إعلان الولايات المتّحدة إنهاء وجود قوات مقاتلة لها في العراق لم يضع نقطة النهاية لصراعها ضد الميليشيات التابعة لإيران على الأرض العراقية، بل مثّل منطلقا لمرحلة جديدة من الصراع تؤذن باطلاقه تهديداتُ الميليشيات والإنذارات شديدة اللهجة التي وجهها السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر للميليشيات ولداعمتها إيران.
بغداد- وجّهت الولايات المتّحدة الأميركية على لسان سفيرها في العراق ماثيو تولر سلسلة إنذارات شديدة اللهجة إلى الميليشيات الشيعية التابعة لإيران التي هدّدت بمواصلة استهداف المصالح والقوات الأميركية في العراق وشرعت بالفعل في تنفيذ وعيدها، رغم إعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الأخيرة إلى واشنطن عن إنهاء المهام القتالية للقوات الأميركية في العراق والاكتفاء بمهمة تدريب القوات العراقية.
وقال تولر معلّقا على الهجمات التي تشنها الميليشيات الشيعية على مصالح وقوات بلاده في العراق إنّ المجاميع المسلحة التي تدّعي قتال احتلال أميركي غير موجود على أرض الواقع إنّما تنفّذ أجندات سياسية خارجية طائفية يعرفها العراقيون جيدا. وأضاف الاثنين متحدّثا لعدد من وسائل الإعلام “نحن نحتفظ بحق الدفاع عن النفس عند الضرورة، لكننا نتطلع إلى العمل الحكومي في ردع هذه المجاميع وإيقاف تلك الهجمات”.
واعتبر السفير أنّ ما “تقاومه” الميليشيات “هو وجود دولة قوية ذات سيادة.. وعراق يُحكم على أساس القانون بعيدا عن الطائفية والعرقية”. وفي ما بدا أنّه تذكير بجرائم الميليشيات وتلويح باتخاذ إجراءات ضدّ قادتها، قال تولر إنّ “المجاميع المسلحة مسؤولة عن جرائم القتل والقمع للناشطين الذين يعبرون عن رؤيتهم بعراق ناجح”.
ماثيو تولر: نحتفظ بحق الدفاع عن النفس عند الضرورة
وكشف أنّ قضية الإفلات من العقاب كانت ضمن الحوارات بين رئيس الوزراء العراقي والرئيس الأميركي في واشنطن، وأنّ الجانب العراقي أكّد قدرته على محاسبة المتسببين بالاغتيالات والقتل وممارسة العنف.
وحمل كلام السفير الأميركي في العراق إرهاصات مرحلة جديدة من تصعيد الصراع بين الولايات المتّحدة والميليشيات الشيعية العاملة لحساب إيران في العراق، بعد سقوط محاولة التهدئة التي سعت إليها كلّ من بغداد وواشنطن من خلال اتّفاقهما على تغيير عنوان الوجود العسكري الأميركي في العراق من قتالي إلى تدريبي، وهو ما بدا للقوى والفصائل الرافضة لذلك الوجود مجرّد محاولة للالتفاف على مطلب سحب تلك القوات المتضمّن في قرار برلماني كانت تلك القوى قد استصدرته باستخدام أغلبيتها في مجلس النواب العراقي بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني والقيادي الكبير في الحشد الشعبي أبومهدي المهنس بغارة جوية أميركية قرب مطار بغداد مطلع السنة الماضية.
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن مطلع الأسبوع الماضي لدى استقباله الكاظمي في البيت الأبيض أنّ الولايات المتّحدة ستباشر مرحلة جديدة من التعاون العسكري مع العراق. وقال “لن نكون مع نهاية العام في مهمّة قتاليّة” في العراق، لكن “تعاوننا ضدّ الإرهاب سيتواصل حتّى في هذه المرحلة الجديدة التي نبحثها”. وأوضح أنّ دور العسكريين الأميركيين في العراق سيقتصر على تدريب القوّات العراقية ومساعدتها في التصدّي لتنظيم الدولة الإسلاميّة.
وكردّ عملي فوري على اتّفاق بايدن – الكاظمي استأنفت الميليشيات استهداف مقرّ السفارة الأميركية في بغداد بالصواريخ، والتعرّض للقوافل المدنية لإمداد قوات التحالف الدولي ضد داعش بالمؤن بالعبوات الناسفة، بعد أن عبّرت عدّة فصائل عن رفضها الصريح للصيغة الجديدة لوجود القوات الأميركية في العراق.
