الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeمقالاتأزمة تشكيل حكومة في العراق أم أزمة نظام سياسي   د.عامر صالح 

أزمة تشكيل حكومة في العراق أم أزمة نظام سياسي   د.عامر صالح 

 

 

الحديث عن ديمقراطية التداول السلمي للسلطة يعني بوضوح هو الحديث عن حكومة ومعارضة, الأولى تحكم والأخرى تراقب الأداء الحكومي للأولى وتشكل الأخيرة ما يسمى بحكومة الظل, وتتناوب الأدوار بينهما عندما تتوفر الشروط الموضوعية لذلك, سواء من خلال الدورات الأنتخابية واعادة تشكيل الحكومة من خلال تناسبات القوى داخل قبة البرلمانأو تعثر الأداء الحكوميفي منتصف الطريق او حتى في البدايات الأولى لتشكيل الحكومة عندما تكون هناك معوقات جدية تعجز فيه الحكومة عن الأستمرار في الأداء.

 

العملية الديمقراطية في تشكيل الحكومة في العراق فقدت مقوماتها من خلال خرق الدستور والمتمثل في عدم تسمية الكتلة الأنتخابية الأكبر, والتي تقوم بدورها بتسمية رئيس الوزراء لتشكيل كابينته الوزارية, وهي ليست المرة الأولى التي يغيب فيها المفهوم الدقيق للكتلة الأكبرفقد جرى في الانتخابات البرلمانية السابقة تحديدا خاطئا لمفهوم الكتلة الأكبر والذي لا ينسجم مع الدستورولكن هذه المرة وبعد الانتخابات البرلمانية الرابعة التي اجريت في 2018ـ05ـ12 كان الأكثر خطرا على الديمقراطية هو تجاوز مفهوم الكتلة الأكبر وعدم الأعتراف بوجودهاوهو يشكل خطرا في المفهوم المركزي والأساسي للديمقراطية السياسية التي يبنى على اساسها الحكم وتشكيل السلطة الحكومية التنفيذية من خلال تسمية الكتلة الأكبرمما مهد الطريق ” لتعويم ” العمليةالسياسية بالكاملوالعمل بمبدأ ” الجميع يحكم “ من خلال اجندة الأحزاب الأثنوطائفية السياسية التي اغرقت البلاد في مستنقع الفساد السياسي منذ الوهلة الوهلة الأولى وبعد سقوط النظام الدكتاتوري في عام 2003.

 

لقد سبق سيناريو ” تعويم ” العملية السياسية أجواء اضعفت ما تبقى له من شرعية إن وجدت في اذهان الناس, واسهمت في اضعاف بارقة الأمل في اعادة بناء العملية على أسس من تقاليد العمل الديمقراطي السياسي المعمول به في دول العالم المتحضر بعيدا عن نظام المحاصصة البغيضوقد تجلت تلك في ضعف المساهمة في الانتخابات حيث بلغت نسبة المساهمة ما يقارب 20%,اعقبتها نتائج مشكوك في مصداقيتها في خارج العراق وداخله باعتراف الاجهزة الحكومية العراقية الامنية والأستخباراتيةثم اعقبتها كارثة حرق صناديق الاقتراع للعبث في مصداقية النتائج واخفاء ما زور منها, ثم استبدال العد والفرز الألكتروني بالعد والفرز اليدويوالذي لم يستجيب لطموحات الناس والمتضررين من النتائج بشكل خاص ولم يكن شاملا كما كان يجب عليه ان يكون بعد التهم التي وجهت لمفوضية الانتخابات في عدم دقة نتائج الانتخابات, وقد جاءت نتائج العد والفرز اليدوي مطابقا للألكتروني. 

 

كل هذا جرى على خلفية فشل الأداء الحكومي خلال عقد ونصف من الزمن, في حقبة استشرى فيها الفساد الاداري والمالي الذي اتخذ من الفساد السياسي غطاء يحتمي به, وقد انعدمت خدمات الحد الادنى من مقومات العيش الكريم, من صحة وتعليم وكهرباء وماءوانتشار للبطالة في اوساط الخريجين وغيرهموتعاظم نسب الفقر وما تحت خط الفقر والذي بلغت نسبته ما يقارب40%, منزامنا مع كوارث بيئية وطبيعيةابرزها شحة المياه ومخاطر الجفاف الشاملوكذلك التلوث البيئي وتلوث مياه الأنهر وعدم صلاحيتها للأستخدام اليومي او لعيش الكائنات الحية فيه كالأسماك وغيرهاوكان هذا في مجمله يعكس ضعف الادارة السياسية لأدارة هذه الملفات الخطيرة جسدتها حالة الاحتراب والارتهان لأجندة اثنوظائفية سياسية داخلية واجندة اقليمية عرقلت وضع العراق على طريق السكة الصحيحة. 

 

 كان خيار السيد عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء هو خيار التسوية المحصصاتية الطائفية والاثنية وليست خيار الديمقراطية السياسيةوقد اتفقت عليه الاحزاب الطائفية السياسية والاثنية بعد فقدان الأمل في التأسيس لمفهوم الكتلة الأنتخابية الأكبركان خيار عادل عبد المهدي في ظاهره رحمة شكلية من خلال منحه ” الحرية الكاملة ” في اختيار كابينته الوزاريةولكن باطنه مأزومابقوة الصراعات الطائفية والاثنية التي فرضت اجندتها على الحقائب الوزاريةكما فرضت اجندتها على رئاسة البرلمان ورئيس الجمهورية من قبله.

