مضاعفات ما بعد كورونا..
بإنتظار المزيد من المعطيات العلمية، يبقى اللقاح ضد فايروس “كوفيد- 19” هو الخيار الأنسب والأكثر فعالية لدينا حتى اللحظة للحماية من الإصابة ومن أي مضاعفات محتملة له.
سؤال يحير كثيرين ممن أصيبوا بـ”كوفيد-19 ” سابقاً. تستمر معاناة هؤلاء مع أعراض جسدية، أو حتى نفسية، مختلفة ومشكلات صحية، من دون أي سبب عضوي مفهوم أو بسبب ظهور مفاجئ للأعراض عند الإصابة أو بعدها، لتستمر لفترات زمنية مختلفة. هذه الحالات باتت تعرف بـ”أعراض كوفيد طويلة الأمد” Long Covid أو مضاعفات ما بعد كوفيد Post-Covid، والتي يمكن أن تستمر أسابيعَ أو حتى شهوراً طويلة عند البعض.
لم يلتفت العلماء إلى أهمية هذا الموضوع في بادئ الأمر، إلا بعد ازدياد أعداد الحالات التي تم الإبلاغ عنها والتي وصلت إلى أكثر من مليون شخص في آذار/ مارس الماضي وقاربت ذلك العدد في شهري حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو أيضاً في بريطانيا وحدها بحسب بيانات مكتب الإحصاء الوطني البريطاني.
فما هي آثار “كوفيد- 19” طويلة الأمد؟ وكيف تعرف إن كنت من ضحاياها؟
يمكن أن تشكل هذه الأعراض في كثير من الأحيان عائقاً أمام حياة الفرد اليومية أو حتى أن تؤثر سلباً في حياته المهنية أو حتى الإجتماعية إذ تضطره في بعض الحالات إلى التزام المنزل لفترات غير محددة.
القصص كثيرة والقاسم المشترك: “كوفيد”!
هبة (40 سنة)، أم لأربعة أطفال ما زالت تعاني بعد أكثر من أربعة أشهر منذ إصابتها بـ”كوفيد- 19″ من آلام شديدة في المفاصل وضيق في التنفس عند القيام بأي جهد. إلى جانب أعراض أخرى مثل عدم التركيز، النسيان، وحتى تساقط الشعر بحسب وصفها. حسين أيضاً، الشاب الذي كان يتحضر لزفافه عانى من فقدان حاسة الشم بنسبة كبيرة منذ اصابته أواخر العام الماضي كما من أوجاع غير مفهومة في الصدر استمرت لأشهر عدة أوصلته إلى قسم طوارئ أحد المستشفيات، حيث أمضى هو وعروسه، ليلة الزفاف وفي ثياب العرس. هبة وحسين ليسا الوحيدين طبعاً فهكذا حالات باتت شائعة بين المرضى المتعافين من “كوفيد- 19″، حتى أوجدت دول عدة في أوروبا عيادات خاصة لمتابعة حالات كوفيد طويل الأمد.
أنا أيضاً من الذين اختبروا تبعاتٍ طويلة المدة للوباء، فمنذ إصابتي الربيع الماضي لم تعد حاسة التذوق لدي إلى طبيعتها السابقة وهو أمر يواجهه كثيرون أيضاً. سؤال بسيط في منشور على صفحتي على “فايسبوك” عمن اختبروا مضاعفاتٍ للإصابة بـ”كوفيد- 19″، كان كافياً لتنهال علي عشرات الرسائل من أشخاص عانوا من أعراض مشابهة وربما أطول مدةً أو حتى أسوأ في بعد الأحيان، منهم هبة وحسين وأسماء كثيرة أخرى لديهم قاسم مشترك واحد وهو المعاناة التي فرضت عليهم بعد الإصابة بـ”كورونا”.
في معظم الحالات، تتحسن حال مريض “كوفيد- 19” خلال أيام أو اسابيع قليلة من الإصابة، ولكن في حالات أخرى يواجه البعض مشكلات صحية متنوعة تستمر منذ الإصابة وبعدها. ولكن ليس دائماً إذ يمكن أن تظهر هذه الأعراض في وقت لاحق، حتى عند الذين لم تظهر عليهم أعراض خلال الإصابة أو حتى في الأيام أو الأسابيع التي تلتها.
من المؤسف أن كثيرين من ضحايا مضاعفات “كورونا” طويلة الأمد، على رغم أعدادهم الكبيرة، ما زالوا غير مدركين للحالة التي يمرون بها في ظل غياب للتوعية المجتمعية المطلوبة، ما يترك المريض في حيرة وضياع بسبب الأعراض التي يعاني منها.
