى المستقلة أن تدرك جيداً بأن اختيار عادل عبد المهدي جاء لتجنيب الأحزاب الإسلامية السياسة وحكمها الكارثة المحتملة، كارثة السقوط ورفض المجتمع كلية لها بفعل ما جنته أيديها خلال الأعوام المنصرمة والعواقب الوخيمة التي تعرض لها وما يزال حتى الآن بسبب استمرار وجودها على رأس الحكم الطائفي القائم في العراق، وأن ما تحقق لا يعدو سوى ذر الرماد أو رمال الصحراء الحمراء في العيون.
لقد أدرك الشارع المدني العراقي بسرعة فائقة الخطر الذي يتهدد العراق بمحاولة تكليف مسؤول الحشد الشعبي الفعلي، فالح الفياض، ومرشح عصائب الحق حسن کزار الربعي، إضافة إلى مرشحين من ذات النسيج الطائفي ومن أتباع الميليشيات الطائفية المسلحة، فبدأ تحركه ضد المحاصصات الطائفية والفساد والتجاوز الفعلي لعادل عبد المهدي على التعهد الذي قطعه على نفسه أمام الشعب العراقي وأمام الدستور والقسم الذي أداه، ويفترض أن يتسع هذا التحرك ليشمل العراق كله لإنقاذ العراق مما هو عليه وفيه الآن.
- مدبنة زراعية صغيرة (قضاء الهندية) تقع بين بابل (الحلة) وكربلاء، واسمها الرسمي الهندية، وتباعة لمحافظة كربلاء بعد أن كانت تابعة لقضاء بابل. ينطلق منها عزاء الطويريج (ركضة طويريج) حيث يلتقي في هذا العزاء راكضو أهل الطويريج وراكضو أهل كربلاء وآخرون من الزوار، في العاشر من شهر محرم في مكان يبعد 2 كم عن كربلاء يطلق عليه (قنطرة السلام)، لتبدأ الهرولة الراكضة المشتركة صوب مرقد الحسين والتطواف حول صحن المرقد ومنها صحن مرقد العباس والتطواف حول المرقد في الصحن، ثم الركض إلى المنطقة التي نصبت فيها الخيام (المخيم) حيث يتم حرق الخيام وينتهي العزاء. وطيلة الركض يهتف الراكضون “واحسيناه” أو “يا حسين” أو “حسين حسين يا حسين”.