بعد يوم واحد من زيارة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، لمدينة سنجار، مركز وجود الإيزيديين شمالي العراق، قصفت طائرة “مجهولة”، الثلاثاء، مستشفى في المدينة.
الكاظمي وصف سنجار بـ”الأرض المقدسة” لكثرة الدماء التي سالت فيها.
وجاء قصف المستشفى غداة استهداف سيارة قيادي في الحشد الشعبي ضمن قوات وحدات حماية سنجار YBS الإيزيدية، بغارة أدت إلى مقتله.
ولم تعترف تركيا رسميا بمسؤوليتها عن القصف حتى الآن، لكن وكالة أنباء الأناضول التركية نقلت خبر “تحييد” مقاتلين اثنين من حزب العمال الكردستاني شمالي العراق، من دون أن تذكر تفاصيل عن الاستهداف.
وأعلنت الإدارة المحلية في سنجار ارتفع عدد ضحايا القصف التركي الذي استهدف مستشفى استقبل عنصراً من حزب العمال الكردستاني في بلدة سنجار الواقعة في شمال غرب العراق، إلى ثمانية قتلى.
وأفادت الإدارة في بيان، الأربعاء، أوردت فيه أسماء الضحايا، إن “عدد شهداء القصف التركي بلغ ثمانية (هم) أربعة مقاتلين ضمن الفوج 80 وأربعة موظفين من المستشفى”، الذي أنهار بالكامل.
وأكد مسؤولون في القضاء أن القصف جرى “بطائرة مسيرة تركية”.
وكان قائد وحدات حماية سنجار القتيل، واسمه سعيد حسن، منصب قائد اللواء 80 في الحشد الشعبي العراقي الذي قال في بيان إن “قائد اللواء 80 المكلف بحماية سنجار قتل بقصف “لطائرة مجهولة”.
واستنكر قائمقام سنجار، محما خليل، “القصف التركي الغاشم” الذي قال إنه “يسبب نزوحا عكسيا للإيزيديين الذين تريد الحكومة إعادتهم إلى مناطقهم في سنجار”.
وقال خليل في حديث لموقع “الحرة” إن “على تركيا وحزب العمال الكردستاني حل مشاكلهم في تركيا، وإخراج الإيزيديين من الصراع”.
وتعرضت المدينة للقصف “يومين متتاليين”، بحسب فارس حربو، مسؤول العلاقات في الإدارة الذاتية (الجناح المدني لوحدات حماية سنجار الإيزيدية).
وقال حربو لموقع “الحرة” إن “أنقرة تهدف إلى احتلال هذه المنطقة من خلال محاربة الشعوب الأصيلة فيها، وإجبارهم على ترك أراضيهم لأهداف توسعية تخص الدولة التركية”.
وأدى القصف “التركي” خلال اليومين الماضيين، إلى مقتل عشرة أشخاص، بينهم، سعيد حسن سعيد، قائد اللواء 80 في الحشد الشعبي وقوات YBS (قوات حماية سنجار “يبشة”) الإيزيدية، واثنين من مرافقيه، وثلاثة مقاتلين من هذه القوات، وأربعة موظفين مدنيين في المستشفى، بينهم امرأة، بحسب حربو.
وقال جلال خلف بسو نائب قائمقامية سنجار لوكالة فرانس برس ان “المشفى تعرض لثلاث غارات بطائرات من دون طيار دمرت المبنى بالكامل “.
وقال المتحدث باسم الحشد الشعبي العراقي، أحمد الأسدي، إن “الحشد الشعبي جزء أساسي من المؤسسة العسكرية العراقية وأي اعتداء عليه هو اعتداء على الدولة العراقية ومؤسستها العسكرية”.
وأضاف الأسدي في حديث لموقع “الحرة” إن “المعني بالتعامل مع ما جرى من اعتداء على أحد القيادات الحشدية في سنجار هو مسؤلية الحكومة والمؤسسة الرسمية العراقية والتي يجب أن يكون لها موقف يتناسب مع هذا الاعتداء على السيادة الوطنية”.
واستهدف القيادي في الحشد، في نفس اليوم الذي زار فيه الكاظمي القضاء، وتعهد لسكانه بالعمل على تحسين أحوالهم، وهي زيارة غير مسبوقة لرئيس وزراء عراقي إلى القضاء.
ورفض الأسدي اتهام تركيا بشكل مباشر قائلا أن “وحدات حماية سنجار وجميع أهل سنجار يتهمون الطيار التركي المسير بتنفيذ الضربة الجوية”، مضيفا أن “الجهات الرسمية العراقية المكلفة بالتحقيق هي المعنية بتوجيه الاتهام إلى من يقف خلف العملية (وعليها) إعلان ذلك بوضوح”.
وقال حربو إن “تركيا لم تحترم كون رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في المنطقة، وقامت بقتل قيادي عراقي إيزيدي واحد مرافقيه وهم منتسبون رسميا إلى صفوف الحشد الشعبي العراقي وهي قوة عسكرية عراقية رسمية، وهذا يدل على عدم احترام هذه الدولة المعتدية لسيادة العراق وعدم احترامها لرئيس الحكومة العراقية”.
