مما لا يخفى على أحد من المتابعين لتاريخ المنطقة، أن العرب حديثي العهد خارج الجزيرة العربية، لا بل حتى داخل الجزيرة العربية،أن أقدم ذكر لاسمهم هو ما جاء في كتاب التوراة سفر الملوك ص 454 فقرة 14 يقول عن سليمان بن داود الذي عاش بين أعوام 930- 990 ق.م. الذي هو في التوراة أحد الملوك عند بني إسرائيل، وعند العرب في القرآن هو نبي سليمان: فضلاً عن عوائد ضرائب التجار وأرباح تجارته مع ملوك العرب وولاة الأرض. وفق هذا المصدر المعتبر، أن ظهور اسم العرب على مسرح التاريخ أقل من ثلاثة آلاف عام. هذا إذا صح القول أن اسم العرب في ذلك التاريخ كان يطلق على جنس بشري وليس على البادية، على القفر؟ لأنهم ذكروا في صفحات التاريخ كبدو الآراميين؟ ولغتهم عرفت بمكسور السريانية (الآرامية) هذا ما قاله ويقوله المؤرخون والأكاديميون العرب وغيرهم قديماً وحيثا. إن دليلنا على أن اسم العرب كان يطلق على البادية، أن العرب في الأردن وفي بعض بلدان الخليج إلى يومنا هذا إذا تكلموا عن شخص من بادية أخرى تقول: فلان من عرب فلان، أو فلان ليس من عربنا بل هو من عربهم، أي من باديتهم؟.
عزيزي القارئ، كانت تلك مقدمة لمعرفة حقيقة معنى الاسم العرب وتاريخ ظهوره لأول مرة على مسرح التاريخ. لكن موضوعنا لهذا اليوم عن مدينة أهواز، التي عمرها تفوق ذكر اسم العرب في صفحات التاريخ. دعونا نتكلم عنها بشيء من التفصيل، لقد كانت أهواز مدينة واحدة من مدن دولة إيلام (عيلام) الكوردية، التي كانت تفصل حدودها مع دولة سومر نهر دجلة فقط؟. إن من بقايا آثار ومسميات الكورد الإيلاميين في خوزستان، وتحديداً في خرمشهر التابعة لأهواز، نهر باسم نهر الفيلية، ومنطقة الفيلية، بل حتى قصر الشيخ (خزعل بن جابر بن مرداو) سمي بقصر الفيلية؟؟ والفيلية إلى اليوم تنبض بالحياة كشريحة مهمة من شرائح الأمة الكوردية العريقة. للعلم، أن دولة إيلام امتدت من إيلام الحالية إلى ما بعد مدينة بوشهر ومضيق هرمز. لقد قلت في مقالات سابقة، أن هناك عدة قرى ومدن كوردية حول مدينتي بوشهر وبندر عباس لا زالت تحمل اسم الكورد، ككورد شول، وكورد شيخ، وكورديل، وكوردستان الخ.
عزيزي المتابع،إن من دوافع العرب المغلفة بغلاف عقدي وباتت لا تخفى على أحد ما أنهم يتطلعوا إلى اليوم الذي يمتلكوا فيه الكوكب وما عليه، وما تغييرهم لأسماء قرى ومدن الآخرين التي وصلتها حوافر خيولهم الغازية إلا دافعاً عرقياً… لقضمها وإدخالها في حضيرتهم، وللكورد درس كبير في هذا المضمار معهم لم ولن ولا ينسوه أبد الدهر، لقد استحوذوا على قراهم ومدنهم تارة بقوة السيف، كما في الغزو العربي الإسلامي في صدر الإسلام، أو بعده كما حدث لهم تلك الجرائم التي يندى لها جبين الإنسان في زمن حزب البعث المجرم ورئيسه المقبور اللعين المدعو صدام حسين، الذي قتل مئات الآلاف من الكورد الأبرياء، وهجر الذين أسلموا من القتل بدم بارد من أراضيهم واستوطن مكانهم العرب الذين جاء بهم من صحارى جنوب وغرب العراق. بالعودة إلى موضوعنا، لاننسى، أن حزب البعث العراقي، هو الذي بدأ بتغيير اسم الأهواز إلى أحواز، وذلك في العقد السابع من قرن العشرين. واختاروا اسم عربستان لاسم عموم إقليم خوزستان، لكن حتى أن اسم عربستان الدخيل في جزئه الأول ما هو إلا صيغة كوردية وآرية ككوردستان، وأفغانستان، وطاجيكستان الخ.
