كلمة
في ديوان ” ديستوبيا[1] “، سعيد ذيبان[2] لا يكتب شعراً فحسب هو يؤرخ فترة من تاريخ شنكال التي كانت المهد الأوّل لوجوده (هم ) والتي تم تهجيرهم منها وتوزيعهم كنازحين في مخيمات باقليم كوردستان ،ناهيك عن التهجير الى خارج حدود العراق، تحوم جل قصائده في وصف الحال منذ 3 اغسطس 2014 في بلده شنكال ،حيث بداية تاريخ جديد للمجتمع الايزيدي وعليه ارى بان الشاعر يسخـّر قلمه لخدمة قضايا مجتمعه ومداده الذي ينفقه من روحه حبا لوطنه معطرا بعبق الذكريات العظيمة والمؤلمة التي يُؤرّخ لأهمّ الأحداث منها جينوسايد 74 .
في هذه النصوص ، يكشف ذيبان عن طاقة إبداعية، وقدرة عالية في نسج مبانيه الفنية لنصه الشعري الممزوج بقليل من خيال فاتنازي ،والمتكئ على واقع قريب منه ضمن قاموس بسيط للغة إنسانية تتشكل في قوالب جاهزة ترتبط بحركة عواطف الشاعر ورؤيته الشعرية الصادقة مع ذاته ،ويترك مساحة واسعة للقارئ كي يكون له موقفاً جديراً بالتأمل والتوقف عند اليات الشاعر من صفاء اللغة وحزن الصور وحرارة التجربة وصدق التعبير.
ديوان ” ديستوبيا ” يمتازُ بخصوصية الأسلوب الأدبي ،فيمثـل باكورة شعره في السنوات الخمس الماضية ويعتبر نضجًا فنِّـيًّا إلى حدٍّ كبير – رغم أنه الديوان الشخصي الأول له – واستطيع القول باننا امام تجربة واعدة لشاعر شاب يمتلك موهبة فذة له مستقبل باهر لو تعهد بصقل موهبته من خلال المزيد من البحث والتعمق في القراءة والاطلاع على تجارب الاخرين .
ففي الشعر العالمي هناك أمثلةٌ كثيرة على الوظيفة التأريخية للشعر ،طبعا دون أنْ نُغفل الوظيفتين الجمالية والمعرفية ولإيمان الشاعر سعيد ذيبان بان التاريخ كان يُكتَب شعراً قبل أن يكتب نثراً ،ولكونه على دراية تامة لأشعار أسلافه التي أرَّخَت للكثير من الجوانب التراجيدية التاريخية ،فانطلق بمشروعه التوثيقي القصائدي كون اغلب الأحداث التاريخية للايزيدية مِنْ حروبٍ وبطولات ومآثر سجلت من بواسطة القصائد المغناة ،وبما انني من المؤمنين بان للشعر دورُ بارز في تسجيل الاحداث المهمة والوقائع البارزة في حياة الشعوب وإبقائها حية في الذاكرة الانسانية ،وبما انه لدي[3] خبرة لابأس بها في توثيق جرائم داعش بحق الايزيدية ،فقد اسعدني وأثار في ّ الفخر من دون مجاملة ،عندما طلب مني الشاعر سعيد ذيبان كتابة كلمة بحق ديوانه هذا.
[1] ديستوبيا تعني مجتمع غير فاضل تسوده الفوضى، عالم وهمي ليس للخير فيه مكان، يحكمه الشر المطلق، ومن أبرز ملامحه الخراب، والقتل، والقمع، والفساد، والمرض، والفقر، باختصار هو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته، يتحول فيه المجتمع إلى مجموعة من المسوخ تناحر بعضها بعضًا.
[2] شاعر و كاتب من من مواليد سنجار- نيوى سنة 1988 ،حاصل على شهادة بكالوريوس في القانون و العلوم السياسية من جامعة دهوك، اسس ” رابطة الشعر المستقل ” عام 2007 و شارك مع مجموعة من الشعراء في اصدار دواوين شعرية مثل ” ايامي في الفناء ” و ” لا املك الا الاحلام” وله مجموعة من الدواوين الشعرية غير المنشورة مثل قصائد مفخخة ,سجلت ضد المجهول ,اعلان حالة حب , حالة تأهب قصوى ,حزب الحب …..الخ. يكتب و ينشر في العديد من المجلات و الصحف و الجرائد المحلية و العالمية بالاضافة الى موقع ” الحوار المتمدن “و ترجمت قصائده الى اللغات : الكردية ,الانكليزية , الالمانية و العبرية و شارك في العديد من المهرجانات و الامسيات الشعرية و حاز على عدد من الجوائز و التكريمات.
[3] من ضمن ال 19 كتب الصادرة لي ، قمت باطلاق سلسلة كتب توثيقية بعنوان ” داعش والابادة الجماعية للايزيديين ” وصدر منها لحد الان ( 1: الفرمان الأخير 2: الطفولة المفقودة 3: عن جحيم الدولة الإسلامية 4:داعش وتجنيد الأطفال الايزيديين 5: الطفولة المفقودة الطبعة الثانية 6: عَنْ داعِش أُحَدِّثُكُمْ !. ) وكتب اخرى قيد الانجاز و الطبع.