الأعراض: الطبيعة، الحدة، المدة
يمكن أن تختلف أعراض مضاعفات ما بعد “كوفيد- 19” من شخص إلى آخر لأسباب غير مفهومة بعد، ويمكن أن تتراوح بين فقدان طويل الأمد لحاستي الشم أو الذوق أو الاثنين معاً إلى ما هو أكثر جدية كأوجاع المفاصل وطنين الأذنين أو ربما مشكلاات هضمية كأوجاع المعدة أو حتى الاسهال.
يمكن أن تشكل هذه الأعراض في كثير من الأحيان عائقاً أمام حياة الفرد اليومية أو حتى أن تؤثر سلباً في حياته المهنية أو حتى الإجتماعية إذ تضطره في بعض الحالات إلى التزام المنزل لفترات غير محددة.
الأعراض الأكثر شيوعاً في الحالات التي تم الإبلاغ عنها كانت الإحساس الشديد بالتعب يليه ضيق في التنفس والآلام العضلية بحسب آخر تقرير لمكتب الإحصاء الوطني البريطاني. تم تسجيل مئات الأعراض المرتبطة بمضاعفات ما بعد “كوفيد- 19″، نكتفي هنا بذكر الأعراض الأكثر شيوعاً التي تم الإبلاغ عنها حتى الآن ومنها:
-صعوبة في التنفس أو ضيق في التنفس.
-التعب أو الإرهاق الشديد الذي يزداد سوءاً بعد الأنشطة البدنية أو العقلية.
-مشكلات في الذاكرة أو التركيز (يشار إليها أحياناً باسم “ضباب الدماغ”).
-سعال.
-ألم في الصدر.
-صداع الراس.
-ضربات قلب سريعة.
-آلام المفاصل أو العضلات ووخز في أنحاء مختلفة من الجسد.
-اضطرابات هضمية كألم في المعدة أو الإسهال أو حتى فقدان للشهية.
-مشكلات النوم؛ أرق (Insomnia).
-حرارة عالية، حمى.
-دوخة.
-تغيرات في المزاج يمكن أن تصل إلى حد الاكتئاب أو اضطرابات القلق.
-تغير في حاستي الشم، الذوق .
-تغييرات في الدورة الشهرية.
-طفح جلدي.
-آلام في الأذن، طنين.
الفترة التي يتطلبها كل مصاب للشفاء نهائياً من أعراض “كورونا” طويلة الأمد تختلف من شخص لأخر.
ما سبب أعراض “كوفيد- 19” طويلة الأمد؟ كيف نتعامل معها؟ وما دور مؤسسات الدولة؟
تعد أعراض “كوفيد- 19” طويلة الأمد ظاهرة ناشئة مستجدة لم يتم فهمها بالكامل بعد، وما زالت أسبابها غير مفهومة بشكل كاف لدى العلماء والباحثين. الدراسات مستمرة للنظر عن كثب إلى هذه الحالات ومتابعتها بخاصة لجهة الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للتأثر من غيرهم والأعراض التي تبدو متنوعة والكثير من الأسئلة والاستفهامات التي ما زالت بانتظار إجابات.
بإنتظار المزيد من المعطيات العلمية، يبقى اللقاح ضد فايروس “كوفيد- 19” هو الخيار الأنسب والأكثر فعالية لدينا حتى اللحظة للحماية من الإصابة ومن أي مضاعفات محتملة له.
أما في حال حدوث مضاعفات ما بعد “كوفيد- 19″، فمن الضروري إبلاغ الطبيب أو حتى مؤسسات وزارة الصحة المعنية بالأعراض والمشكلات الصحية المستجدة أو المستمرة لأكثر من 4 أسابيع بعد انتهاء الإصابة. يستطيع عندها الطبيب النظر إلى فحوص المصاب، لتقييم حالته. وتقديم الوسائل المتاحة لمساعدته على التعافي.
لا يسعنا أن نغفل عن التأثيرات الجسدية والعقلية لمن وقعوا ضحية هذه الحالة ووقعها على صحتهم النفسية وحياتهم اليومية. للأسف، في لبنان، تبدو الدولة غائبة كلياً عن هذا الموضوع ومعاناة هؤلاء المرضى. موقع وزارة الصحة اللبنانية الإلكتروني لا يحتوي أي معلومات لمساعدة المتأثرين بأعراض “كوفيد- 19″ طويلة الأمد على فهم حالتهم وكيفية التعاطي معها. حتى محاولتنا المتكررة للاتصال بالخط الساخن الخاص بـ”كورونا” باءت بالفشل، فإلى من يلجأ هؤلاء؟
وبذلك يبقى ضحايا مضاعفات “كوفيد- 19” طويلة الأمد متروكين دون إجابات على أسئلتهم لفهم ما يمرون به، وأبعاده، ودون أي دعم نفسي أو طبي. لهؤلاء نقول: لستم وحدكم.