عزيزي المتابع،اليوم ومع الاضطرابات التي وقعت في أهواز مركز محافظة خوزستان، وإذاعة اسمها في نشرات الأخبار في قناة العربية والعربية الحدث الممولتان من السعودية السنية التي في عداء دائم مع إيران الشيعية، وتنشر عن الـ”أحواز” بالبنط العريض في العاجل، وقولاً في نشرات أخبارهما، دون مراعاة للمصادر العربية التي ذكرتها منذ زمن طويل باسم الأهواز وليس الأحواز، وقالت تلك المصادر إنها كانت مدينة من مدن دولة إيلام، التي كانت عاصمتها مدينة (شوش). قد يسأل سائل، ما الفرق بين كتابة الاسم بالهاء أو الحاء؟ نقول الفرق كبير، أن تغيير حرف الهاء إلى الحاء يعرب الاسم والأرض التي سميت به؟؟.
كي لا أرهق القارئ الكريم في الشرح والتفصيل كثيرا، دعني عزيزي القارئ أن أضع أمامك المصادر التي ذكرها باسم الأهواز قبل استيطان العرب فيها عنوة كاستيطانهم في العراق وفي بلدان ومدن أخرى في شرق الأوسط وشمال إفريقيا وما وراء النهر.
جاء في معجم (منتهى الأرب في لغة العرب) للمؤلف: (عبد الرحيم عبد الكريم صفي بور): هناك تسع قرى بين بصرة وفارس – هنا لا يقصد المؤلف بفارس دولة إيران التي كانت اسمها فارس في حقبة من حقب التاريخ، بل يقصد إقليم فارس في جنوب إيران وعاصمته شيراز، إنها كانت عاصمة لدولة إيران إبان حكم القائد الكوردي كريم خان زند- وهذه المدن التسعة هي: 1- رامهرمز 2- عسكر مكرم 3- تستر 4- جنديشابور 5- شوش 6- شرق 7- نهر تيري 8- ايذج 9- منذر. إن مفرد كل واحدة منها يسمى هوز وجمعها أهواز. وذكر اسم أهواز بذات الصيغة أعلاه (مجد الدين الفيروز آبادي) 1329- 1415م في معجمه المحيط. وهكذا وردت (أهواز) في معجم (لسان العرب) لابن منظور 1232- 1311م. للعلم، أن كلمة “هۆز- Hoz” إلى يومنا هذا تعني باللغة الكوردية: عشيرة، طائفة، مجموعة من الناس الخ. وجاءت في دائرة المعارف الإسلامية باسم أهواز كمركز لولاية خوزستان. تقول دائرة المعرف الإيرانية أن اسمها كان (هرمزد اردشير) لأن اردشير الساساني هو الذي قام ببنائها على أنقاض مدينة قديمة كان اسمها تاريانا. عزيزي القارئ، بالإضافة إلى الاسم المذكور عرفت في العصر الساساني باسم “رام شهر” و ” شهر رام” أيضا. وتقول دائرة المعارف الإيرانية: إن العرب بعد غزوهم للمنطقة قالوا عنها أهواز نسبة إلى قبيلة خوزية أو هوزية التي كانت موجودة على تلك الأرض. للزيادة، جاء ذكر اسم أهواز في شعر الفردوسي 935- 1020م:
کە باشد کە پیوند سام سوار
إضف لهذا، أنك تجد في التاريخ العربي غزوات العرب باسم “أيام العرب” كيوم البسوس، ويوم داحس، ويوم بعاث، ويوم نجران، ويوم أهواز الذي غزا فيه عبد الرحمن بن الأشعث أهل العراق؟. وفي العصر الإسلامي هناك يوم آخر سمي بيوم الأهواز عندما دحر العرب الإيرانيين في صدر الإسلام. للزيادة أيضاً، جاء في المنجد العربي: أهواز منطقة في جنوب غرب إيران على الخليج غنية بالنفط. وجاء ذكر الأهواز في كتاب (نهج البلاغة) للإمام علي بن أبي طالب في كتاب له إلى عامله زياد بن أبيه وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة، وعبد الله عامل أمير المؤمنين يومئذ عليها وعلى كور الأهواز. وذكر الأهواز مفسر القرآن والمؤرخ محمد بن جرير الطبري 224- 310هـ الذي قال: إن الكورد ثاروا مرات عديدة في عهد الخلافة الراشدة. من هذه الثورات والانتفاضات، انتفاضة الخريت بن راشد، الذي امتنع بعد تحكيم الحكمين عن دفع الأموال لعلي بن أبي طالب، لذا شن هذا الأخير حرباً عليه وعلى الكورد الذين معه في أهواز.
