هناك روايات أقرؤها ولا يمكنني الا العودة اليها مرة أخرى وأحيانا أكثر من مرة فهي تترك أثراً ما في خبايا الروح، ومن هذه الروايات رواية “قلوب من نار” للكاتبة والفنانة التشكيلية دلندا الحسن الأردنية الهوية والإقامة والفلسطينية الجذور من مدينة قلقيلية، وحين اهدتني الروائية التي لم التقها ابدا ولم اتعرف اليها روايتها تاركة لي اياها في مقر رابطة الكتاب الأردنيين في عمَّان في نهاية الشهر العاشر 2019م سعدت بقراءتها وتمتعت بها، وتركت بعضاً من تساؤلات في روحي وأثر ما، وحين عدت للوطن من عمَّان بعدها بفترة قصيرة نسيت الرواية في بيتي في عمَّان ولم اتمكن من العودة بعد انتشار وباء الكورونا وإغلاق المعابر لمدة عام، وحين عدت وضعت الرواية على برنامجي المكتظ بالقراءة والكتابة لأعود اليها مرة أخرى.
لوحة الغلاف من ريشة صاحبة الرواية فعبرت من خلالها عن الرواية التي كتبتها عبر الوجوه بلا ملامح ولغة الألوان بين الأخضر بتدرجاته من الفوسفوري المشع للأخضر الداكن موشحة بألوان أخرى غلب عليها الأحمر على الألوان الأخرى، اعطت فكرة عن هذه القلوب المخلوقة من نار كما اسم الرواية، وهي رواية كتبتها لتوثيق ذاكرة جزيرة أم النار من جزر الامارات العربية المتحدة والتي ولدت وعاشت بها الكاتبة 17 عاما، وحين زارتها على هامش معرض للكتاب بعد غياب 14 عام متواصلة وجدت كل شيء قد تغير، فعبرت عن ذلك حينها بالقول: “تملكتني رغبة قوية لسرد تاريخ جزيرة أم النار؛ لأحافظ على ذكرياتي ونسختي الأولى من الحياة في الإمارات”، ولعل هذه الفقرة بالمقدمة كان لها عامل كبير بمسارعتي لقراءة الرواية القراءة الأولى بسبب حجم ارتباطي بالمكان وتجوالي الدائم بين القرى والمدن والدول لأكتب عن بوح الأمكنة بقلمي وعدستي، وعبر صفحتين قبل البدء بالسرد الروائي وضعت على الصفحة الأولى ابيات شعرية معبرة عما يبقى بعد الضياع للشاعرة نازك الملائكة وفي الصفحة الثانية عبارة عن الحياة والواقع والأحلام والتخيلات، وعبر 175 صفحة من اصدارات دار التنوير للطباعة والنشر في لبنان ومصر وتونس كانت الرواية، والتي تكونت من ثلاثة فصول أسمتها الكاتبة النار الأولى والثانية والثالثة بدلا من كلمة الفصل برمزية سيتم اكتشافها بين دفتي الرواية.
