*
الآن ومع مرور كل يوم يقرب إبراهيم رئيسي من السلطة لتقلد منصب الرئيس الثالث عشر للنظام بواسطة علي خامنئي تجعل المشهد أكثر إثارة للجدل في الدوائر السياسية والإخبارية العالمية، وأولا وقبل كل شيء أصبح قبول أو عدم قبول الرئيس الجديد للملالي في الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة قضية راهنة، فالاتهامات الموجهة إلى إبراهيم رئيسي حتى الآن تمنعه من الانضمام إلى القمة لاتهامه وذلك لارتكابه جرائم “إبادة جماعية” و “جرائم ضد الإنسانية في إيران”.
تظهر الأخبار والمعلومات المنشورة عن إبراهيم رئيسي في وسائل الإعلام الرائدة في العالم، والدعوات الصادرة عن المحافل الدولية والمجالس التشريعية للدول المختلفة حقيقة أن إبراهيم رئيسي لعب دورا أساسيا في مجزرة عشرات الآلاف من السياسيين في السنين الماضية.
والنقطة المهمة والرائعة هي أن إبراهيم رئيسي لم ينف هذه الاتهامات عن نفسه فحسب بل كان فخورا أيضا بالجرائم التي ارتكبها وقال إنه ارتكب هذه الأعمال من أجل حقوق الإنسان (!) في إيران!
هل لدى إبراهيم رئيسي مفهوم خاطئ عن حقوق الإنسان أم أن تصريحاته تشير إلى حقيقة أخرى؟ فلنلقي نظرة معا على هذا الموضوع داخل إيران في ظل حكم الملالي
أثار إعلان قيام حركة القصاص لدم الشهداء ” شهداء مجزرة السجناء السياسيين بسجون النظام الإيراني سنة 1988″ ردود أفعال ترحيبية لدى الشعب الإيراني و تم الإعلان عن الحركة قبل الجولة الثانية عشرة من انتخابات النظام عام 2017 مما دفع بالنظام الى التفكير بهندسة مخططات لمسرحية ما يسمى بالدورة الثانية عشرة للانتخابات الرئاسية عام 2017 من أجل التمهيد لوضع إبراهيم رئيسي على كرسي رئاسة جمهورية الملالي ، فتنفجر مخططاتهم كفقاعة على سط ماء، ويتحول حلم ورؤية علي خامنئي لتوحيد نظامه إلى صدمة كبيرة للنظام.
قالت مريم رجوي في ذكرى مجزرة السجناء السياسيين عام 2017: “أحبطت حركة العدالة خطة خامنئي الذي أراد وضع أحد فرق الموت أي إبراهيم رئيسي على كرسي رئاسة جمهورية نظامه “.
كان علي خامنئي في ذلك الوقت يعلم جيدا أن نظامه قد وصل إلى نهاية الخط، ويعلم قوة الضربة التي تلقاها ومن أي إتجاه وأي قوة أتته، ويا له من تيار قوي متعاظم وراء “حركة القصاص لدماء شهداء مجازر الابادة الجماعية”.
لذلك نرى أن التطورات المتعلقة بإيران باتت متسارعة بشكل كبير بعد هزيمة علي خامنئي في الجولة الثانية عشرة من الإستعراضات الانتخابة.
انتشرت الاحتجاجات الشعبية في إيران بالتوازي مع اتساع نشاط قوى المقاومة داخل البلاد، ومن تلك الانتفاضات العاتية انتفاضة عام 2017، وعلى نحو أخص كانت إنتفاضة تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 التي وقع فيها أكثر من” 1500 شهيد وعدد كبير من المعتقلين” أعطوها طعمها وسر بقائها، وكان طعمها أشد مرارة وحدة على علي خامنئي ونظامه وبمثابة ناقوس خطر انذره بسقوط نظام ولاية الفقيه.
لم يترك المسار المتسارع للتطورات في إيران أي خيار لخامنئي للمضي قدما سوى “الهروب إلى الأمام”، وفي رد فعل مجنون قرر السيطرة على السلطات الثلاثة (التشريعية والقضائية والتنفيذية) واتباع سياسة الانكماش، وهذا يعني أنه لم يعد بإمكانه حتى مواجهة تيار الإصلاح، وكان للشعب احد المطالب الرئيسية الدالة على مدى نضجه ووعيه ويتلخص مطلبه في شعار “إصلاحيين .. أصوليين انتهت لعبة السنين”.