واعتبرت الهيئة التنسيقية لما يعرف بـ”المقاومة العراقية” التي تضمّ فصائل موالية لإيران بعضها منضو في الحشد الشعبي في بيان، أن الانسحاب الذي أعلنت عنه بغداد وواشنطن ليس حقيقيا. وأكدت أنّ “موقف المقاومة الرافض لوجود أي نوع من أنواع الاحتلال بأشكاله كافة لن يتغير”، وأنها “ستبقى على جهوزيتها الكاملة إلى حين الانسحاب الحقيقي”.
ومنذ مطلع العام الجاري استهدف نحو خمسين هجوما مصالح أميركية في العراق، لاسيّما السفارة الأميركية في بغداد وقواعد عسكرية عراقية تضمّ أميركيين ومطاري بغداد وأربيل.
وتشنّ واشنطن ضربات ردّا على تلك الهجمات نُفّذ آخرها في آخر يونيو الماضي واستهدف مواقع لفصائل عراقيّة مدعومة من إيران عند الحدود السورية – العراقية. وتثير هذه الهجمات قلق المسؤولين العسكريين في التحالف الدولي لمكافحة داعش بقيادة الولايات المتحدة التي تنشر 2500 عسكري في العراق من بين 3500 عنصر من قوات التحالف.
وعبّر تولر عن إصرار بلاده على مواصلة لعب دور في العراق، قائلا إن “واشنطن وبغداد اتفقتا على الشراكة بين البلدين وتقوية العلاقات في ما بينهما”، لافتا إلى أنّ للعراق “حدودا إستراتيجية مع جيران مهمين”، ومضيفا أن وجود دولة عراقية قوية وذات سيادة أمر مهمّ ليس للعراقيين فقط بل للمنطقة بشكل كامل “وإذا كانت الدولة العراقية ضعيفة بسبب تدخلات خارجية وانتشار الفساد، فهذا سيتسبب بمشكلات كبيرة ولا يصب بمصلحة العلاقات بين بغداد وواشنطن”.
ولم يستثن السفير الأميركي إيران من ملاحظاته حيث حذّر من أن “بعض جيران العراق يعتبرون أن الدولة العراقية ضعيفة ويحاولون التدخل وفرض إرادتهم وأجندتهم فيها”، مشيرا إلى أن “بعض المجاميع المسلحة التي تسمي نفسها مقاومة هي مؤدجلة وممولة من الجارة إيران وفي الشمال أيضا هناك حزب العمال الكردستاني. لو كانت هناك دولة قوية لقاتلتها ومنعتها من التواجد في الأراضي العراقية”. وأكد أن “الولايات المتحدة تريد للعراق علاقات طيبة مع جيرانه لكن علاقات دولة لدولة وليست تدخلات في الشؤون الداخلية للبلاد”.
كردّ عملي فوري على اتّفاق بايدن – الكاظمي استأنفت الميليشيات استهداف مقرّ السفارة الأميركية في بغداد بالصواريخ، والتعرّض للقوافل المدنية لإمداد قوات التحالف الدولي
وبشأن وجود القوات الأميركية في العراق أوضح السفير الأميركي أنه خلال الحوار الإستراتيجي تمت مناقشة موضوع تلك القوات “وتم نقل هذا الملف إلى خبراء أمنيين لوضع خطط لحاجة التدريب والاستشارة في أمور المعلومات القتالية”، مضيفا “القوات العراقية هي وحدها من ستكون القوات القتالية” مع نهاية السنة الحالية.
وفي ما بدا أنّه استعراض لحاجة العراق للدعم الأميركي في عدّة مجالات غير المجال الدفاعي والأمني، ذكّر تولر بأن بلاده قدّمت مساهمة مالية بخمسة عشر مليون دولار للعراق لمساعدته على إنجاح الانتخابات البرلمانية القادمة المقرّرة لشهر أكتوبر القادم، وساهمت بأكثر من ملياري دولار لمساعدة النازحين الذين فرّوا من مناطقهم أثناء الحرب على تنظيم داعش لتوفير الخدمات في المناطق المستعادة من التنظيم، مضيفا “تمت مساعدة أكثر من مليوني عراقي على الحصول على الماء الصالح للشرب وكذلك نساهم في إصلاح ماء البصرة كما وفرنا تمويلا لوزارة الصحة العراقية في ما يتعلق بالمختبرات وغيرها لمواجهة وباء كورونا”.