ترددت كثيراً في كتابة هذه الرسالة المباشرة.. الى رائد الأمن صباح الحمداني من أبناء الموصل.. لا لسببٍ.. إلاّ ما يستوقفني.. من تساؤل عن جدوى المخاطبة المباشرة والممكنة الآن.. مع رجل عمل في سلك الأمن لسنوات طويلة.. ومطلع على الكثير من الخفايا والخبايا.. التي ما زالت لغزاً محيراً لنا.. نحن من كنا في الجهة المناوئة للنظام البعثي المقبور.. وواجهنا جوره وظلمه وقسوته.. بشجاعة وصبر تطلبت تضحيات غالية لا يمكن نسيانها.. وما زلنا نعيش تجلياتها ومآسيها لليوم.. بحكم ما جرى لعوائلنا المغيبة في القبور الجماعية في سلسلة الجرائم المتتالية للنظام.. وليست جرائم الأنفال الاّ صفحة من صفحات هذا التاريخ الدامي..
ما يشجعني على تجاوز البعد النفسي في الموضوع.. ويجعلني أتوجه بهذه الأسطر للرائد صباح الحمداني الذي بدأ من سنوات في كشف ملابسات الكثير من الجرائم.. التي اطلع عليها.. أو سمع بها.. بحكم وجوده في جهاز الأمن.. كضابط فاعل في أكثر من محافظة.. عمل في مجالات متعددة بما فيها ارشفة الوثائق الأمنية التي كانت تمنحه المزيد من الفرص للاطلاع والبحث..
لذلك يمكن القول:
1ـ إن الرجل مطلع.. ولا يتحدث من فراغ.. خاصة وانه يستعرض تجربته في العمل مع هذا الجهاز البشع مشفوعة بعمله كبعثي منتسب لحزب البعث بقناعة في حينها.. أي انه يجمع بين صفتين.. كمشارك فاعل في الحدث.. وشاهد يسعى لتبرئة ذمته.. من وقائع اقل ما يمكن وصفها بأنها جرائم يندى لها الجبين.. طالت الآلاف من الضحايا الأبرياء.. وشملت فيما شملت الأطفال والنساء والشيوخ في موجات عنف تتالت مع الزمن.. هو زمن العمل في أجهزة النظام بالنسبة للمتحدث والراوي صباح الحمداني..
2ـ ان أحاديثه وتسجيلاته.. تأتي بعد مراجعة ذاتية.. تشمل تجربة العمل في صفوف حزب البعث.. بالإضافة الى عمله في المجال الأمني.. وهو في هذه المراجعة يدين الجرائم بدون لف او دوران.. ويكشف عن المزيد من التفاصيل غير المعروفة عنها.. وهو في هذا السياق ما زال يمتلك من القدرات الذهنية التي تفيض بالأسماء والتواريخ.. مقرونة بالدلائل والوثائق.. التي يحصل عليها او يتذكر تفاصيلها.. وهذا يمنحه المصداقية والاحترام.. بحكم ما يمتلكه من حرص واندفاع للكشف عن تلك الجرائم.. يفوق حرص واندفاع من كانوا في قيادة المعارضة.. من الاكراد التي طالتهم جرائم الأنفال وفي المقدمة منهم قادة الحزبين الرئيسين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بالإضافة الى بقية الفصائل العراقية المعارضة.. من شيوعيين واسلاميين انغمسوا في اللصوصية وتركوا ملف الانفال مركوناً بين طيات التاريخ من عام 1988 ولليوم..
3ـ تخطى الرائد صباح الحمداني في نطاق توثيقه للإحداث.. دوره وتجربته الشخصية الذاتية.. ودعا عدداً من الضباط والشهود وشاركهم في سعية لتوثيق وكشف تلك الجرائم.. من خلال تسجيلات صوتية.. وهو امر يثمن عليه.. خاصة وإنه ما زال يوجه النداءات.. لبقية المطلعين على الاحداث.. ويحثهم على المشاركة وارسال المعلومات والوثائق..
