.
يمكننا أن نكتشف التأثيرات الكبيرة التي ستطال حياة البشر فوق الكوكب الأزرق، بعدما دخل الإنترنت في أصغر تفاصيل حياتهم اليومية.
لكن، في تقدير بسيط لنتائج انقطاع الإنترنت على العالم، يمكننا أن نكتشف التأثيرات الكبيرة التي ستطال حياة البشر فوق الكوكب الأزرق، بعدما دخل الإنترنت في أصغر تفاصيل حياتهم اليومية.
انهيار مصادر الطاقة
في التوقعات البديهية، فإنه في نهاية اليوم الأول من انقطاع الإنترنت ستخسر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل “فيسبوك” و”واتساب” و”أنستغرام” وغيرها، مئات مليارات الدولارات من عائدات الإعلانات ومن تصفح هذه المواقع، وستفقد مليارات العملاء.
وستصبح الشركات الضخمة، مثل “غوغل” و”أمازون”، كأنها لم تكن على الفور. وستخسر شركات أخرى مثل “مايكروسوفت” أقساماً هائلة منها، وبعد امتداد زمن انقطاع الشبكة ستنهار الشركة تماماً.
وستتوقف أكثر الشركات عن العمل، منها المصارف وشبكات الهاتف الثابت والمحمول التي تعتمد جميعها على الإنترنت لتسيير أعمالها. وستنقطع الكهرباء في معظم أرجاء العالم، فشبكات توزيع الطاقة الحديثة تعتمد على شبكة الإنترنت لإيصال الكهرباء والطاقة إلى المنازل والمعامل وشبكات الطرق والبنى التحتية الأخرى، مثل المياه وشبكات تكرير الصرف الصحي.
وفي مستوى أعلى ستتوقف وسائل النقل جميعها في اليوم الأول لانقطاع شبكة الإنترنت في البر والبحر والسماء، فلا قطارات ولا سفن ولا طائرات ستصل إلى مقاصدها. ثم سيتوقف تدفق النفط والغاز في الأنابيب. وستتعطل الطائرات الحربية والمدافع وحاملات الطائرات، وأجهزة الاستخبارات وأجهزة الأمن العالمية، مثل الإنتربول، ما يهدد بفلتان أمني عام.
وسيؤدي انقطاع الكهرباء بعد مرور عدة أيام إلى فساد المواد الغذائية في ثلاجات السوبرماركت، وستبدأ أعمال الشغب بحثاً عن الطعام والأدوية ومياه الشرب. وسيكون من الصعوبة بمكان استدعاء القوى الأمنية أو الجيش لضبط الأوضاع، فتنفلت الأمور من عقالها، ويبدأ الصراع من أجل البقاء، الذي ينتصر فيه الأقوى في العادة.
وبعد مرور أسابيع على انقطاع الإنترنت، هناك أعداد هائلة من البشر سيموتون من البرد في المناطق التي تعتمد على الكهرباء أو النفط في التدفئة، وسيموت عدد مواز من الحر وفقدان مياه الشرب الآتية من تحلية مياه البحر في الدول الصحراوية التي تعتمد التبريد والتحلية بواسطة الطاقة.
خسائر فادحة
ستتعطل المعاملات المالية بين المصارف العالمية، وقد تختلط الحسابات ببعضها، خصوصاً في هذا الزمن الذي تحولت فيه الأموال إلى أسهم أو سندات أو عقود إلكترونية ورسائل بريدية ونقود “إنترنتية”، وربما يفقد الأثرياء أموالهم، فيعود الجميع إلى نقطة الصفر مالياً، وتتحقق أحلام المساواة المالية بين الطبقات بحسب الساخرين من مثل هذه التوقعات.
وستضيع ملايين المعاملات التجارية في أنحاء العالم، ويفقد معظم البشر أعمالهم بطبيعة الحال، طالما أن الأعمال في غالبيتها من أي نوع كانت باتت تعتمد على شبكة الإنترنت، لتيسير معاملاتها.
والتأثير المالي، بحسب تقارير اقتصادية عالمية، سببه أن الدول المتقدمة دخلت في منظومة “الاقتصاد الرقمي”، وتقدر قيمة الاقتصاد الرقمي للولايات المتحدة بـ 5.9 تريليون دولار، أي ما يوازي 33 في المئة من الناتج المحلي.
كما أن 43 في المئة من العمالة في الولايات المتحدة تتركز في القطاع الرقمي. ووفقاً لمكتب الإحصاء الأميركي، تشكل التجارة الإلكترونية 35 في المئة من جميع الشحنات من الصناعة التحويلية، وهذا يعني 1.8 تريليون دولار لهذه الصناعة وحدها.