في بداية الرواية اوردت الروائية تأريخا لاكتشاف اللؤلؤ الصناعي وتأريخا للحرب العالمية الأولى وتأثيرها على المنطقة عامة وفلسطين خاصة، إضافة لتاريخ جزيرة أم النار التي تعود للعصر البرونزي لتمهد لنا مسرح الرواية من خلال “إمارات الساحل المتصالح” والتي أصبح اسمها الامارات العربية المتحدة بعد عام 1970م، لتروي عبر فصول الرواية حكاية قلوب من نار ممازجة الحب المراهق والطفولي بالأسطورة والسحر ولعنات السومري واللقاء والفراق والألم والموت والوحدة والسفر والمصادفات الغريبة، تاريخ وحكايات مختلفة من خلال عدد كبير من الشخصيات كل لها دورها، وهي رواية ممتعة وسلسلة وتثير الرغبة بالقراءة بدون توقف، فقد لامست بها شغاف القلوب الشابة كما ترسم لوحة تشكيلية، وفي نفس الوقت اشارت لبعض الجوانب الاجتماعية السلبية مثل الأب الذي لا يعلم بناته ويرى ان المرأة لا تحتاج الا لزوج يضعها تحت جناحه، وهمه وهم امرأته تزويج البنات فقط، وأيضا اشارت لوسوسة النساء وزرع الشك ان الزوج ان سافرت زوجته ولم يسافر معها أو سافر وحده سيكون قد قرر الزواج عليها، إضافة إلى الزواج التقليدي الذي تجبر الفتيات عليه، وفي ص 145 قالت ان النساء في مخيم الوحدات للاجئين حين تتشاجر امرأة من أخرى تكشف عن ثدييها وترفعهما وتبدأ بالدعاء على الأخرى، وهذا بالمطلق غير صحيح فأنا تربيت فترات من طفولتي في المخيم، وكانت العجائز ترفع ثدييها من فوق الثوب بدون أن تكشفهما للدعاء، إضافة لعدة قضايا اجتماعية أخرى منها فرض الحجاب على الزوجة وتدخل الحماوات بزوجات الأبناء، وأشارت ايضا كيف يربي الآباء ابناءهم للانتماء للوطن فلسطين من خلال الحديث عنه وان التقليد في كل البيوت وجود صورة الأقصى وخارطة فلسطين، والرواية تحدثت أيضا عن معاناة الفلسطيني وتأثيرات الأحداث عليه، من حرب الكويت إلى أمراض تتأتى عن العمل بمصافي النفط، والشتات الذي يلازمه طالما انه بلا وطن والوطن محتل ومغتصب، وتفجير برجي التجارة في أمريكا فكان ربيع النورس وأسرته مثالا حيا لذلك، وكون الرواية توثيقية في جوانب منها كان على الروائية أن تنتبه لبعض المسائل المهمة والمرتبطة بتواريخ وأحداث وأن لا تقع بالخطأ فيها، ففي هذه المسائل لا مجال لخيال الكاتب وهذا ما سأشير اليه عبر حديثي عن الرواية وقرائتها نقديا.
السحر والأسطورة وخيال الكاتب يبرز من خلال شخصية السومري وهو يمارس سحره ولعناته ضد الفتية الذين يؤذونه، وكان قد تعرض لهجوم من شباب ملثمين وقاموا باخصائه بعد أن توفيت والدته وأصبح يعيش في خيمة أسفل جسر يربط جزيرة أم النار مع جزيرة أبو ظبي، ولكن الكاتبة لم تشر كيف كان يعيش هذا الفتى الغريب بدون أم ولا أب وفي خيمة وحيدا ومن أين يأكل ويشرب، وقدراته السحرية من خلال لعبة صنعها لها والده من شجرة مسحورة، وهو ابن النوخذة خليفة الحبيب ربان سفينة صيد اللؤلؤ الطبيعي من أم زنجبارية حمل ملامحها الافريقية والتي هربت من وطنها كما غيرها الى عُمان بعد الحرب الاحتلالية التي اشعلتها بريطانيا بأطماعها، والبحار النوخذة خليفة من أبو ظبي وكان يعمل بصيد اللؤلؤ بسفينته مع عدد من البحارة ويبيعه للتاجر الهندي راو موهان والذي أسس واولاده شركات تجارية مختلفة مع اكتشاف النفط بالامارات في بداية الستينات، ولكن اعمال البَحار تأثرت بصناعة اللؤلؤ الصناعي، فتراكمت عليه الديون للتاجر الهندي مما دفعه لمغادرة أبو ظبي الى سلطنة عُمان حيث أجر مركبه وجمع مبلغا من المال ليسدد التاجر الهندي، والسؤال هو كيف تراكمت الديون عليه؟ فهو يبيع ما يتم جمعه من اللؤلؤ ويقبض الثمن، فهو بائع وليس مشترٍ بالدين، ولكنه مات بطريق العودة بالحمى، وهنا كانت اشارة ذكية لمن تمكنوا من الأجانب من استغلال ثروة النفط من غير السكان العرب.
