يلتزم رجل الدين العراقي مقتدى الصدر الصمت، بينما يواجه ضغوطات هائلة من خصومه السياسيين بإصرارهم على إجراء الانتخابات في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، من دون تياره. وخلال اليومين الماضيين واصلت الكتل الشيعية اجتماعاتها لتجديد «إجماعها» على رفض التأجيل، بعضها شهد حضور رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي بدا، بحسب مصادر عليمة، حريصاً على إظهار «جاهزية الحكومة» للاستحقاق الانتخابي، من دون الخوض في جدل التأجيل.
وأكد الكاظمي، أول من أمس (الثلاثاء)، أن حكومته «عازمة على إجراء الانتخابات في موعدها، بعد أن استكملت متطلباتها».
ومنذ أسبوع، تحاول القوى الشيعية، أبرزها «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«الفتح» بزعامة هادي العامري، إظهار حماسة شديدة لتثبيت موعد الاقتراع، فيما تراجعت وتيرة ما كان يوصف بـ«الحوار لإقناع» المقاطعين بالعدول عن قرارهم.
والحال؛ أن أغلب القوى التي كانت تواظب على إدامة الحوار مع الصدر، وغيره من المقاطعين، تراجعوا تحت ضغط الإجماع السياسي من الأحزاب الشيعية، بأن تجرى الانتخابات في موعدها.
ويبدو أن جهود الإقناع تحولت، أخيراً، إلى تحريض سياسي لخوض الانتخابات باستبعاد المقاطعين، وعلى رأسهم الصدر، واكتسحت رغبة قيادات مخضرمة في إثبات الوجود، المخاوف من تداعيات التمثيل السياسي المنقوص في البرلمان المقبل.
ويقول مصدر سياسي مطلع، إن «حزب الدعوة الإسلامية» و«منظمة بدر» و«تيار الحكمة»، ترى بدرجات متفاوتة أن الانتخابات المقبلة «فرصة متاحة» لبناء خريطة سياسية جديدة، بعدد أقل من المنافسين، يضمنون اتفاقات «سلسة» على توزيع السلطات. «طويت صفحة المقاطعين (…) لن نناقش خيارهم»، يضيف المصدر المطلع على حوارات قادة سياسيين منافسين للصدر، ويزعم أن الحوارات بدأت بالفعل لرسم ملامح المرحلة المقبلة.
وقال رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، في مقابلة متلفزة، إن «الانتخابات ستنجح بمن يشارك فيها، ومقاطعة البعض لن تطعن في شرعيتها».
وبينما يحافظ الصدر على «صمته»، يمرر مقربون منه رسائل مضادة للخصوم، بدت أكثر ارتياحاً للاستمرار في المقاطعة، وبغض النظر عن جميع التنبؤات السياسية بعودة «التيار» خلال شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، فإن أجواءه تتداول فرضيات مختلفة لحالة ما بعد الانتخابات. ويقول المصدر إن «الصدر التقى خلال الأسابيع الماضية مفاوضين من أحزاب مختلفة لإقناعه بالعودة، لكن جميع تلك اللقاءات فشلت في تحقيق أهدافها، وخيار العودة بات مستبعداً أكثر الآن».
ويحاول المصدر، وهو سياسي دائم الاتصال بالصدر، رسم الخريطة السياسية بعد الانتخابات، في حال عدم مشاركة «التيار»، ذلك أن الفائزين سيعانون لتحقيق النصاب التشريعي لتسمية رئيسي البرلمان والجمهورية، وستدخل الكتل الممثلة في البرلمان الجديد في متاهة التوقيتات الدستورية.
أبرز ما يفترضه المقرب من الصدر، هو اندلاع حركة احتجاج واسعة مناهضة للحكومة الجديدة في حال النجاح في تشكيلها، ستحظى بمشاركة الذين قاطعوا الانتخابات.
وتعكس مواقف المقاطعين والمشاركين بلوغ الانقسام السياسي مستويات غير مسبوقة، تنذر بتوازن قوى لن يكتمل دون تداعيات. يقول مستشاران سياسيان؛ سني وشيعي، إن «صناع القرار يتعاملون الآن مع احتمالات متحركة، لكن الميل الشديد لتغيير المعادلة يغطي على جهود احتواء التداعيات».
المصدر: الشرق الأوسط