في ذكرى مجزرة “الإبادة الأيزيدية” التي ارتكبها مقاتلو تنظيم “داعش” في بلدة سنجار بمحافظة نينوى العراقية عام 2014، والتي شهدت مقتل آلاف الأيزيديين وخطف وسبي آلاف آخرين معظمهم نساء وأطفال، يؤكد مسؤولون ومراقبون أنّ وضع المدينة لم يتطور في كلّ النواحي منذ تحريرها عام 2015، وأنّ عملية البحث عن مفقودين وعن مقابر يعتقد بأنّها تضم رفاتهم تتواصل، بينما ما زالت المباني والمنازل مدمّرة وخالية من السكان الذين يقطنون منذ أعوام في مخيمات النازحين.
في 3 أغسطس/ آب 2014، ارتكب “داعش” إحدى أبشع جرائمه في العراق، حين اقتحم مئات من مسلحيه بلدة سنجار، وأعدم مئات من الرجال والشباب، وخطف آلاف النساء والفتيات، بينهم أطفال ما زال أكثر من 3 آلاف منهم مجهولي المصير حتى الآن.
يقول قائمقام سنجار، محما خليل لـ “العربي الجديد”: “واجه الأيزيديون أبشع إبادة ما زالت أصداؤها تعشش في أذهان جميع أبنائهم. وزاد مآسي المجزرة تجاهل الحكومة العراقية توفير أي متطلبات لرعايتهم واحتضانهم وتوفير المستلزمات التي تليق بحياتهم، ما جعلهم يفقدون الأمل في ظل تهميشهم بالكامل، كما تأثر الوضع في سنجار باشتداد الصراعات السياسية والإقليمية التي تشهدها المدينة”. يضيف: “لا تحركات جدّية لإنقاذ أكثر من 3000 أيزيدي وأيزيدية في عداد المخطوفين والمفقودين، والذين لا يعرف أحد مصيرهم، سواء كانوا أحياء أو قتلوا. وقد أسقطت الحكومة العراقية القضية، في حين يتنصل المجتمع الدولي من المسؤوليات والوعود التي قطعها سابقاً للأيزيدين الذين يشكلون مكوناً مهماً في المجتمع العراقي، علماً أنّ عددهم يتجاوز نصف مليون”.
مصالح المليشيات
يشير خليل إلى أنّ “حكومة إقليم كردستان أقرّت، بالتنسيق مع بغداد وبالتعاون مع منظمات تابعة للأمم المتحدة، خططاً كثيرة لإعادة إعمار سنجار وإنقاذها من الواقع الأليم الذي تعيش فيه. لكنّ مليشيات مسلحة بينها تلك التابعة لحزب العمال الكردستاني تمنع بذل أيّ جهود حقيقية لاستعادة المدينة حياتها الطبيعة، والانضمام إلى باقي المناطق التي حُررت من سيطرة داعش. هذه الجهات لا تريد فعلياً جلب الخير للأهالي وتحقيق مصالحهم، وتتعمد تنفيذ أجندات إقليمية في المدينة”. ويؤكد أنّ “البنى التحتية في المدينة مدمّرة، وأطلال المنازل على حالها في مركز المحافظة الذي يبدو أنّه لم يخرج من الحرب، أما الحكومة المحلية في سنجار فلم تطلق أيّ مشروع ضمن حملة إعادة الإعمار، بسبب قلة الموارد المالية من جهة، وتهديدات المسلحين الذين يحاولون السيطرة على سنجار، والتأثير على قرارات الأهالي وخياراتهم”.
واللافت أنّ البرلمان العراقي أقرّ في مارس/ آذار الماضي قانون الناجيات، الخاص بالأيزيديات المخطوفات. ولحظت أهم بنوده منحهن امتيازات مالية ومعنوية لتسهيل إعادة اندماجهن في المجتمع، من بينها راتب تقاعدي وقطعة أرض للسكن، وأولوية في التوظيف، إلى جانب استثناءات تتعلق بشروط الدراسة، عبر إعفائهن من شروط العمر والأجور وغيرها.