الرواية جمعت عدد من الشخصيات الفلسطينية من عدة مناطق في فلسطين ومن الشتات، ومنهم عاهد الغريب المتخصص بالتاريخ والآثار وشقيقه طه المهندس الكيميائي من سكان قطاع غزة ويحملون وثيقة السفر المصرية وتم تهجيرهم من يافا، والذين انتقلوا في أواخر الستينات للإمارت المتصالحة كما ورد في صفحة 26، ولكن في صفحة 27 ورد أن طه كان ينفذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني من خلال انتمائه لكتائب عز الدين القسام!! فإن كان هو قد ذهب للامارات في أواخر الستينات، فكيف كان ينفذ عمليات عسكرية وينتمي لجناح كتائب القسام التي أعلن عن تأسيسها في بدايات الانتفاضة الفلسطينية في أواخر 1987 تحت اسم: “المجاهدون الاسلاميون”، ثم تغير اسمها إلى “كتائب القسام” في منتصف عام 1991؟ وهذا خطأ كبير كان يجب الانتباه له.
وفي اواخر الثمانينات عمل عاهد في شركة بترول أبو ظبي ثم انتقل لجزيرة ام النار التي عمل منقبا عن الآثار بها حين وصل الامارات في اواخر الستينات، ومن شخصيات الرواية أسعد الشرع من المهجرين من عكا عام 1948 ويحمل الوثيقة السورية وعمل مصورا في تلفزيون ابو ظبي، وسميرة اليازجي من المهجرين من صفد عام 1948 وتحمل الوثيقة السورية وعملت معلمة في أبو ظبي ثم مقدمة برامج بتلفزيون ابو ظبي حيث احبت اسعد الشرع وتزوجا، وبعد وفاة زوجها تزوجت من صديقهم عاهد الغريب وتزوجوا في زيارة لغزة عام 1975م وأنجب منها ابنتهما يارا، وهنا لا بد من الاشارة لخطأ آخر حيث أن حملة الوثائق السورية وجوازات السفر السورية ممنوعين تمام من الدخول الى فلسطين المحتلة لأي سبب من الأسباب بتلك الفترة، وما زال هذا القرار الوطني السوري قائما، ومن يقوم بذلك يحاكم بتهمة الخيانة في سوريا.
برهان النورس من سكان غزة ايضا ومن حملة الوثائق المصرية وأصلا من بلدة طيرة دندن التي احتلت عام النكبة وطردوا منها، والتقى صديق طفولته عاهد الغريب صدفة في ام النار حين عمل عاهد بالبترول، وبرهان ايضا عمل بالكويت بأواخر الستينات وتزوج من فريال العباسي الفلسطينية الحاملة للجنسية الأردنية وجواز سفر أردني، قبل عام من حرب تشرين عام 1973 ورزق منها بتوأم هما أريج وربيع وانتقل للامارات عام 1976 للعمل في مصفاة ام النار في ابو ظبي، وابراهيم الخاتم من الضفة الغربية والذي حضر ليعمل حمالا في ميناء الامارات في بداية الثمانينات وهو منحرف السلوك وسكير وعربيد فعمل مع الاحتلال مقابل المال لنقل المعلومات عن الجالية الفلسطينية في الامارات!!، ورغم عدم ورود كلمة الاحتلال لكن الروائية قالت ان الخائن أثناء وجوده بالضفة الغربية قدم له شخص ما حقيبة ممتلئة بالدولارات مقابل المعلومات، وهنا نجد قفزة غير منطقية أن عاهد الغريب خضع لابتزاز هذا العميل وزوجه ابنته يارا مقابل ان لا يشي للاحتلال أو للأمن الاماراتي عن أخيه طه، علما ان طه مقيم بالامارات وكذلك عاهد والعميل، وتهديد الخائن بالابلاغ عن صفقات أسلحة يبرمها المهندس طه مع دول أخرى لصالح حماس ص 171 لن تضره كثيرا في تلك الفترة بالامارات، فعلاقة الامارات مع الاخوان ومن بينهم حماس كانت قوية بتلك الفترة فقد اشارت الكاتبة أكثر من مرة للاخوان المسلمين في الامارات ووجودهم بدون مضايقات ومن هذه الاشارات أيضا ص 9 حين اشارت الكاتبة ان اريج وصديقتها عادتا من الدرس وهن يحملن مجلة الاصلاح الدعوية الصادرة عن جماعة الاخوان المسلمين، حتى أنه كان بإمكانه أن يلجأ للأمن الإماراتي من خلال السفارة الفلسطينية أو مباشرة، فالعلاقات مع دولة الاحتلال لم تكن موجودة في تلك الفترة.
