اعادت مجلة “ناشيونال انترست” الامريكية التذكير بمذبحة كوجو في سنجار بعد مرور سبعة أعوام على وقوعها، مركزة على ما فعلته الولايات المتحدة من أجل ما أسمته “تصحيح الأمور”.
آخر معاقل داعش
وأشارت المجلة في تقرير لها الى مرور فصول صيف ثم وباء لكن من المهم “ألا ننسى الابادة الجماعية التي ارتكبها داعش” ولا ما فعلته واشنطن.
وبعد اشارتها الى انه في الجانب الآخر من عالم يتغير بسبب جائحة كورونا، تبدو الحرب على داعش بمثابة كابوس بعيد، إلا أنها ذكرت أنه قبل عامين ونصف فقط، وتحديدا في آذار/ مارس 2019، سقط اخر معقل لداعش بأيدي الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الباغوز في سوريا، مضيفة انه انتصار تطلب خمسة أعوام من الحرب والمذابح في جميع أنحاء العالم من دمشق الى بغداد ومن باريس الى سان برناردينو.
وتابعت أنه في الشهر نفسه الذي سقطت فيه الباغوز، بدأ استخراج الجثث على بعد نحو 100 ميل، في واحدة من أسوا الفظائع التي ارتكبها داعش، وذلك من المقبرة الجماعية في كوجو، بالقرب من سنجار في العراق.
محنة الايزيديين
وأوضحت ان داعش أطلق في كوجو في 3 أغسطس/آب العام 2014 ، حملته للابادة الجماعية حيث قام باعدام مئات الايزيديين فقط بسبب دينهم، وفرض العبودية على مئات النساء والأطفال الآخرين.
واعتبرت المجلة أن “محنة الايزيديين هي التي أدخلت أمريكا في الحرب لأول مرة”، مشيرة الى أن الغارات الجوية الامريكية الاولى شنت بعد أربعة أيام من مذبحة كوجو”، لكن الأوان كان قد فات بالنسبة لكثيرين من كانوا في طريق داعش.
وتابعت؛ أنه بحلول نهاية ذلك العام كان قد اكتمل “تطهير” المجتمعات الدينية القديمة والمتنوعة في شمال العراق، مما ادى الى تدمير ليس فقط الايزيديين ولكن ايضا الشبك والكاكائيين، وبعض أقدم المجتمعات المسيحية في العالم”، في حين لاذ مئات الآلاف من الناجين والمصابين بصدمات نفسية في مخيمات مؤقتة او مبان وراء خطة المواجهة الكوردية.
وبعد مرور كل هذا الوقت، دعت المجلة الى عدم نسيان الابادة الجماعية التي جرت، وما قامت به الولايات المتحدة من أجل تصحيح الأمور، مشيرة إلى أن ما جرى ليس مجرد انتصار بالسلاح، ولكنه أيضا انتصار لإعادة الإعمار والتجديد، وهي مسألة غالبا ما يتم تجاهلها حتى في أكثر الحروب عدالة.
بناء الأرواح
وذكرت المجلة أنه فيما بعد انجاز الجيوش مهمات التحرير، تكون هناك مجتمعات محطمة وناجون مصابون بالرعب، وجيران لا ثقة بهم، وان اعادة بناء تلك الأرواح تستلزم موارد والتزامات والصبر ما لا يتحقق عادة بالنسبة للولايات المتحدة، لكنها في العراق، أدركت واشنطن الامر بشكل صحيح ولو لبعض الوقت.
وكتبت المجلة أن “جهود إعادة تأهيل المجتمعات الممزقة في شمال العراق تقع مسؤوليتها الى حد كبير على عاتق الوكالة الامريكية للتنمية الدولية (يو اي ايد)”، مشيرة إلى أنه في البداية لم تتم الأمور على أفضل وجه، حيث اختلط سوء فهم المشكلة، والخلاف حول الأولويات، والتحديات البيروقراطية، والتشويش القانوني، وهو ما جعل الجهود المبكرة غير فعالة.
لكن لاحقا، لفتت المجلة إلى أن تسارع محرك المساعدات الخارجية للولايات المتحدة من خلال الالتزام والحجم والإبداع، مضيفة أن الدروس التي يمكن تعلمها من خلال جهود التعافي من الابادة الجماعية، مهمة ليس فقط لما يمكنهم تعليمه لأمريكا حول هذا الجهد المحدد ولكن أيضا لما يتعلق بالاستجابة المستقبلية في جميع انحاء العالم، مشيرة إلى أمثلة لاماكن محتملة تحتاج إلى جهود مشابهة في نيجيريا وبورما والصين حيث “تستمر ويلات الاضطهاد الديني”.
ورأت أن أهم عوامل المعالجة تكمن في أن يكون الناجون أنفسهم جزءا أساسيا من التخطيط وتطبيق خطة التعافي، مشيرة إلى أن الوكالات المانحة التابعة للحكومة الامريكية تفضل العمل من خلال منظمات الأمم المتحدة، والجمعيات غير الربحية والمتعاقدين الذين يتحدثون الانجليزية، وبرغم ان هذه المجموعات تقوم عموما بعمل جيد، إلا أنها لا تخلو من العيوب، وان اكبرها ان السكان المحليين ينظرون اليها على أنها منظمات أجنبية غير مهتمة وغير مرتبطة بشكل جيد بالمجتمعات التي يعملون فيها، موضحة أن هذه الجمعيات وإن ضمت بعض العراقيين، الا ان المشاريع التي يصممونها تتم الموافقة عليها على بعد آلاف الأميال في بروكسل أو واشنطن.