إذا انهار الإنترنت فستواجه عديد من الصناعات ركوداً فورياً، بسبب توقف تجارتها والطلب عليها إلكترونياً. ولا توجد طريقة سهلة للتعافي من خسارة تريليونات الدولارات.
وستواجه البلدان المتقدمة أزمات اقتصادية حادة حيث ستختفي قطاعات صناعية بأكملها أو تكافح من أجل البقاء في أعقاب الخسائر المدمرة. ولن تعاني البلدان غير المتصلة كلياً على شبكة الإنترنت كغيرها، لكن ستتوقف التجارة والمساعدات التي تعتمد عليها من البلدان الأخرى.
مؤلف كتاب “المجتمع والإنترنت”، ويليام داتون يعبر عن قلقه من “أن الناس يستبعدون فكرة انقطاع الإنترنت، وفي الوقت نفسه لا يدركون مدى تغلغل الإنترنت في كل جوانب حياتهم تقريباً”.
وسيكون من بين المتأثرين بهذا الانقطاع مدمنو التواصل عبر شبكة الإنترنت، الذين يمضون قسماً كبيراً من وقتهم يحدقون في شاشات الكمبيوتر أو الهواتف المحمولة. وعلى سبيل المثال، خلص استطلاع أجرته مؤسسة “غلوبال ويب إندكس” للأبحاث المتعلقة ببيانات مستخدمي الإنترنت، في 34 دولة إلى أن مستخدمي شبكة الإنترنت يقضون ما معدله ست ساعات ونصف الساعة يومياً داخل هذه الشبكة.
ويقول ستيفان هوفمان، أستاذ علم النفس في جامعة بوسطن، المتخصص في دراسة المشاعر الإنسانية المتمحورة حول استخدام شبكة الإنترنت، إن بعضاً قد تنتابهم حالة من القلق عند الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي، ويشعرون برغبة مُلحة في العودة إليها. فما الذي سيصيب مئات الملايين من هؤلاء المدمنين في حالة الانقطاع الدائم؟
في مثال آخر حول هذه الفئة من مدمني الشبكة، تحدى جيف هانكوك، الباحث في التأثيرات النفسية والاجتماعية للتواصل عبر الإنترنت، والأستاذ في جامعة ستانفورد، طلابه من أجل قياس مدى قدرتهم على الاستغناء عن الإنترنت يومين خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكن الطلاب رفضوا هذا الامتحان، واعتبروه جائراً وغير واقعي.
وللعلم، كان عدد مستخدمي شبكة الإنترنت في عام 1995 أقل من واحد في المئة من سكان العالم. أما اليوم فيزيد عدد المستخدمين على 4 مليارات شخص، أي ما يزيد على نصف سكان العالم، ويرتفع هذا العدد بمعدل عشرة أشخاص في كل ثانية.
هل يمكن أن ينهار الإنترنت؟
بحسب المتخصصين في عمل شبكة الإنترنت، فإن الانهيار التام للإنترنت سيكون شبه مستحيل. فالإنترنت ليس صندوقاً سحرياً يعمل بمفتاح تشغيل وإيقاف. بل هو مجموعة من العمليات والآلات المادية، التي باتت تعمل وفق آليات ذاتية تؤثر فيها مجموعة كبيرة من الخوادم والشركات التجارية ومستخدمو الشبكة أنفسهم.
ومن الممكن أن يخرج جزء من الشبكة عن العمل، وهذا ما يحدث طوال الوقت، سواء كان أحد الخوادم معطلاً، ويحتاج إلى إعادة تشغيله أو استبداله، أو في حال تمكن القراصنة من الدخول إلى مراكز الخوادم وتعطيلها، أو في حال تعطل أحد الكابلات الموجودة تحت مياه المحيط بواسطة مرساة أو بسبب عمل تخريبي. فهناك حوادث يمكن أن تعطل خدمة الإنترنت، لكن آثار هذا التعطيل تميل إلى أن تكون معزولة وموقتة.
والعمود الفقري للإنترنت أي مجموعة الكابلات والخوادم التي تحمل الجزء الأكبر من البيانات عبر شبكات مختلفة ليست مركزية العمل، كما يقول التقنيون في أكبر الشركات العالمية. فليس هناك زر معين يمكنك الضغط عليه لتعطيل شبكة الإنترنت. ولكي يقع انهيار الإنترنت عالمياً، يجب أن تتوقف جميع الخوادم دفعة واحدة، وهذا لن يحدث إلا في حرب نووية، أو في ارتطام نيزك بالأرض أو في توهج شمسي كبير، لكن في هذه الحالات لو وقعت، لا يعود هناك حاجة لشبكة الإنترنت من الأساس، لأن الأرض نفسها ستصبح رماداً.