النار الأولى كانت القاعدة والأسس التي قامت عليها الرواية لتنقلنا إلى النار الثانية في جزيرة أم النار حيث تبدأ الحديث عن قلوب من نار والصبية الأطفال الذين سيكونون أبطال الرواية وهم يارا الغريب الطفلة الجميلة ابنة سميرة اليازجي والتي تبلغ من العمر خمسة عشر عاما والتي كانت الشاهد على ما قام به الفتية وهم ما زالوا في المرحلة الثانوية ضد السومري والذي القى عليهم لعناته، والتي تعلق بها ربيع النورس وهو الشخصية الرئيسة في الرواية وابن برهان النورس وهو مصاب بمرض نقص النمو، والذي عانى من فقد حبيبته ومن وفاة زوجته إضافة لمرضه، حين رآها وهو يمارس الاضطهاد للسومري مع اصدقائه اللبناني نبيل الناقة ابن الطبيب اللبناني والأم الفلسطينية جمانة الوروار من سكان عين الحلوة في لبنان، والأردني سليم الفانك وهو ابن الممرضة مريم الفانك، ليثأروا من ضربه لهم حين دخلوا خيمته وعبثوا بأغراضه التي سرقها من المقبرة وحصانه الخشبي المسحور، مع الاشارة ان الكاتبة اوردت أن مريم الفانك والتي توفي زوجها بنت بيتا في بلدتها الحصن شمال الأردن، والكاتبة لم تشر لعائلة مريم وأعتقد انها نسبتها الى عائلة زوجها أو انها وزوجها من نفس العشيرة، فآل الفانك من عشائر الحصن المسيحية التي استقرت في الحصن بعد نزوحهم من الكرك، وهناك الطفلة شهد ابنة فريال العباسي والمعروفة بعدوانيتها ولكنها صادقت يارا، وهناك اريج شقيقة شهد الأكبر والتي تهتم بالقراءة وحفظ القرآن على يد المدرسة حنان والتي تنتمي للاخوان المسلمين هي وزوجها أبو جهاد ص 54، بينما نبيل أحب شهد المتمردة والتي اشتبكت كعادتها مع اخته علياء وعادتها.
من الامارات تنقلنا الروائية الى مسرح آخر وهو دولة الكويت وقصة حب صامتة أخرى لأريج ابنة فريال عباسي لمشعل الشاب الكويتي، والذي ستلتقيه مرة أخرى صدفة في الامارات بعد إجتياح الكويت من العراق عام 1990 واستضافة الكويتيين الذي كانوا خارج الكويت في الامارات بشقق سكنية، والذي قتل اخوته باعتقالهم من قبل العراقيين وحين يعود للكويت يلتحق بحركة الاخوان المسلمين كردة فعل، وبالصدفة تكون نفس شقة أهل يارا الذين رحلوا فجأة من الحي، وتنمو العلاقة بينهما وهي ما زالت طالبة بالثانوية، وهكذا نرى وسنرى كيف أن هذا الحب المراهق والطفولي هو الذي أعطى الرواية اسمها.