وقد أفلح في هذا المجال وما زال يطور روايته وتوثيقه بلا كلل.. رغم معاناته من مشاكل صحية وضغوطات وتهديدات مختلفة ومتواصلة لا يأبه بها.. بحكم وجوده الآمن في دولة اوربية توفر له الحماية.. مما يسهل تواصله ويعزز جهوده.. عبر شبكة الانترنيت والتطور في أساليب البث والنشر.. التي يستقطب من خلالها المزيد من المتابعين.. كما يبدو من حصيلة التعليقات في الحلقات التي تم نشرها تباعاً لليوم..
وفي هذا السياق نتطلع.. ونحن نعيش أجواء الذكرى 33 لجرائم الأنفال.. التي غيبت الآلاف من الضحايا في المقابر الجماعية الى ما يمكن ان يقوله الرائد صباح الحمداني.. عن جريمة تغييب عدد من أبناء عوائل قرى سهل الموصل وسنجار.. ممن دفنوا في مقابر جماعية.. من أهالي بعشيقة وبحزاني وقرى دوغات وختارة وبوزان وكرسافة وخورزان وباعذرة وإيسيان وعين بقرة وداكا وشاريا والشيخان وسنجار ومجمع خانك في قضاء سميل..
وغالبيتهم من عوائل الايزيدية.. ثبتت أسماؤهم في قائمة خاصة.. بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء والعجزة.. بالإضافة الى مجموعة شباب ورجال غير مسلحين حاولوا الاستفادة مما أعلنه النظام من عفو مفخخ في 6/9/1988 بتوقيع صدام حسين..
جرى اقتيادهم من أطراف مقر مراني للأنصار الشيوعيين الى قلعة بروشكي في دهوك بتاريخ 8/9/1988.. ومن ثم الى مجمع بحركي في أربيل.. قبل ان يرسلوا الى قلعة طوبزاوه في كركوك.. ومنها اخذوا في رحلة الموت للدفن في القبور الجماعية بعد تموز 1989..
مع التأكيد على وجود مؤشرات وشهود تكشف صلة علاقة وتنسيق بين منظمات حزب البعث والمسؤولين الإداريين في المحافظات.. بالإضافة الى أجهزة الأمن ومديريات الأشغال التابعة لها.. التي كلفت بالمشاركة في هذه الجرائم.. حيث جرى تجميع الشفلات من عدة محافظات.. وفي فترات متتالية تحت اشراف وتوجيه مباشر من علي حسن المجيد وعناصر حمايته.. الذين اندفعوا لإعداد وتنفيذ صفحات هذه الجرائم في كافة مراحل الأنفال..
وسنرفق مع الرسالة قائمة أسماء ومجوعة صور للضحايا.. عسى ان تحرك مؤشر البحث للوصول الى رفاتهم وأماكن دفنهم المعلومة لمن كان مطلعاً على المراحل النهائية للجريمة في ذلك العهد..
ـــــــــــــــــ
صباح كنجي
28/7/2021
المانيا ـ هامبورغ
ـ ملحق معلومات..
ـ أثناء وجودهم في قلعة بروشكي كانت وحدة من الجيش مكلفة بحراسة الموقع ومن المنتسبين لها الجندي المكلف يحي غازي الأميري.. مقيم في السويد حالياً..
ـ كذلك تواجدت مجموعة من الجحوش في أطراف القلعة وعرف منهم آمر السرية خديدا بابيري..
ـ تردد على القلعة اثناء وجود العوائل فيها كل من سفر إسماعيل كجل من المفارز الخاصة التابعة للمجرم رائد أحمد من مناطق تكريت..
ـ ومن عناصر حزب البعث الذين كانوا في الجيش شُخِصْ (حجي كمو) من أهالي بحزاني وشوهد في الموقع.. وأخبر عدد من أهالي المنطقة بمشاهدته للعوائل والأطفال في القلعة..
ـ كذلك نجا من طوق الموت ممن تواجدوا مع العوائل القاضي احمد حسن كيكي الذي كان آخر من شاهد العوائل في مناطق الحجز.. وهو الآن قاضي في محاكم دهوك وزاخو..
ـ في قلعة طوبزاوه ـ كركوك كان هناك جندي من أهالي بعشيقة ـ ما زال حياً ـ حارساً وشاهداً على وجودهم في القلعة لغاية تموز 1989 حيث تم نقلهم وتغيبهم في المقابر الجماعية