غياب الرشد:
المذمة من الجاهل مدح، لا تؤثر إلا في أمثالهم، وليت حراكنا وقف على مذمة بعضهم البعض، لكان حينها الشعب بخير، لكن النزعة التاريخية الكوردية المتراكمة على مدى القرون، ترى في التخوين بوابة أوسع للتنفيس والترفيه من الأولى.
ولهذا ومن البعد الوطني، ولدراستنا لماضينا، وحاضرنا، وما نتوقعه لقادمنا فيما لو استمرينا على هذه الدروب المرعبة، سنظل نكرر نقدنا وتسليط الضوء على ما نراه خطأً، إلى أن يتم تصحيحه، لأننا على قناعة أن إداراتنا وقوى الحراك الكوردستاني الحزبية، ليست مثالية، ولا أستثني منهم أحداً، وبعيدا عن الشمولية في القول، لا تزال في طور البناء، تعاني من كم هائل من الأخطاء والمشاكل، تنقصها الكثير من مفاهيم العصر والديمقراطية، والعمق الوطني (المثار نظريا والمغيب عمليا) بعضها من قبل الانتهازيين الذين تسلقوا المراتب، وبعضها من سذاجة بعض المسؤولين الذين استلموا بعض الإدارات في حكومة الإقليم، وأخرى عن عدم الخبرة وضعف التراكم المعرفي، بينهم شريحة من قادة الأمر الواقع في الإدارة الذاتية.
وعليه سنعرض ملاحظاتنا عند كل قصور، أو إهمال، أو تهميش، أو حدث يؤذي المجتمع الكوردي من قبل أي كان، إن كان سهوا أو بتخطيط ساذج، أو لكناية بالكوردي الأخر، مثلما نقف وبالمقابل في مواجهة الأعداء في كل آن وحين.
باستثناء الذين أجهدوا ذاتهم وساهموا في توسيع الخلافات الكوردستانية، فإن أغلبية حراكنا الكوردي والكوردستاني تدرك، أن الوطنية هي أن نوقف الخلافات، وننقد بعيداً عن الأذية؛ والطعن؛ والانتقاص من بعضنا؛ أو تقزيم إداراتنا الكوردية، ونتأفف عن تجريح رموزنا الوطنية.
من أبسط مهمات المثقف الكوردي الوطني دراسة تاريخنا، وخلفيات صراعات أمتنا الماضية لغاية إنجاح المسيرة، وتصحيح الأخطاء الجارية، قدر الإمكان، وعدم التغاضي عن معاناة شعبنا، والتي هي نتيجة الصراع الحالي المدمر بين أطراف حراكنا. والغريب أنه لكل منهم حججه الدامغة بالنسبة له، ومطعونة للطرف الأخر، وكل حزب على قناعة مطلقة بصحة وجهة نظره، وعلى هذا المنطق، أصبحنا ومجتمعنا، وشارعنا، أمام معارك داخلية لا نهاية لها، مدمرة للذات، وعادة تبدأ بتقزيم وتخوين البعض.
ومن شبه المستحيل في حاضرنا وحيث القوى المتربصة بكوردستان، السماح لجهة بالنجاح والتفوق على الطرف الكوردي الأخر، بل النتيجة وكما التاريخ يشهد، أن كل الأطراف منتهية إلى الضعف، إن لم يكن إلى الزوال. والمسبب الأول ليست القوى المحتلة لكوردستان، بل الحراك الكوردي والكوردستاني، حتى ولو كانت بعض الأطراف تحمل الذنب الأكبر، لكن من شبه المستحيل تبرئة الأخر، وعلى مر التاريخ مثلما الأن، شريحة من المتسلقين على القيادة ولمصالح ذاتية، أو لجهالة مجموعات بلغت مراكز القرار، يثيرون هذه المعارك.
ففي الواقع المؤلم، والكارثي هذا، لا بد من تكون كلماتنا وأعمالنا على سوية عالية من الوعي لنتمكن من خدمة قادمنا، ونصحح أخطاء القوى الكوردستانية المذكورة، وننور مسيرتهم ونعدل منهجيتهم، والأهم أن نقلص هوة الصراع، المتصاعد إما على: خلفية السيادة، أو لتفاقم المشاكل الداخلية، أو لجهالة بعض المسؤولين. ومن المؤسف لم يعالج أي من كتاب اللونين الأبيض والأسود، في الحراك الكوردي هذه القضايا، بل دافعوا عن الخطأ وحاولوا الطعن في الأخر، مع تقديم المبررات المتداولة والتي تم أبداعها على خلفية أخطاءهم تجاه البعض والأمة، وكرروا السلسلة المشروخة من التخوين والاتهامات بين الأطراف الحزبية.
النقد بالوعي والحس الوطني:
رسائلنا ستستمر للمعنيين بالأمر، أملين أن تقرأ، وتبحث في الإشكاليات المعانية منها شعبنا، والشارع الكوردستاني، والمهجرون والمهاجرون، ليتم معالجة القضايا، وتصحيح السلبيات قدر المستطاع، فغياتنا هي غاية أمتنا، وليست غاية الأحزاب ولا الإدارات المتصارعة، وهي:
1- العيش بكرامة وحرية في وطن وجغرافية كوردستانية مثالية.