وكانت البداية لهذا الحب حين تمكنت فريال العباسي من الحصول على تأشيرة لها وأسرتها لزيارة أهلها بالكويت ومسرح حياة فريال الأول، حيث تستعيد في الطائرة ذاكرة طفولتها حين أجبروا على النزوح بعد حرب وهزيمة 1967 من أحد قرى طولكرم للأردن التي كانت الضفة الغربية تحت حكمه وسيطرته قبل الحرب، وهنا وقعت الكاتبة بخطأ آخر فقد قالت أن عائلة فريال العباسي حصلت على الرقم الوطني الاردني وجوازات أردنية مؤقتة (خمسة سنوات) وسافروا للكويت بعد فترة من النزوح حيث تزوجت في الكويت عام 1972، وهذا خطأ فادح فكل مواطني الضفة الغربية ومن سكنوا الأردن بعد النكبة 1948 من المهجرين ومن ابناء الضفة الغربية حملوا الجوازات الأردنية والجنسية الأردنية، ووقعت بالخطأ نفسه في ص 141 حين قالت عن زواج اريج التقليدي من ابن خالتها: “كان مبرر أهلها أن ابن خالتها يحمل رقما وطنيا، وجواز سفر أردني مؤقت خمس سنوات” الرقم الوطني لا يكون الا مع جواز سفر دائم وليس مؤقت، ولم يبدأ العمل بالأردن بالأرقام الوطنية الا من منتصف آذار عام 1992، ولم يبدأ العمل بالجوازات المؤقتة بحق مواطني الضفة الغربية إلا بعد قرار فك الارتباط في تاريخ 31/7/1988 وبالتالي حين نزحت اسرة فريال من الضفة الغربية كانوا يحملون الجوازات والجنسية الأردنية الكاملة الحقوق بناء على قانون الجنسية الأردنية لعام 1954، ووقعت بخطأ آخر في ص 79 حين نسبت رمزية الكوفية الفلسطينية للشهيد أبو عمار بينما يعود ذلك الى ثورة 1936 حين فرضتها قيادة الثورة على كل الفلسطينيين حيث كانت يستخدمها الثوار وأبناء الريف، وأصبح البريطانيون المحتلين يعتقلون كل من يلبسها، فلبسها كل الشعب في مواجهة الاحتلال البريطاني وبقي استخدامها مستمرا من تلك الفترة، وأبو عمار لبسها لرمزيتها في تلك الثورة، وأيضا بالحديث عن اعداد حلويات المن والسلوى ص 84 فهي ذات لون اخضر يميل للبني ويجف كالحجارة ويتم تكسيره قبل صناعته ولونها ليس ابيض كما ارودت الروائية، ويصبح أبيضا بعد التصنيع وطريقة الصنع كما وردت لا علاقة لها فعليا بالطريقة الحقيقية.
والغريب ما ارودته الكاتبة في ص 122 أن عبد الله العزام الذي كان في صفوف القاعدة مع ابن لادن كان يدرب عناصره “للجهاد مع حماس ضد الاحتلال”، والقاعدة التي اشرفت الولايات المتحدة على تأسيسها وتدريب عناصرها لم تكن فلسطين المحتلة ضمن برامجهم بالمطلق، ومنذ انسحاب السوفيات من افغانستان في 15/2/1989. فكل ما قامت به القاعدة بتسمياتها المختلفة معروف ولا علاقة له بالمطلق بفلسطين.
الرواية سلسلة وتشد القارئ كثيرا وصيغت بأسلوب جيد وممتع بغض النظر عن ملاحظاتي النقدية، فقد تمتعتت بقراءتها مرتين، فهي مازجت بين الابداع التشكيلي للروائية كفنانة تشكيلية وبين كونها روائية وكاتبة فكانت بعض من العبارات والفقرات وكأنها لوحات تشكيلية مرسومة بالحروف، فكانت هناك في الرواية علاقة جدلية بين عناصرها الفنية وخاصة الأسلوب والموضوع والسرد الروائي، فتمكنت من نقل الواقع إلى عمل فني سردي روائي يثير مخيلة القارئ ويجعله يستمتع وخاصة من خلال مزج الحدث بالتاريخ والحب البريء والأسطورة والسحر، وتمكنت أن تضع اصبعها على جرح الفلسطيني بهوياته المختلفة بين جواز أردني مؤقت أو دائم ووثيقة مصرية وأخرى سورية وغيرها، فتختم الرواية بقول ربيع النورس لنفسه: “وطني حيث الحب، وطني حيث الحياة، وطني هو شعلة القلب، أما فلسطين فهي الوطن الذي نحلم ونتمنى كل يوم أن نعود اليه”، إضافة لمعالجة الرواية قضايا اجتماعية مختلفة، وتثير روح القارئ مع معاناة اولئك الشباب الصغار ومعاناتهم مع حب المراهقة سواء من نجح وتكلل بالزواج أو لم يصل لهذه المرحلة، فيشعر القارئ فعلا أن الرواية “قلوب من نار”، كما حفلت الرواية بمفاجئات عديدة تجنبت الاشارة لها وخاصة في نهاية الرواية، كي اترك المجال للقارئ ليستمتع ولا أفسد عليه المتعة بالقراءة.
“عمَّان 17/8/2021”