لقد ذكرتُ في: [الراحل علي الوردي في ميزان(1) بتاريخ27.02.2018 الرابط
https://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=925594&catid=288&Itemid=601
التالي: [كُنْتُ عازماً على ان تكون بداية هذه السلسلة حول ما نُشر عن الراحل الكبير الاستاذ علي الوردي مثل: مئة عام مع الوردي / الاستاذ محمد عيسى الخاقاني / دار الحكمة 2013وعلي الوردي في النفس المجتمع / جمع الاستاذ سعدون هليل / مكتبة بساتين المعرفة 2011 وعلي الوردي عدو السلاطين ووعاظهم / الدكتور حسين سرمك حسن / دار ضفاف 2013 ومن وحي الثمانين / سلام الشماع / مركز الحضارة 2011 وعلي الوردي و السوسيولوجيا التاريخية / الاستاذ محمود عبد الواحد محمود القيسي دار ومكتبة عدنان 2014 وكتاب: علي الوردي والمشروع العراقي / تأليف نخبة من الكتاب والمختصين / الطبعة الاولى / دار السجاد / بغداد شارع المتنبي / 2010 وغيرها ومقالات لأساتذة كرام الاستاذ قاسم حسين صالح والاستاذ ابراهيم الحيدري والاستاذ سلمان الهلالي وغيرهم…] انتهى
ملاحظة: [الذكر العطر الدائم والرحمة للراحل الدكتور حسين سرمك حسن والعمر المديد للأساتذة الاحياء]
ولكني انشغلتُ بما قدَّم الراحل الوردي ووعدت بالعودة الى كتابات المُحبين عن حبيبهم وحبيبنا الراحل الدكتور علي الوردي وكانت المقالة السابقة: [ الراحل علي الوردي في ميزان/الصين(1)] بتاريخ 23.07.2021 الرابط
https://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=957070&catid=323&Itemid=1234
هي بداية هذه السلسة حيث تطرقتُ لما ذكره بعض احباب الوردي منهم السيد محمد عيسى الخاقاني وسلام الشماع عن موضوع زيارته للصين وهما من المقربين جداً للراحل الوردي والذين رافقوه (التصاقاً) الأول للعشرة أعوام الأخيرة من عمر الوردي والثاني كما يبدو أكثر من ذلك.
البعض ممن كتب عن الراحل الوردي بعد وفاته اراد المتاجرة والتسلق باسمه والبعض حاول الانصاف لكن غلبت عليه عاطفته فضاع منه الكثير وربما اساء للراحل الوردي وهو يريد التمجيد والثناء وهذه كان يكرهها الوردي في حياته كما بان لي من قراءتي لما ترك. والبعض حرص على توثيق ما سَمِعِ عنه وما سُمِعَ منه …البعض كَتَبَ بدقة وصراحة والبعض كتب مجاملاً ومنبهراً، البعض أَّشروا وأشاروا الى ما كان في كتابات الوردي من تناقضات و عدم دقة و “انحراف” عن بعض المعاني و خلل في بعض الطروحات و التفسيرات وضعف بائن و توليف و تأليف لحكايات و قصص غير صحيحة و بعضها ملفق و حتى فيها من الكذب ما اربك بعض محبيه فنقلوا لنا حكاوى و حكايات تاهوا فيها بين ما كتبه الوردي عنها ونشره في كتبه و ما يدَّعون انهم سمعوها منه مثل حكاية (الغناء في الحمام) تلك التي ستكون مادة هذه المقالة.
كل من كتب عن الراحل الوردي ’’ أساء له’’ هنا او هناك سواء في سوء النقل والتحريف او في باب التعظيم الطاغي. هنا اذكر مثل واحد وهو شكل من اشكال’’ الإساءة’’ غير المقصودة للراحل وهو شكل من أشكال عدم الدقة حين ذكروا وهذا حال الغالبية عن تفوقه بالدراسة في جميع مراحلها (الأول على العراق والأول على المدرسة) وانه نال كل شهاداته العلمية بتفوق وامتياز دون ان يقدم أي واحد منهم أي دليل او وثيقة تؤيد ذلك او حتى قول للوردي او سطر واحد من كتاباته ذكر فيه ما يؤيد ذلك حتى بالتلميح، هذه واحدة فقط، وغيرها الكثير.
اليوم أطرح كما قلت قصة (الغناء في الحمام) كما نشرها الراحل الوردي وكما لحن فيها بعض السادة من محبي الوردي كما وردت في اصداراتهم حيث وردت في أربعة كتب اثنان للوردي (كراسة شخصية الفرد العراقي 1951 ودراسة في طبيعة المجتمع العراقي 1965) واثنان لمحبيه هما السيد محمد عيسى الخاقاني: (مئة عام مع الوردي 2013) وسلام الشماع: (من وحي الثمانين 2011). اليكم نصوصها:
1ـ في: [كراسة شخصية الفرد العراقي/ علي الوردي 1951 ص51] ورد فيها النص التالي: [ومما يحكى في هذا الصدد ان احد الطلاب العراقيين الذين يدرسون في أمريكا ذهب مرة لزيارة صديق له عراقي أيضا فلم يجده في البيت فجلس مع ام البيت يتحدث عنه فقالت السيدة تصف العراقي الساكن في بيتها بانه فتى طيب ولكنه لا يكاد يدخل الحمام حتى يشرع بالبكاء، يقول صاحبنا فعجبت من هذا القول وبقيت انتظر صديقي حتى اتى فسالته عن سبب بكائه في الحمام فقال: لم ابك في الحمام انما كنت اغني (ابوذية) عراقية فقط لا غير] انتهى
*تعليق: أحد الطلاب ذهب لزيارة صديق له فلم يجده…انتظره حتى أتى!!!!! متى اتى ربما بعد منتصف الليل!!!!