2- تحويل الأمل بالعودة كمهاجرين أو مهجرين إلى الديار المسيطرة ذكرياتها على أحلامنا، إلى حقيقة.
3- أن يعيش أولادنا وأحفادنا، فيما لو تمكنا من العودة، تحت ظل إدارات وحكومات كوردستانية نأمل منها ألا تكون نسخة عن الأنظمة الدكتاتورية المحتلة لأرضنا وشعبنا.
جميعنا نحلم بوطن كوردستاني يكون للمواطن فيها كرامة، وللإنسان حقوق محفوظة حسب الدساتير الحضارية، وإلا فيما لو تغاضينا عن الأخطاء الحالية، فالقادم المبني على الخطأ سيؤدي إلى دولة لا تختلف عن المجاورة، حيث الأنظمة التي لا قيمة فيها للإنسان.
ليس رد، بقدر ما هو لفت الأنظار، للذين لم يعيروا الاهتمام بفحوى مقالنا، ففيها نحاول تعرية المجموعات المسؤولة عن خلافاتنا، والمقسمة لشعبنا إلى أطراف متصارعة، والتي تؤذي الشارع الكوردي لمصالح إما ذاتية أو لأجندات قوى تستخدمهم كأدوات.
نبتذل بشكل مباشر، التصنيفات الذاتية المتداولة بين الأطراف الحزبية، والتي نراها ساذجة وعادمة للبعد الوطني، وتكرار تاريخنا المؤلم بوجوه مغايرة. طرف يتم تخوين شريحة والعمالة للأعداء، ويتم أقصاء المجتمع المؤيد عنهم.
وفي الجهة المقابلة يتم وصف مجموعة مماثلة بالجلادين وأعداء الشعب، وخونة الأمة، ويعزلون الرعية عن بشائعهم، فيضيع الشعب بين الشعارات والإثباتات الدامغة من الجهتين، بين شخصيات عدة تنشر مفاهيمها المبينة على النزعة الذاتية، وسعار الاتهامات المتبادلة، والصراع المبني على الجهالة، ويتم نسيان الوطن وغاية الأمة، وعندما يأتون على ذكرها فهي لا تتجاوز البعد النظري وبيع الوطنيات.
والطرفين لخباثتهم يتمكنون من أقناع شريحة مؤيدة وبصرامة لمفاهيمهم لإدراجهم في الصراع الكوردي- الكوردي المدمر.
فنحن ضد، الجلاد والضحية، الخيانة والعمالة، ضد كل من يستخدم المصطلحات المرعبة والمدمرة، والتي ورائها شخصيات لها مصالح في تصعيد الخلافات بين أطراف الحراك الكوردي، ولهم القدرة على تعميمها ونشرها بين الشعب ليلتهي بها الشارع الكوردي، وشريحة واسعة من حراكنا الثقافي، فيتم تناسي المجموعات المفسدة الخبيثة أو الحزبية الجاهلة. ويكاد يكون من شبه المستحيل عزل دور القوى الإقليمية المحتلة لكوردستان في هذا الصراع، وكل جهة لها أدواتها، وكل من يزيد من سعار هذا الصراع يصبح أداة.
ونحن نرفض المشاركة في تدمير قوة الأمة، وتصعيد الصراع المميت، ولا شك الجميع المنحاز إلى طرفي الصراع يضيعون حاسة الرؤية والسمع، ويلتجؤون إلى منطق النقل، حتى ولو تم الادعاء بالتحليل والاستنتاج. متناسين أننا أمام قوى كوردية متساوية، وهناك من يعمل بخباثة منقطعة النظير، لتكون الأطراف المتنازعة بهذه الموازنة، بحيث لو استمرت على ما هي عليه من الخلافات، فالنتيجة كارثية، والكل يعلمها، والتاريخ خير شاهد على ما نقول، وللأسف لا أحد يلتجأ إلى الحكمة، ومنطق العقل، ودراسة التاريخ، ليدرك أننا جميعا بهذه الأساليب خاسرون لا محالة.
فأشهد لأمتي ولله (إنني) أتبرأ من هذا الصراع الحزبي الغارق في الجهالة، وضياع الحكمة، الجار قضيتنا إلى الدمار.
الانحياز تعني الموقف والمشاركة مع السلبية. وتهمة الأخر تعني الجرأة بلا حكمة. نحكم على المجموعات المعنية، من كل الأطراف، إما غياب العقلانية في العمل، أو سيادة الجهالة حيث يتم تفضيل المصالح الذاتية على القومية والوطنية. وبالتالي، أي كانت الأسباب، فهم مذنبون أمام الشعب، والحراك الكوردي المنقسم على ذاته، والإله الكوردي المتحير أمام غرابة هذه الأمة.
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
2/8/2021م
منطقة المرفقات