ولاقى القانون ترحيباً واسعاً من المستفيدين منه، وتحديداً آلاف النساء من ضحايا التنظيم اللواتي حررتهن القوات العراقية والتحالف الدولي وقوات “البشمركة” التابعة لإقليم كردستان. لكنّ وكيل الطائفة الأيزيدية، مير جهور علي، يؤكد لـ”العربي الجديد” أنّ “القانون الخاص بالناجيات الأيزيديات لم يُنفذ حتى الآن”، معتبراً أن “قضية سنجار سياسية بحتة، إذ تشهد صراعاً إقليمياً بين قوات الحشد الشعبي وتلك التابعة لحزب العمال الكردستاني التي تملك نفوذاً وقوى مسلحة تعيق أي تقدم في ترتيب أوضاع المدينة”.
اتفاق سنجار
ويوضح علي أنّ “اتفاق سنجار الذي وقعت الحكومتان في بغداد وأربيل كلّ بنوده، يشكل السبيل والوحيد والحل الأكثر مثالية اليوم لإنهاء معاناة الأهالي ومعالجة غالبية المشكلات. ونحن طالبنا مرات كثيرة المجلس الروحي للأيزيديين بتنفيذ الاتفاق من أجل بدء حملات الإعمار، وإصلاح الخدمات وتشييد البنى التحتية. كما نرى أن مسؤولي الأحزاب الشيعية في بغداد يتعمدون إهمال ملف الأيزيديين، بينما يجعل العمال الكردستاني وفصائل تتبع الحشد الشعبي المدينة غير آمنة، في وقت يشكل انتشار المقار العسكرية والسلاح في شكلٍ كبير مصدر رعب للنازحين يجعلهم يترددون في العودة، مع تفضيل بعضهم البقاء في المخيمات بدلاً من مواجهة مصير غير بعيد عن مظهر احتلال داعش للمدينة”.
60 في المائة من الأيزيديين في مخيمات
يشير الصحافي أحمد شنكالي، وهو من سنجار، إلى أنّ “المدينة مدمّرة بالكامل حالياً على غرار بنيتها التحتية. كما أنّ نسبة 70 في المائة من مناطق مركز القضاء مدمّرة بسبب العمليات العسكرية وعمليات قصف قوات التحالف الدولي، واستيلاء داعش عليها. ورغم أنّ القوات الحكومية العراقية سيطرت خلال فترة رئاسة حيدر العبادي على المدينة عام 2017 ضمن عمليات فرض القانون، ما زالت الفصائل المسلحة منتشرة فيها، وتتحكم فصائل أيزيدية في شكل غير مباشر بزمام الأمور”. واستغرب “عدم نجاح الحكومة العراقية في إيجاد حلول لملف سنجار، علماً أنّ الاتفاق بين بغداد وأربيل على تطبيع الأوضاع في سنجار، أهمل الأيزيديين واعتبر ملفهم ثانوياً، لا سيما أنّ أكثر من 60 في المائة من سكان سنجار يعيشون في مخيمات نزوح بإقليم كردستان. ونرى أنّ حكومة الإقليم تستغل ملف النازحين للحصول على مكاسب سياسية”.
ولا تلوح أيّ حلول قريبة للأيزيديين منذ الهجوم الذي شنه “داعش” على سنجار عام 2014، وقَتل فيه أكثر من 3 آلاف أيزيدي وسبا 7 آلاف امرأة وفتاة، وشرّد فيه معظم أفراد الطائفة البالغ عددهم 550 ألفاً. ويرى مسؤولون عراقيون في حديثهم لـ “العربي الجديد” أنّ “الحكومة العراقية منشغلة بملفات تتعلق بالانتخابات والمشكلات الأمنية التي تسببها الفصائل المسلحة المعادية لوجود القوات الأميركية في البلاد”.
محمد الباسم