 

لقد كان اقرار 14 وزيرا من كابينة مؤلفة من 22 حقيبة وترك 8 للصراعات المحصصاتية السياسية والاثنية مؤشرا سلبي واخلال كبير لمفهوم حكومة التكنوقراط, وهناك من الملاحظات الجدية التي تساق ضد ال 14 وزير الذين تم التصويت عليهافهم لم يأتوا عبر النافذة الالكترونية التي فتحها السيد عادل عبد المهدي للترشيح لشغل منصب وزيراو ملاحظات خاصة بعدم دقةمحتويات السيفيأو وجودهم في وزارات في غير تخصصاتهمأو شمول البعض منهم بقانون المسائلة والعدالةأو تهم وجهت لأخرين منهم بالفساد الاداري والمالي وحتى تهم بالقتل او كانوا في السجون في فترات سابقة لأسباب جنائيةكما ارتبط العديد منهم بعلاقات قربى مع رموز سياسية وعشائريةالى جانب كونهم عكسوا بهذا القدر او ذاك المسحة العامة للكتل الكبرىالمحصصاتية المتخاصمة. 

 

في إطار البحث الشكلي عن مخرج للازمة المستعصية في البلاد منذ عقد ونصف من الزمنوالتي عصفت في البلاد وأودت بالخراب الشامل لامكانيات البلد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشريةيجري البحث عن حلول ترقيعية بعيدا عن البحث عن الاسباب الحقيقية للازمة العامة في البلادوالتي كان سببها الاول والاخير هو النظام الطائفي المحصصاتي والاثني البغيض الذيشل حركة النهضة والحياة في بلد يمتلك كل المقومات الموضوعية والذاتية للنهضة الحضاريةباستثناء طبيعة النظام السياسي القاصر فكريا وعقليا والعاجز كليا عن استنهاض القوى الكامنة لشعبنا وقدراته وموارده الذاتية صوب التنمية البشرية المستديمة. 

 

أن نظام المحاصصة عرقل جهود أي تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تقوم على منجزات العلوم الاقتصادية والاجتماعية ومنجزات التقدم التقني والتكنولوجي,وذلك من خلال إسناد المواقع الحساسة والمفصلية في الاقتصاد والدولة إلى رموز تنتمي طائفيا  أو عرقيا ولا تنتمي إلى الكفاءات الوطنية أو التكنوقراط ولا تستند إلى انتقاء المواهب والقابليات الخاصة لإدارة الاقتصاد,بلحصرها بأفراد الطائفة أو إلى توافق من هذا النوع بين هذه الطائفة أو تلك ,أن هذه السياسة لا تؤسس إلى تنمية شاملة ,بل تؤسس إلى ”  إفساد للتنمية “,وقد عززت هذه السياسات من استفحال الفساد بمختلف مظاهره من سرقات وهدر للمال العام ومحسوبية ومنسوبيه وحتى الفساد الأخلاقي بواجهات دينية مزيفة لا صلة لها بالدين الحنيف,والأسوأ من ذلك حصر الامتيازات في دعاةكبار رجال الطائفة أو الحزب أو العرق وترك السواد الأعظم في فقر مدقع,أن أدعاء الطائفية والعرقية لتحقيق العدالة الاجتماعية هو ادعاء باطل ,وان الفقر وعدم الاستقرار والقلق على المستقبل يلف الجميع باختلاف  دينه ومذهبه وطائفته وعرقه. 

 

نقول هنا ان البحث عن حكومة تكنوقراط مؤلفة اعضائها من خبراء ومهنيين ومتخصصين في مختلف المجالات, ومن اساتذة جامعات وباحثين مرموقين, يستندون في نشاطهم الحكومي الى معطيات العلم والمعرفة الحديثة في مختلف المجالات ومستقلين نسبيا عن تأثير الاحزاب السياسية التي تقود البلد في مرحلة ما, هو أمر في غاية الصعوبة في ظل نظام محصصاتي يستند الى معايير الولاء للحزب او الطائفة او الاسرة الحاكمة او القومية والحزب القومي المهيمن, حيث اللجوء في اسناد المناصب الى معايير شاذة لا صلة لها في الكفاءة والمقدرة المهنية والتخصصية, وحيث النظر الى السلطة والمنصب هي استحقاقات محصصاتية وغنائم وفرص لا تعوض.

 

ومن هنا فأن عملية الحراك الاجتماعي والمتمثلة بكل الفعاليات السلمية المطلبية والطموحة الى التغير الجذري يجب ان تستهدف في نشاطها المتعاظم الى ما يفضي الى التأسيس للحلول الجذرية التي تسهم في فك الارتباط وانهاء العلاقة مع النظام المحصصاتي الطائفي والاثني, واعادة بناء العملية السياسية على اسس دستورية وقانونية جديدة تضمن الوطن والمواطنة والانتماء الى العراق بكل مكوناته الاجتماعية والثقافية والاثنية والدينية. وعندها يكون الحديث عن التكنوقراط وانقاذ البلد واعادة بنائه أمرا ممكنا في ظل مزاج الانتماء الى الوطن الأم.

 

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular