.
تدخل تركيا “أجواء الانتخابات” مبكرا على عكس السائد قبل عدة سنوات، وهو ما تؤكده المعطيات المفروضة على الساحة الداخلية للبلاد من جهة، والاستعدادات التي تبديها الأحزاب، وعلى رأسها الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) من جهة أخرى.
وقبل أيام توصل “العدالة والتنمية” وحليفه “حزب الحركة القومية”، الشريكان في “تحالف الجمهور”، إلى قرار من حيث المبدأ، بتخفيض “العتبة الانتخابية” التي تبلغ حاليا 10 في المئة، إلى 7 في المئة.
وتحولت تلك الخطوة في الأيام الماضية إلى مثار جدل واسع، وبينما اعتبر التحالف المذكور أنها “في الاتجاه الصحيح” قال معارضون إنها تهدف إلى “إنقاذ حزب الحركة القومية”، وهو ما اعتبره زعيم الأخير دولت باهشتلي “محض أكاذيب وافتراءات، ووسيلة لكسب الرزق من قبل البعض”.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، قال الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي يرأس حزب العدالة والتنمية الحاكم إن خفض “العتبة الانتخابية” قد تم الاتفاق عليه (7 بالمئة)، لكنه كان ينتظر سماع آراء شركاء التحالف (الحركة القومية).
وبعد أيام خرج باهشتلي وأعلن موافقته على العتبة الجديدة، وقال في بيان: “لا حاجة لمزيد من التقييم”.
ومن المتوقع تقديم مشروع خفض “العتبة الانتخابية” إلى البرلمان، في شهر أكتوبر المقبل، بعد انتهاء “العطلة البرلمانية”.
ويتألف البرلمان التركي من 600 نائب، وبالنسبة للمقترح الخاصة بـ”العتبة الانتخابية” فهناك حاجة إلى 400 صوت برلماني في الظروف العادية، حيث يشترط أن تكون “أغلبية ثلثي الأعضاء مطلوبة”.
ولحزب “العدالة والتنمية” 289 مقعدا، بينما يبلغ عدد مقاعد حزب “الحركة القومية” 48 مقعدا، ليكون المجموع بذلك 337 صوتا، وهي نسبة غير كافية لتمرير أي مقترح، وبالتالي الحاجة لموافقة أحزاب أخرى.
ما هي “العتبة الانتخابية”؟
العتبة الحالية، المحددة بـ10 بالمئة، تمنع أي حزب سياسي يحصل على أقل من ذلك على مستوى البلاد من شغل مقعد في البرلمان، حتى لو جاء أولا في دائرة انتخابية معينة.
ومن شأن خفض النسبة إتاحة المجال للأحزاب الصغيرة بالدخول إلى البرلمان، وخاصة تلك التي ظهرت على المشهد السياسي الداخلي مؤخرا.
وفي المقابل قد يمنع خفض نسبة “العتبة” خروج “الحركة القومية” أيضا، لاسيما في ظل حديث أحزاب المعارضة عن “انخفاض شعبيته” قياسا بالانتخابات البرلمانية التي أجريت في عام 2018، وحينها حصل على 11 بالمئة من أصوات الناخبين.
ولا تعتبر التحركات التي يقدم عليها الحزب الحاكم وحليفه مفاجئة، بل كانت عدة خطوات تمهيدية قد أسست لها، أبرزها إعلان إردوغان في فبراير الماضي أن ساعة تغيير الدستور التركي المطبق في البلاد منذ عام 1982 قد دقت، لاسيما بعد فشل جميع المحاولات السابقة لتغييره طوال العقود الماضية.
وتبع ذلك حديث لوزير العدل التركي، عبد الحميد غل، إذ قال في رده على سؤال بشأن قانون الأحزاب السياسية والانتخابات: “أعتقد أن العتبة الانتخابية لم يعد لها معنى”، بحسب ما نقلت وكالة الأناضول شبه الرسمية.
ويقول الباحث في الشأن التركي، محمود علوش إن مسألة تخفيض العتبة الانتخابية لطالما كانت مطلبا لأحزاب المعارضة في السابق.
لكن أحزب المعارضة اليوم، بحسب الباحث: “تبدو متوجّسة من هذا الأمر لأنّها تعتقد أنها خطوة تكتيكية من إردوغان للحفاظ على تمثيل حليفه القومي، ولكسب أصوات كردية”.
ويضيف علوش في حديث لموقع “الحرة” أن أي تخفيض للعتبة “سيُفيد بالدرجة الأولى حزب الحركة القومية الذي تراجعت شعبيته في السنوات الأخيرة، بفعل الانشقاقات التي طالته”.
ويشير إلى أن بعض استطلاعات الرأي تتحدث عن أن حزب “الحركة القومية” قد لا يستطيع تجاوز عتبة العشرة بالمئة في الانتخابات المقبلة، “لذا فإن تخفيض العتبة إلى سبعة قد يُساعده على البقاء في البرلمان وهذه مصلحة لحزب العدالة والتنمية كذلك”.
“البرلمان في عطلة.. السياسة لا”
وفي غضون ذلك، ورغم الاتفاق المبدئي على خفض العتبة إلى 7 بالمئة، إلا أن وسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة التركية رجحت أن تكون غير ذلك، بمعنى أنه سيتم تخفيضها إلى حد 5 بالمئة.
وتتجه الأنظار في الوقت الحالي إلى الجلسة التي سيعقدها البرلمان التركي، الشهر المقبل، بعد الانتهاء من العطلة.
وفي مقالة له الأسبوع الماضي يقول الكاتب التركي، عبد القادر سلفي في صحيفة “حرييت”: “على الرغم من أن البرلمان في عطلة، إلا أن السياسة غير ذلك”.
ويضيف الكاتب المقرب من الحكومة التركية: “عندما كانت العتبة الانتخابية 10 في المئة خططت بعض الأحزاب للتغلب على هذه العتبة من خلال إقامة تحالفات. مع ذلك إذا تم تخفيض عتبة الانتخابات إلى 5 في المئة، فإن الأحزاب التي لديها أكثر من ذلك ستعيد النظر فيما إذا كانت ستنضم إلى التحالفات”.
وبحسب سلفي، فإن “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” يعملان بشكل منفصل على قانون الأحزاب السياسية والانتخابات منذ فترة طويلة، نافيا أن تكون هناك أي أزمة بينهما.
من جانبه يقول الباحث السياسي التركي، إسلام أوزكان إن خطوة تخفيض “العتبة” قد تلحق الضرر “ليس بأحزاب المعارضة فقط، بل بحزب العدالة والتنمية، لأنه يتلاعب حاليا بالقوانين الانتخابية، وهذا مؤشر كبير جدا بأنه سيخسر في الانتخابات ولن ينتصر”.
ويضيف أوزكان في حديث لموقع “الحرة”: “لماذا لم يتلاعب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة وفي هذه المرة يحاول التلاعب بهذه القوانين الانتخابية؟ هذه مشكلة كبيرة جدا”.
ويرجح الباحث التركي أن “يخدم تخفيض العتبة الانتخابية حزب الحركة القومية. ما دام الأخير لن يستطيع الدخول في البرلمان، فهذا سيؤدي إلى خسائر فادحة بالنسبة للعدالة والتنمية”.
ماذا عن الأحزاب الصغيرة؟
ولم تبد حتى الآن أحزاب المعارضة أي موقف واضح بشأن مقترح “تحالف الجمهور”، في ظل مطالبات من “حزب الشعب الجمهوري” بإلغاء كامل النسبة، أي أن تكون 0 بالمئة وليس 7 أو 5.
ويشير الباحث إسلام أوزكان إلى أن “الهاجس الانتخابي (10 بالمئة) غير عادل، ويضر بالأحزاب الصغيرة، ويمنعها من دخول البرلمان التركي”.
ويوضح أن “حزب العدالة والتنمية حتى الآن يرى أن القوانين الانتخابية لا تخدم مصالحه. ليس من شأن دخول الأحزاب الصغيرة، بل من أجل إنقاذ حزب الحركة القومية. هذا هو الهدف”.
وفي المقابل يقول الباحث التركي، محمود علوش إن “تخفيض العتبة الانتخابية سيؤثر على الصوت الكردي”، مضيفا: “”دخول حزب كردي إلى البرلمان مسألة مهمة لأكراد تركيا على اختلاف توجّهاتهم وساهم في تركيز الصوت الكردي باتجاه حزب الشعوب الديمقراطي”.
ويوضح: “في العتبة المُخفّضة سيكون من السهل على حزب الشعوب البقاء في البرلمان الجديد، مما سيُعدد الخيارات أمام الأصوات الكردية التي تُصوّت له، ليس اقتناعا بمشروعه، بل لأنّ وجوده البرلماني مسألة كردية وجودية”.
وقبل سنوات كانت بعض الأحزاب تُخطط للتغلب على عتبة العشرة في المئة من خلال إقامة تحالفات.
وبحسب الباحث محمود علوش: “إذا خُفّضت العتبة، فإن الأحزاب التي لديها أكثر من 7 في المئة ستعيد النظر فيما إذا كانت ستنضم إلى التحالفات”.
خارطة أحزاب جديدة
وفي أحدث البيانات الصادرة عن مكتب المدعي العام لمحكمة الاستئناف العليا بلغ عدد الأحزاب السياسية التي أعلن عن تأسيسها في عام 2020 27 حزبا، ليرتفع العدد الإجمالي للأحزاب السياسية في البلاد إلى 107 أحزاب.
ويعتبر الرقم المتعلق بتأسيس الأحزاب خلال العام الماضي (27) كبيرا، مقارنة بعام 2019 الذي شهد الإعلان عن ثلاثة أحزاب فقط، الأمر الذي يعتبر تطورا ملحوظا، سيكون له تأثيرٌ بشكل أو بآخر على ما تقبل عليه البلاد في 2023، أي في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في يونيو من العام المذكور.
وتستند السياسة الانتخابية في تركيا الآن إلى المنافسة بين “تحالف الجمهور”، الذي يتألف من “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، و”حزب الحركة القومية”، وبين تحالف الأمة المكون من “حزب الشعب الجمهوري”، و”الحزب الجيد” و”حزب الشعوب الديمقراطي”، و”حزب السعادة”.
وبذلك تكون الأحزاب التركية الجديدة خارج نطاق أي تحالف حتى الآن، ولم تتضح الصورة كاملة عما إذا كانت تنوي تشكيل تحالف ثالث، أو أنها قد تتجه إلى الانخراط في التحالفين القائمين حاليا، خلال المرحلة المقبلة.