جددت تقارير صحفية أوروبية الحديث عن خطر جماعة الإخوان في البلاد، بالتزامن مع تكثيف الإجراءات الأمنية والاستخباراتية التي تستهدف كشف النشاطات المشبوهة للتنظيم داخل القارة العجوز، بهدف التوصل إلى إعلان الجماعة تنظيما إرهابيا ووقف نشاطها بشكل نهائي.
ووفق تقرير نشرته صحيفة فلوكس بلات النمساوية، اليوم الخميس، حذرت رئيسة مركز أبحاث الإسلام العالمي في فرانكفورت الألمانية وعضو المجلس الاستشاري العلمي للمركز النمساوي لتوثيق الإسلام السياسي، سوزان شروتر من خطر تنامي جماعة الإخوان داخل المجتمعات الأوروبية، وقالت إنها “تمثل أخطر تنظيم للإسلام السياسي في الغرب”.
واستعرض التقرير الإجراءات النمساوية والألمانية التي استهدفت تضييق الخناق على التنظيم وحظر رموزه وتدشين مركز لمراقبة نشاطه، فيما دعت شروتر لاتخاذ مزيد من الإجراءات لمناهضة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
أموال الإغاثة لدعم الإرهاب
واتصالاً مع هذه التقارير والإجراءات كشفت دراسة حديثة صادرة عن مركز تريندز للدراسات بأبوظبي، أدلة جديدة تثبت تورط جماعة الإخوان بدعم وتمويل عدد من التنظيمات الإرهابية في العالم باستغلال أموال الإغاثة وتحت غطاء العمل الخيري.
وأوضحت الدراسة التي أعدها مجموعة من الباحثين، هم، فتوح هيكل، أشرف العيسوي، خالد أحمد عبد الحميد، وائل صالح تحت عنوان “خطر جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا: استراتيجية التغلغل، وأدوات التمويل، وإجراءات المواجهة”، أن مساعي جماعة الإخوان للتغلغل في المجتمعات الأوروبية تنطلق من استراتيجية مدروسة، تعتمد فيها على مجموعة متنوعة من الأدوات؛ من بينها الأداة الدينية، والأداة الإعلامية، والمنصات الرقمية، والتطبيقات الإلكترونية.
تجفيف منابع الإرهاب
وتستهدف الإجراءات الأوروبية تجفيف منابع الإرهاب ومراقبة أنشطته التنظيمية والمالية بشكل صارم في إطار الاستراتيجية الشاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف والتي أقرها الاتحاد الأوروبي نهاية العام الماضي.
ووفق الدراسة تعتمد الجماعة في تمويل أنشطتها هناك على عدد من المصادر بعضها قانوني وبعضها الآخر غير قانوني؛ مثل غسيل الأموال والاتجار في العملات، التي من الصعب تتبعها ومعرفة مصادرها.
وتؤكد الدراسة أن تركيا تلعب دوراً مهماً في دعم جماعة الإخوان في مختلف الدول الأوروبية بهدف استخدام الجماعة في تحقيق مصالحها الخاصة.
وكان صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002 فارقاً في هذا الدعم، حيث تحولت البلاد إلى قاعدة تنطلق منها الجماعة إلى أنحاء أوروبا كلها.
ووفق الدراسة، تعتمد جماعة الإخوان بدرجة كبيرة على الجمعيات والمؤسسات الخيرية التابعة لها في العديد من دول العالم في الحصول على التمويل، وذلك من خلال تلقي التبرعات المالية وإرسالها لها.
وأكد ثروت الخرباوي، القيادي الإخواني السابق، أهمية الأموال التي تأتي من الخارج في دعم الجماعة، بالقول: “إن الجماعة تعتمد على الجمعيات الخيرية في الخارج كأنبوبة جمع الاشتراكات الرئيسية” واصفا إياها بأنها “المنبع الرئيسي للأموال والاشتراكات والتبرعات”.
وتشير الدراسة إلى أنه هناك العديد من الجمعيات الخيرية التابعة لجماعة الإخوان في العديد من الدول الأوروبية؛ ففي بريطانيا على سبيل المثال يعمل “منتدى الجمعيات الخيرية الإسلامية” كمظلة دعم وتمويل لعشر جمعيات خيرية كلها تنتمي إلى جماعة الإخوان، ويضم هذا المنتدى عددا من المنظمات غير الحكومية مع أعضاء من “منظمة الإغاثة الإسلامية”، و”منظمة العون الإسلامي”، و”مؤسسة الأيدي المسلمة”، وهيئة الأعمال الخيرية، ومؤسسة الإغاثة الإنسانية، و”منظمة المساعدة الإسلامية”، والجمعية الخيرية، وجمعية الأيتام المحتاجين، ومؤسسة الإمداد.