2ـ وردت في: [دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ص333 علي الوردي: [يحكى ان احد الطلاب العراقيين الذي كان يدرس في أمريكا ذهب ذات يوم لزيارة صديق له من العراقيين هناك فلم يجده في الدار التي كان نازلا فيها فجلس الى صاحبة الدار يتحدث معها عنه فقالت السيدة تصف نزيل دارها بانه شاب طيب لكنه لا يكاد يدخل الحمام حتى يشرع بالبكاء. وقد اتضح أخيرا ان هذا الشاب العراقي لم يكن يبكي في الحمام كما ظنت السيدة الامريكية بل كان يغني (ابوذية) عراقية] انتهى
*تعليق: هذه رواية الوردي نفسه حيث لم يُشِرْ الى نفسه واكد في الروايتين انها حصلت في أمريكا. وهي كما فهمتُ مما قرأت انه أراد بصياغتها ان يجعلها سنداً لما أراد أن يقول عن الحزن في الأغنية العراقية وهي رواية ركيكة تنم عن أمور كثيره فيها عن اللياقة مع الجيران وغيرها. يكتب الوردي: (يحكى ان …عن طالب بعثة عراقي في أمريكا وكأنه سمعها من الغير).
اليكم ما ورد عن هذه الرواية الركيكة في كتب محبي الوردي اللصيقين له فترة طويلة وحرجة من حياته.
3ـ وردت في: [من وحي الثمانين سلام الشماع ص45] (الكتاب من 223 صفحة يحوي في خاتمته اراء أساتذة هم: الباحث والمؤرخ عبد الحميد العلوجي والمؤرخ كَوركَيس عواد والدكتور سيار الجميل والسيد محمد مبارك والسيد عواد علي والسيد علي السوداني: [وحدثنا ان عجوزا كان ينزل في بيتها طالب بعثة عراقي شَكَتْ إليهم ان هذا الفتى كلما دخل الحمام ليغتسل يبكي وينوح بحيث يحملها صوته على البكاء معه وطلبت منهم البحث في التخفيف عن حال وعندما سألوه لماذا تبكي عندما تدخل الحمام بحيث تجعل هذه العجوز تبكي لبكائك؟ تعجب الفتى وأنكر انه يفعل ذلك وبعد السؤال والجواب ظهر ان الفتى كان يغنى بالأغنيات العراقية والريفية منها بخاصة وبالأبوذيات والعتابة والموالات والمقام] انتهى
*تعليق: هنا الكاتب يقول ان الوردي حدثهم عن عجوز شكت إليهم…مَنْ هُمْ هؤلاء ’’ إليهم’’؟ وكان بكاءه يبكيها وكأنه يتحدث عن عجوز عراقية (دمعتها بطرف عينها) وهو لا يعرف ان هذه العجوز ربما ما بكت حتى عندما توفي زوجها او ابنها الوحيد. ثم عَّدَدَ أنواع الغناء العراقي كلها…لكن السيد الكاتب لم يحدد اين حصلت ملحمة البكاء في أمريكا ام بريطانيا ام في الاعظمية او الكاظمية.
4ـ اليكم نص ما ورد في كتاب: [مئة عام مع الوردي السيد محمد عيسى الخاقاني ص110 (الكتاب من 327 صفحة) حيث كتب تحت عنوان فرعي هو: [مقياس الفرح والحزن] التالي: [هل سمعتم بكاءه انه ينتحب يكاد صوت انينه العالي يبكي الحجر يجب علينا وعليكم أنتم اصدقاءه خاصة وضع حل لمشكلته، انا اتحرج ان اساله فهو يمارس بكاءه وانينه في الحمام ويخرج منتشيً وسعيدا، انا أخشى ان اتحدث معه فربما شعر ان أحداً ما ينتهك خصوصيته، أنتظر منكم أنتم ان تتحدثوا معه لأطمئن على هذا الرجل الطيب!