ذكر أهواز في الشعر العربي في صدر الإسلام وفي العصر الحديث. جاء في البداية والنهاية شعراً لأسود بن سريع التميمي – كنيته أبا عبد الله- توفى عام 42هـ ذكر في شعره اسم الأهواز وكان ذلك عام 16 للهجرة بعد أن استعان بطائفة من الأكراد لقتال العرب المسلمين:
وولى الهرمزان على جواد … سريع الشد يثفنه الجميع
وبعد نشر الإسلام بحد السيف في كل من العراق وكوردستان وإيران واستيطان العرب فيها عنوة، نظم جرير بن عطية اليربوعي التميمي 33- 110هـ قصيدة هجا فيها الفرزدق، الذي عاش في زمن حكم الأمويين وذلك بين أعوام 38- 110هـ شعراً ذكر فيه اسم الأهواز:
ما للفرزدق من عز يلوذ به … إلا بنو العم في أيديهم الخشب
وفي أيامنا هذه قال الشاعر مظفر النواب في قصيدته وتريات ليلية:
باستثناء الشعراء، أن هناك الكثير من العرب وغيرهم ذكروا اسم أهواز بالهاء وكذلك اسم سوق الأهواز و أن ترديد اسم الأهواز نطقاً وكتابة هو الصيغة الصحيحة والسليمة، ومن هؤلاء المؤرخ والجغرافي أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي 283- 346هـ في كتابه الشهير (مروج الذهب ومعادن الجوهر)، وكذلك المؤرخ أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه المعروف بابن مسكويه 320- 421هـ. والمؤرخ عز الدين أبي الحسن الجزري الموصلي المعروف بابن الأثير الجزري 555- 630هـ صاحب كتاب الكامل في التاريخ. والجغرافي الشهيرأبو القاسم محمد بن حوقل الشهير بابن حوقل، ويكنى بأبي القاسم، مؤلف كتاب صورة الأرض (المسالك والممالك ) ولادته 367 تاريخ وفاته غير معروف. كما أسلفت في سياق المقال، هناك الكثير في العالم ذكروا اسم أهواز في مؤلفاتهم وفي قصائدهم الشعرية لكننا نكتفي بهذا القدر كي لا نرهق القارئ الكريم. لكني أختمه بكلمة مقتضبة، بما أن الإنسان العربي ولد باديء ذي بدء في صحراء قاحلة “غير ذي زرع” ليس فيها ماء وتفتقد لأية مفردة من مفردات الحياة، فلذا غادرتها العرب زرافات زرافات إلى البلدان المحيطة بها تحت ذريعة نشر الإسلام، إلا أنهم استوطنوا تلك البلدان واستقروا فيها بحد السيف، الطامة الكبرى، أنهم كانوا ومازالوا لا يريدون أن يغادروا العادات والتقاليد التي كانت سائدة بينهم في شبه جزيرتهم الجرداء التي لم يحصلوا فيها على لقمة عيش أو شربة ماء إلا بالغزو والقتال الدامي، وصار يشكل هذا التأثير السلبي للبيئة والجغرافية العربية النهج العدائي لشخصية الإنسان العربي، كما يقال: الإنسان ابن بيئته. فلذا يريد أن يستحوذ بالقوة على أي شيء يقع تحت نظره، أن كان هذا الشيء تغيير اسم ذلك الشيء كما في اسم الأهواز إلى أحواز ومن ثم امتلاك هذا المسمى؟. عزيزي القارئ، أنا هنا في الجزئية أدناه لا أقول رأيي، بل أنقل ما يقوله التاريخ العربي، على سبيل المثال وليس الحصر، اسم خليج الفارسي كما مثبت في الأمم المتحدة وقبلها في عصبة الأمم، وقبلهما موجود اسم الخليج الفارسي في التاريخ العربي ذاته؟، إلا أن العرب بعد عام 1957 بمعزل عن العالم كله يصرون على تسميته بالخليج العربي!! مع أن شيخ مفسري القرآن محمد بن جرير الطبري الذي عاش بين أعوام 838- 923م في تفسيره لسورة الرحمن آية 19: مرج البحرين يلتقيان. يقول: عنا بذلك بحر فارس وبحر الروم. وقبل الطبري يقول المفسر قتادة الذي عاش بين أعوام 736- 680م: هما بحر فارس وبحر الروم. إن بحر الروم هو بحر الأبيض المتوسط. وقبل طبري وقتادة، أي قبل الإسلام، عثر في قناة السويس على كتابة حجرية لداريوش جاءت فيها العبارة التالية: درایە تیە هچا پارسا ئا تی = Draya tya hachaparsa aity = البحر الذي يجري من فارس. وبعد داريوش، تحديداً في القرن الثاني الميلادي، سمى المؤرخ اليوناني (فلاويوس آريانوس): البحر الذي يصب فيه الفرات بـ” برسيكوس كااى تاس” أي الخليج الفارسي. جاء هذا في كتاب (الخليج الفارسي عبر التاريخ) للدكتور محمد جواد مشكور. أكرر، أن اسم فارس لا يعني دولة فارس القديمة، بل إقليم فارس، الذي يسمى الآن محافظة فارس ومركزه مدينة شيراز.
أرجوزة بر العرب والعجم في خليج فارس عبارة عن 101 بيت شعر، لشهاب الدين أحمد بن ماجد النجدي المتوفى عام 904 للهجرة يقول في آخر بيت الأرجوزة:
” وصلى ما جرت خليج فارس … على النبي المصطفى يا رايس”
09 08 2021