وما كان من أمر خامنئي الذي كان خائفا من الدور الذي لا يمكن الاستغناء عنه دور الهيئة القيادية للانتفاضة الشعبية في تسريع الإطاحة بالنظام إلا أن قام بقمع جميع الاحتجاجات والانتفاضات داخل البلاد، وفي نفس الوقت قام بتسخير جميع موارده إمكانياته خارج الحدود وخاصة على الصعيدين الدبلوماسي والإعلامي لشن حملاته الشيطانية ضد المقاومة الإيرانية من أجل خلق عقبة في طريق قيادة الانتفاضة.
وأرسل أمواله الخفية والعلنية منذ ذلك اليوم من أجل تنفيذ مخططاته الشيطانية إلى أحد مراكزه وبؤره المعدة والمدربة، ونذكر مثالا على تلك البؤر حيث تم إرسال مجرمين ومرتزقة من أمثال “حميد نوري” و “إيراج مصداقي”، ومصداقي الذي تدرب وتعلم على كل الامور التي تخص عملاء إستخبارات النظام عميل داخل سجونه، وتم إرساله إلى خارج إيران تحت عنوان كاتب وخبير وسجين سياسي سابق في الإعلام الناطق باللغة الفارسية، وحول ذلك نوضح ما يلي:
أولا / انطلقوا بحركة وهمية ومسمومة تسمى الثأر الدموي لشهداء 1988 ضد المقاومة الإيرانية ويضع نفسه على رأسها تحت عنوان مزيف “السجين المعذب”.
ثانيا/ كان الهدف من هذا المخطط الشيطاني الذي أعده النظام تحييد حركة مناصرة دماء الشهداء التي أعلنت عنها المقاومة الإيرانية و”تبييض” الجرائم التي ارتكبها النظام، وخاصة جرائم إبراهيم رئيسي، ويقضون على حركة مناصرة دماء الشهداء التي اعلنتها المقاومة الايرانية التي رفعت من آمال الشعب الإيراني الباحث عن حقوق دماء هؤلاء الشهداء، وقد باءت مخططات نظام الملالي بالفشل وأصبحت الآن كابوس موت جاثم على أنفاس علي خامنئي هو ونظامه الذي كان يعمل على إخماد وإحباط وكبت الانتفاضات.
ثالثا/ كان هذا المخطط الشيطاني يهدف الى تمهيد الطريق لإبراهيم رئيسي ليصبح رئيسا في الدورة الثالثة عشرة من برنامج الإستعراض الانتخابي الذي أقيم في 28 يونيو من هذا العام.
وسعيا إلى تحييد التفجير في المؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية عام 2018 واعتقال الدبلوماسي الإرهابي للنظام الإيراني (أسد الله أسدي) والحكم عليه بالسجن 20 عاما مع شركائه الإرهابيين، كما اعتقلت محكمة الجنايات السويدية أخيرا حميد نوري السبت 9 نوفمبر 2019 في السويد وقد وُجهت إليه لائحة اتهام ومن المقرر أن يحاكم الأسبوع المقبل، وفي التحقيق الأول في قضية حميد نوري (الملقب بـ حميد عباسي) تم الكشف عن الشبكة ومن بين أفرادها ايرج مصداقي، ونوري متهم بالتورط في مذبحة السجناء السياسيين وارتباطه بمصداقي.
كلمة أخيرة
علي خامنئي الذي عانى من هزيمة مشينة في الداخل أمام حركة الثأر لشهداء مجزرة عام 1988 ، تعرض الآن لهزيمة مشينة أخرى في الخارج باعتقال حميد نوري وكشف شبكة ايرج مصداقي التجسسية الإرهابية.
ويشهد العالم كيف أصبح وزن وحجم هذا النظام البائس العاجز الآن أمام الشعب والمقاومة الإيرانية.. المقاومة التي توشك الآن على الانتصار بعد 40 عاما من النضال الدؤوب.
يعيش هذا النظام الذي اعتمد اسلوب الترغيب والترهيب مع المهادنيين الغربيين الذين تفاوضوا معه لزمان طويل وفق منهج المهادنة والتماشي والمراضاة وقد إجبرهم على وضع إسم المقاومة على لائحة الإرهاب، وقصف قواعد المقاومة بطائراتهم، كما حاول تدمير المقاومة عبر الوكالات الدولية، يعيش الآن في مرحلته الأخيرة وبهذه الأساليب المعادية للإنسان قد أتى بنفسه الى الميدان الاخير ليشهد سقوطه وتلاشيه خلال أيام قلائل إن تأخر.
لا يخفى على أحد أن هذا وقبل كل شيء دليل على الضعف المطلق لهذا النظام في مواجهة مأزق الإطاحة به، فطوبى للشعب والمقاومة التي أوصلت هذا النظام إلى هذه النقطة، وفازت بحق دعم العالم لها.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.