ونشر ناشطون إيزيديون وكرد فيديوهات لمدنيين يبحثون عن ناجين تحت أنقاض مبنى قالوا إنه المستشفى الذي تعرض إلى القصف، فيما نشر آخرون صورا لناجين.
زيارة الكاظمي
خلال زيارته لجبل “كوجو” في سنجار قال الكاظمي لوجهاء القضاء إن مدينتهم “أصبحت مقدسة” بعد سيلان “الدماء الطاهرة فيها”، بحسب بيانات نقلها مكتبه الإعلامي.
لكن لم تشر البيانات وقتها إلى موقف الحكومة مما يقول أهالي القضاء إنه “قصف متكرر” تنفذه طائرات تركية.
وبعد يوم من القصف، أدان المجلس الوزاري للأمن القومي العراقي، الذي يرأسه الكاظمي “الأعمال العسكرية أحادية الجانب التي تسيء إلى مبادئ حسن الجوار”، وقال إنه “يرفض الاعتداءات التي تستهدف القضاء ويدينها”، و”يرفض استخدام الأراضي العراقية لتصفية حسابات أي جهة كانت”.
وتقول النائبة الإيزيدية السابقة عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، فيان خليل، إن “موقف الحكومة العراقية تجاه الاعتداءات على السيادة غير كاف”.
وخاض الحزب الديمقراطي الكردستاني مؤخرا صراعا داميا مع حزب العمال، وتتهم أربيل، عاصمة إقليم كردستان حزب العمال بالتورط في مقتل عناصر من قواتها العسكرية في كمائن نفذها عناصر الحزب.
وتضيف دخيل، وهي “المتحدث الرسمي باسم مقر الرئيس مسعود بارازاني”، رئيس إقليم كردستان السابق، لموقع “الحرة”، إن “من المفروض أن العراق دولة لها سيادة ويمنع قصفها من أي دولة وأي جهة حتى ولو كان بحجة قصف مقرات حزب العمال”، محملة الحكومة العراقية مسؤولية “عدم إيجاد حل لوجود حزب العمال على أراضيها”.
وقالت دخيل إن “حزب العمال الذي أصبح له موطئ قدم في المنطقة بعد 2014، وهذا الشيء سبب مشاكل كبيرة، وعلى الحكومة اتخاذ كافة التدابير لإخراج هذه القوات من المنطقة حتى لا يتعرض أبناؤها إلى القصف”.
واتهمت دخيل الحكومة العراقية بـ”التقصير” وأنها “كانت داعمة لوجود حزب العمال في المنطقة وخاصة أننا نعلم بوجود تعاون بين الحزب وبين الحشد الشعبي وهذا لا يجوز لأنه لا يجب أن يكون هناك تعاون بين القوات الحكومية وبين أي حسم غريب موجود داخل العراق”.
لكن فارس حربو، مسؤول العلاقات في الإدارة الذاتية يقول إن “الحديث عن وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني في سنجار هو غير دقيق”.
وأضاف حربو “حزب العمال خرجوا من القضاء في عام 2018، بتنسيق من الحكومة العراقية، والقتلى الذين سقطوا في القصف التركي هم جميعا عراقيون”.
ويقول الصحفي والناشط الإيزيدي سامان داود، لموقع “الحرة” إن “القصف التركي لقوات الـYBŞ غير مبرر خاصة وأنهم منضمون رسميا لقوات الحشد الشعبي التي تعتبر قوة عسكرية عراقية رسمية”.
ويضيف سامان “كما أن قوات YBS غير مصنفة كمنظمة إرهابية عالميا ووضعها الدولي يشبه وضع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)”.
ودعا سامان حزب العمال الكردستاني لـ”تقدير الوضع الإيزيدي الصعب ونقل معاركه مع تركيا إلى الأراضي الكردية في تركيا، على الرغم من أننا كإيزيديين نقدر تضحياتهم في محاربة داعش في سنجار”.
وحاول موقع “الحرة” الحديث مع مسؤولين في الحشد الشعبي العراقي أو الحكومة العراقية للتعليق حول الموضوع، لكنه لم يحصل على رد.
ودخل حزب العمال الكردستاني إلى منطقة سنجار، التي تسكنها غالبية إيزيدية، بعد مذابح تعرض لها الإيزيديون على يد تنظيم داعش، الذي اختطف أيضا آلافا من نسائهم وأطفالهم.
وساهم مقاتلو الحزب بالقتال ضد داعش، حتى خروج التنظيم من المنطقة بعد حملة عسكرية واسعة اشتركت فيها القوات العراقية مع قوات من التحالف الدولي.
ويتهم مقاتلو وحدات حماية سنجار بإنهم “جزء من حزب العمال” لكن المقاتلين يقولون إنهم قوة رسمية عراقية تنتمي للواء 80 من الحشد الشعبي، التابع لرئاسة الوزراء العراقية.