قراركم بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان.. قرار صائب وصحيح بكل المعايير.. ولا يسعنا إلا أن نثني على هذه السياسة الصائبة.. التي تجسد تعبيراً واقعياً وناضجاً لمفهوم عدم التدخل العسكري في شؤون البلدان الأخرى.. وهو ما نحتاجه اليوم ليصبح قانوناً مطبقاً وملزماً في السياسة الدولية.. يحرم التدخل في شؤون الشعوب والدول.. ويضع حداً لأية محاولات ومساعي لتكرارها.. مهما كانت الدوافع والمبررات..
ولا تنود ان نخوض في تفاصيل الحدث ونتطرق الى بقية التجارب المشابهة.. بما فيها التجربة السوفيتية في هذا البلد ايضاً.. وما خلفته عدة بلدان مارست الاستعمار والتدخل في شؤون الآخرين.. وسعت لفرض إرادة اعوانها على الشعوب.. من خلال حكومات هزيلة.. مدعومة بالجيش والقوات الأمنية استنزفت المليارات من الدولارات على مدى عقدين من الزمن.. كما هو الحال مع الوضع الراهن في أفغانستان.. وتجربة اعداد الجيش والشرطة وتدريب القوات الأمنية التي تبخرت واختفت في لحظات امام تقدم قوات طالبان.. ودخولها الدراماتيكي الى كابل.. ووصول ممثليها لقصر الرئاسة بطريقة مسرحية كأنهم في نزهة في شوارع وحدائق سويسرة.. ولسنا في أجواء أفغانستان وما فيها من تطرف وقسوة وعنف وفرق متصارعة..
تذكرنا بسيناريو دخول داعش الى الموصل وسنجار وبقية مدن العراق وسوريا واستسلام القوات العراقية وتشكيلات حكومة إقليم كردستان والحكومة المحلية في نينوى بذات الطريقة المهينة والسريعة كأنها ليست في ساحة معركة.. وانما جموع فرحة مدعوة للمشاركة في حفلة عرس معلن..
وأياً كانت المبررات والدوافع لقرار سحبكم الجيش من هذا البلد.. فإنها تشكل بداية سياسة صحيحة وصائبة ستنعكس على الوضع الدولي.. وتضع حداً لأية محاولات لاحقة للتدخل في الشؤون الداخلية لبقية البلدان.. وستشكل منعطفاً تاريخياً مهماً في مسيرة الشعوب.. التي ستنتقل الى مراحل تاريخية متقدمة.. بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي ومتطلبات تطور الاقتصاد في العالم..
التي تفرض على الجميع ضرورة التفكير بالتخلص من أعباء سياسة العولمة المتوحشة.. وإيجاد البديل الممكن والمناسب من الوسائل والصيغ في التعامل بين الدول والشعوب.. والتوجه للتنسيق والتشارك في إدارة الكون والتصدي لمشاكله..
وهي السياسة المتفقة مع مصالح جميع الشعوب.. التي تتطلع الى التخلص من العنف والقسوة في مجتمعاتها ومظاهر القوة والتدخلات العسكرية في العلاقات الدولية.. وتتيح الفرصة للجميع للتمتع بالحياة والاستفادة من واردات بلدانها.. بالقدر الذي يحفظ كرامة الأجيال.. وينقذهم من الفقر والعوز ويمنحهم القدرة على خلق علاقات سلام ووئام فيما بينهم في هذا العصر المتقدم..
ومن حقكم ان تعقدوا الاتفاقات مع كل الأطراف في أفغانستان.. بما فيها الحكومة والمعارضة والقبائل المحلية.. لضمان سلامة خروج قواتكم.. وانسحاب آخر جندي امريكي بسلام..
وهذا ما نتمناه أيضاً..
لكن ليس من حقكم.. ان تتفاوضوا مع حكومة أفغانستان.. أو حركة طالبان.. وتتفقوا معهم على أي شكل من اشكال الحكومة المقبلة.. وتفرضوا على الشعب الأفغاني.. او أي طرف في الحكومة والمعارضة أي شكل من أشكال الاتفاقات المذلة.. التي تسفر عن تشكيل حكومة تتعهد لكم وفقاً لاتفاق الدوحة.. بالكثير مما دوّن لصالحكم كدولة خسرت الحرب.. ولم يبقى امامها الا الانسحاب المذل..
لقاء تسليم السلطة الى مجموعة مرتزقة ومتطرفين وقتلة.. ليشكلوا حكومة لصوص وفساد ويعبثوا بمستقبل شعب أفغانستان.. ويحولوها الى دولة او امارة إسلامية.. ومرتع للإرهاب يجمع ثالوث (القاعدة وطالبان وداعش) في نطاق وحدة جغرافية معقدة.. يصعب التحكم بها.. ستكون منطلقاً ومصنعاً شرعياً للتطرف.. ينتج المزيد من القتلة والارهابيين.. الذين سيتوافدون يشتى الطرق الى بقية البلدان.. ليواصلوا نشاطاتهم الاجرامية.. خاصة بعد ان استولوا على كل المعدات والآليات والسلاح والذخيرة.. التي تركتموها لهم.. واستلموها على طبق من ذهب.. وفقاً للاتفاقات التي دخلت في مرحلة متقدمة من التطبيق.. مع تسليم أفغانستان لهم بهذه الطريقة المسرحية والمخجلة.. التي ستدخل أفغانستان في نطاق حروب طائفية مقبلة.. وسيكون لها نتائج مدمرة على بقية الشعوب والوضع العالمي عموماً..
لهذا نقول..
ـ من حقكم ان تسحبوا قواتكم وجنودكم من أفغانستان..
ـ لكن ليس من حقكم ان تسلموا افغانستان الى حركة طالبان وبقية المتطرفين..
ـ ليس من حقكم ان تزعزعوا استقرار بقية البلدان.. وتساهموا في دعم من يسعى لتدمير العالم..
ـ ليس من حقكم ان تدعموا التطرف في هذا العصر..
ـ ليس من حقكم ان تعالجوا المأزق الذي وصلتم اليه بالمزيد من الأخطاء الفادحة..
ـ ليس من حقكم ان تقامروا بمستقبل شعوب أفغانستان وتسلموا رقاب أبنائها وبناتها لجزاري الإرهاب وقتلة طالبان..
ـ ان أمريكا بهذه الاتفاقات المذلة ستتحمل مسؤولية ما سيجري في العالم يا جو بايدن..
ــــــــــــــــــــــ
صباح كنجي
17/8/2021
ـ شكراً لمن يترجم الرسالة الى الإنكليزية ويعممها.. قبل ان تترجمها المخابرات المركزية الامريكية او اف بي آي