كما أن “مؤسسة الإغاثة الإسلامية”، التي تتخذ من لندن مركزا رئيسيا لها والتي أنشئت في عام 1984 في مدينة برمنغهام من طرف كوادر التنظيم الدولي للإخوان وقياداته وفي طليعتهم إبراهيم الزيات وهاني البّنا ورجل الأعمال المصري الأصل البريطاني الجنسية عمر الألفي، تقوم بدور رئيسي في جمع التبرعات المالية للجماعة.
توظيف الجائحة
وتؤكد الدراسة أن جماعة الإخوان تعتمد على هذه الجمعيات في تلقي التبرعات، وقد سعت إلى توظيف جائحة “كوفيد-19“، لجمع أكبر قدر من التبرعات؛ بحجة إنفاقها على مستلزمات الوقاية من الفيروس أو دعم مخيمات اللاجئين، وغيرها من الدعاية التي تقدمها الصفحات الإعلامية للمؤسسات الخيرية.
وقام العديد من المواقع الرسمية لمنظمات الإخوان في أوروبا والولايات المتحدة، بوضع استمارة أولية قبل البدء في التصفح، تدعو إلى التبرع لتمكين المؤسسة من مواجهة فيروس كورونا، كما توضع فيها القيم المعتبرة للتبرع عن طريق وسائل الدفع الإلكتروني.
اقتصاد الأوف شور
وحسب الدراسة، أدركت جماعة الإخوان منذ وقت مبكر أهمية الاندماج في الاقتصاد الأوروبي واستغلت الثغرات الموجودة فيه في تعظيم إمبراطورتيها المالية، ويتخذ هذا الاندماج أشكالا ًعديدة، كالاستثمار في شركات الـ”أوف شور“، ما يتيح لها تقديم التمويل لرجال الأعمال التابعين لها في الدول الأوروبية، لإقامة مشروعات فيها، ومن ثم الحصول على أرباح هذه المشروعات.
وقد نجح العديد من رجال الأعمال التابعين للجماعة في تكوين ثروات ضخمة تضعهم في خانة أصحاب المليارات الذين تربطهم علاقات قوية ذات طابع تجاري مالي مع عدد من الشركات والمؤسسات الرأسمالية الكبرى في العالم.
السياحة الحلال
وتلقي الدراسة الضوء على أحد أبرز الأنشطة الاقتصادية لجماعة الإخوان وهو ما يطلق عليه “التجارة الحلال“، والتي من خلالها راكمت الجماعة رأسمالها على مدار العقود الماضية بعيدا عن أي رقابة قانونية أو حتى مساءلة داخلية، خاصة أن هذه التجارة بفروعها المختلفة، من أغذية وسياحة، فوق أنها تلبي احتياجات الشريحة الأكبر من المسلمين حول العالم، فإنها تنمو بشكل متسارع.
على سبيل المثال، تشير التقديرات العالمية إلى أن القيمة السوقية للأغذية الحلال في أنحاء العالم كله عام 2017 بلغت 1.4 تريليون دولار أميركي ومن المتوقع أن تصل إلى 2.6 تريليون دولار عام 2023.
وتشهد السياحة الحلال تناميا كبيرا أيضا، فوفقا لـ”مؤشر السفر الإسلامي العالمي” GTMI، من المتوقع أن تقفز مساهمة قطاع السفر الحلال في الاقتصاد العالمي من 220 مليار دولار عام 2020 إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2026.
ولا شك أن ارتفاع القيمة السوقية للتجارة الحلال بأنواعها المختلفة تجعل منها أحد الاستثمارات الرابحة لجماعة الإخوان الإرهابية في أوروبا؛ حيث توجد جالية مسلمة كبرة تهتم بالمنتجات الحلال، وهذا لا شك يدر على الجماعة أموالا طائلة.
وعلى سبيل المثال يدير اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا الذي يعد الممثل الشرعي للإخوان فيها، العديد من الأنشطة بما فيها ذات الطبيعة الاقتصادية؛ حيث يستفيد من عائدات التجارة الحلال المنتشرة علي نطاق واسع في المدن الفرنسية التي تحتضن أكثر من ثمانية ملايين مسلم، وحسب دراسة عهد سيليس، الصادرة عام 2009، فإن حجم التجارة الحلال في فرنسا تقدر بنحو 5.5 مليارات يورو، بينما ذكر تقرير لمنتدى الحلال العالمي، حسب ما نقلته صحيفة لوموند عام 2010، أنها لا تقل عن 12.2 مليار يورو، وحسب لجنة التحقيق التابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي فإن التجارة الحلال تغطي 6 مليارات يورو في فرنسا وحدها؛ ما يعني أن هذه التجارة تتوسع وتنمو بشكل متزايد، وتشكل واحدة من القطاعات الحيوية التي تستثمر فيها جماعة الإخوان أموالها، خاصة في أوروبا.