أيام التعافي
واشارت المجلة الى انه في الايام الاولى للتعافي في العراق، في عام 2017 واوائل 2018، اعتمدت الوكالة الامريكية للتنمية الدولية بشكل كبير على برنامج الامم المتحدة الانمائي لإعادة تأهيل محطات الطاقة والمدارس والعيادات الصحية، وقد قام البرنامج بعمل مقبول بشكل عام، ولكن العراقيين نظروا اليه على انه يتجاهل الاصوات المحلية، كما أن الهياكل الحكومية لم تعمل بشكل فعال في معالجة المشكلات المحلية في المناطق.
ولفتت الى انه عندما بدأت الوكالة الامريكية للتنمية الدولية في تنويع شركائها لتشمل مجموعات عراقية أصغر من داخل المجتمعات نفسها، مثل الجمعية الاشورية للمساعدة في العراق و”مبادرة ناديا”، بدأت الاراء المحلية لجهود الانعاش تتغير.
كما اشارت الى انه حتى صيف 2018، تنازلت الوكالة الامريكية للتنمية عن وضع شعار الوكالة على أنشطتها، وأنه نتيجة لذلك لم يكن هناك دليل واضح على أن الولايات المتحدة كانت تفعل أي شيء على الإطلاق. كما ان التهديدات الامنية اجبرت الدبلوماسيين الأمريكيين على البقاء محصورين الى حد كبير في مجمعات سكنية في بغداد او اربيل، ولم يكن بإمكانهم زيارة المجتمعات المحلية.
وتابعت أن هذا الوضع كان متناقضا بشكل كارثي مع انتشار ملصقات ايران لآية الله الخميني في كل مكان، كدليل على نفوذ للميليشيات الشيعية التي ساعدت في هزيمة داعش وتسيطر الآن على أجزاء من شمال العراق تم تطهيرها عرقيا، كاقطاعيات شخصية.
الشعور بالأمان
وأشارت المجلة في تقريرها الى “درس آخر” من تجربة التعافي من الابادة الجماعية في شمال العراق، وهو ان الامن يتفوق على كل شيء، موضحة أنه “إذا لم يشعر الناس بالأمان في العودة الى منازلهم، فلا يعود مهما ماذا كانت الطرقات قد تم تنظيفها من الأنقاض، وعادت الكهرباء، وأصبحت الخدمات الصحية والتعليمية متاحة”.
واعربت عن اسفها لان اميركا وشريكتها الحكومة العراقية لم تكتشف حتى الآن، كيفية دحر المجموعة المتنوعة من العصابات والإرهابيين والميليشيات التي لا تزال تعصف بالمواطنين في سنجار والعديد من المدن والقرى الاخرى عبر أراضي داعش سابقا. واشارت ايضا الى ان الصراع المحدود في حدته بين الولايات المتحدة والميليشيات المدعومة من إيران، والاتفاقات الهشة مع بغداد، لم تغير الحسابات التي يتعين على العائلات العراقية القيام بها حول ما إذا كان الامان ستوفر لهم اذا عادوا الى ديارهم.
وختمت بالقول انه بغض النظر عن المخاوف الامنية المستمرة ، فان اميركا حققت بشكل صحيح جزءا من اعادة التعافي العراق بعد الابادة الجماعية. واشارت الى ان واشنطن انتقلت من العمل مع مجموعة صغيرة من المنفذين الدوليين الكبار في العام 2017، الى العمل اليوم مع أكثر من مئة شريك، العديد منهم مجموعات عراقية محلية، تقوم بالعديد من الأعمال المتعلقة من البنية التحتية وصولا الى الدعم النفسي والاجتماعي الذي تشتد الحاجة اليه، بالاضافة الى خلق فرص العمل.
وتابعت أنه في حين انه لم يكن هناك أي وجود للوكالة الامريكية للتنمية الدولية في شمال العراق في العام 2018، إلا أنه حاليا اينما توجهت بين الموصل واربيل، سترى الأيدي المتصافحة (شعار الوكالة الامريكية) وعبارة “من الشعب الأمريكي”، مشيرة إلى انه نتيجة لهذه الجهود، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد عاد مئات الالاف من الايزيديين والمسيحيين والاقليات الاخرى الى مناطقهم، وعادت الحيوية الى الأماكن المهجورة مثل سنجار.
فخر أمريكي
واعتبرت أنه يجب على الولايات المتحدة وحلفاؤها أن يفخروا بانتصارهم على العدو داعش، وأن يفخروا بجهودهم باستعادة ضحايا داعش من على حافة الهاوية.
واضافت انه “كما هو الحال مع المعركة الأكبر ضد داعش، فإن الانتعاش في التعافي من الإبادة الجماعية، ما زال هشا وغير مكتمل، وانه من دون الاستثمار المتواصل والالتزام من جانب الولايات المتحدة في مجالي التنمية والأمن، قد نشهد الشفق الأخير لبعض أقدم المجتمعات الدينية في المنطقة”.