هذا أقرب ما يكون الى نص الحديث السري الذي افضت به السيدة العجوز صاحبة البيت البريطانية الى أصحاب الوردي بشأن صديقهم الدكتور علي الوردي الذي جاء يقضي اجازته الصيفية الجامعية في بريطانيا وعادة ما كان يسكن عند هذه العجوز التي تؤجر بيتها للمشاركة مع الطلبة الوافدين الى بريطانيا ومازالت هذه العادة مترسخة عند بعض أصحاب البيوت كان الحدث في العطلة الصيفية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث بدأت اوروبا تنتعش بمشروع مارشال الأمريكي والحرب التي وضعت اوزارها فلماذا يبكي الوردي؟
أصدقاء الوردي وهم قلة قَلِقوا على حاله، فالعجوز اشارت الى حالة نفسية مستعصية لشخص يبكي بصوت عال في الحمام الا ان انفتاح الوردي الفكري تجاه كل الناس وحبه للاستمتاع إليهم سهل عليهم مهمة سؤاله فسألوه ماذا تفعل في الحمام؟
قال: استحم
قالوا: هل تفعل شيء اخر؟
قال: لا
قالوا: لقد سمعتك صاحبة البيت تبكي وتئِن فهل كنت تشكو من مشكلة. تقول ان البكاء والانين بصوت عال يرافقك كلما ذهبت الى الحمام؟
قال: الوردي حينما اعدت الاغنية على العجوز قالت نعم هذا ما كنت اسمعه في الحمام.
افهموا السيدة البريطانية انه الغناء العراقي وان الوردي يغني لا يبكي ويئن وينتحب كما تصورت قالت لماذا كل هذا الحزن والالم الممض في اغانيكم الا تعلمون ان الغناء اخترع لكي يسعد الناس فلماذا أنتم تبكون في الغناء] انتهى
*تعليق: السيد الخاقاني ’’ سواها ملحمة’’…وهل سمعتم بكاءه وكأنهم جالسين في الدار وهو يغني في الحمام وهي تبكي وتنحب والحجر يذوب من البكاء والحمد لله فان البيوت في بريطانيا من خشب وإلا ذاب البيت عليهم. السيد الخاقاني يقول الملحمة وقعت في بريطانيا (ذكرها للتأكيد ثلاث مرات) واضاف للقصة حوار من أسئلة واجوبة وأصعب سؤال هو ماذا تفعل في الحمام؟ وقطع الوردي كل الشكوك عندما أجاب: أستحم. وكان السؤال التالي تأكيد على الشك بما يفعل الوردي في الحمام حيث كان: هل تفعل شيء اخر؟ وكان جواب الوردي حاسم لكنه لم ’’ يحلف /يقسم’’ حيث قال فقط: لا…وكان على السائل ان يسأله: هل انت متأكد؟ ليجيب الوردي: أي والله العظيم…هذا الحوار كله والوردي في الحمام يبكي والسيد البريطانية ’’ شكَكَت هدومها من اللطم والبجي’ ثم لا اعرف موقع العبارة 🙁 الا ان انفتاح الوردي الفكري تجاه كل الناس وحبه للاستمتاع إليهم سهل عليهم مهمة سؤاله فسألوه)؟؟؟ ما علاقة الانفتاح الفكري بموضوع القصة؟؟؟؟؟؟؟
وفي ص20 كتب السيد الخاقاني التالي: [كانت بعض قصص الوردي وآراءه غريبة وعجيبة في الاحداث والشخصيات لم يحوها في أي من كتبه ولا مقالاته المنشورة ولم يعرفها غيري او ربما اشتركت مع بعض المقربين منه في معرفتها ونشر بعض الأحبة والمقربين من الوردي بعض هذه القصص جاعلا مني مصدرا لكتابه مستشهدا بوجودي معهم وهم (هذا البعض) على حق فقد كنت حاضرا معهم حين تحدث الوردي لكن الحق أقول ان روايتهم لبعض القصص لم تكن كما يجب ان تكون او كما قال الوردي رحمه الله او حدثت له. قرات بعض القصص فوجدتها قد تأثرت بعوامل الزمن واصابتها حالات من التعرية والوهن وسوء الفهم فهذه القصص تحتاج الى تعديل او تضبيط في تواريخها ورجالاتها وأماكن وقوعها وربما انطبق على بعض رواة قصص الوردي ما قال سقراط بحق احد طلابه: (بان هذا الفتى ينتحل عني الكثير) ويؤسفني ان أقول اني قرات قصصاً كثيرة لأصدقاء و احبة يعرفون الوردي لم تكن دقيقة على وجه التحديد لذلك بحثت ونقبت في اصل القصص ولله الحمد حصلت على بعضها ولسوء الحظ لم احصل على غيرها وذلك ديدن الباحث كما كان يردد الوردي رحمة الله عليه…الخ حيث الكلام المشابه للسابق كثير هنا] انتهى
السؤال هنا: يا سيد محمد عيسى الخاقاني المحترم: هذه الرواية لا تحتاج الى بحث وتنقيب وشهود فقد كتبها الوردي في كتابين (أعلاه)..ألا ترى سردك لهذه القصة بهذه الصيغة وتأكيدك على ان مكانها بريطانيا دلالة على انك لم تقرأ للوردي قط ولم تبحث فيما طرح الوردي فكل من كتب عن الوردي قرأ كراسته الصغيرة/كراسة جيب عن الشخصية العراقية/1951..؟ وأطرب وانتشى لما ورد في قصة الغناء في الحمام.
…………………………………
الى اللقاء في التالي