في قاعة كبيرة تجمع قرابة 40 شخص، دخل أعضاء العصابات في مالمو، وبعضهم خرج من السجن بإطلاق سراح مشروط، ليلاقوا المجتمعين. من بين الـ 40 شخص المجتمعين هناك مدربو رياضة، ومالكو متاجر في الحي، وقادة مجتمعات محليّة وشيوخ جوامع، وحتّى بعض أقرباء أفراد العصابات. ألقى المجتمعون على أفراد العصابات التحيّة.
تواجه مالمو أزمة عنف خطيرة، ففي 2017 وحدها شهدت المدينة 65 حالة إطلاق نار، و62 حالة استخدام قنابل أو متفجرات صغيرة أخرى. بعض أوجه المشكلة معقدة، ولهذا كان على المدينة أن تجرّب اللجوء إلى حلّ ما.
كان الجميع حاضرين لإيصال رسالة واحدة لأفراد العصابات: نحن نهتم بكم. لا نريدكم أن تموتوا، ولا نريدكم أن تؤذوا أحداً آخر. سنوقفكم عن إيذاء أنفسكم إن سمحتم لنا، ونساعدكم إن أردتم مساعدتنا.
بدأت العمليّة الأهلية في مالمو، والتي سميت (أوقفوا إطلاق النار Sluta Skjut) في عام 2018. وقد استعانت الاستراتيجية بتجارب سابقة من مجموعات التدخل في العنف (GVI) ظهرت في بوسطن في الولايات المتحدة في التسعينيات، وشهدت نجاحاً في مدن مثل أوكلاند وشيكاغو وديترويت.
يتكوّن البرنامج من مراحل تواصل مباشر مستمرّة (وجهاً لوجه) مع أعضاء عصابات شوارع مالمو، وكذلك التعاون الوثيق مع شركاء المجتمع.
منذ بدأ المشروع، انخفض العنف بشكل مستمر في مالمو. في 2020 كان هناك 20 حالة إطلاق نار، و17 تفجير. من بين 300 شخص تمّ التواصل معهم عبر البرنامج، 40 دخلوا السجن، و49 انضموا إلى برنامج مدينة مالمو لمساعدة الأفراد على ترك الجماعات المسلحة والبدء من جديد.
من السابق لأوانه الحكم على التجربة بأنّها ناجحة أو فاشلة، لكنّ الذين شاركوا في البرنامج يقولون بأنّ قيمة هذا النهج هي في جمع أشخاص متنوعين وذوي مواقف متعددة بعضهم مع بعض لإيصال رسالة واحدة.
تقول ريبيكا بيرسون، وهي مديرة مشروع (Sluta Skjut): «إن أطلقتم النار أو استخدمتم القنابل، سنعلم أيّ مجموعة قامت بالأمر، وسنلاحق كامل أفراد المجموعة» لكنّ تحذيرات بيرسون كانت مصحوبة بوعود صادقة هي: «إن أردتم المساعدة لترك أسلوب حياتكم، أو المساعدة في أيّ شيء آخر، سنساعدكم».
بعد ثلاثة أعوام:
بعد مرور ثلاثة أعوام على انطلاق أوّل دعوة في مالمو، بات الأمر أكثر تنظيماً، وتمّ منح وقت لمجموعة من الأشخاص كي يتحدثوا: عمدة مالمو، ورئيس الشرطة، والمدعي العام، ووالدة أحد الضحايا، وإمام المسجد، وكاهن.
يشعر البعض بالملل، ولكنّ الجميع يتأثر وتنهمر دموع البعض عندما تشارك الوالدة لحظات أساها مع البقيّة. وكما قال أحد أفراد العصابات: «في تلك اللحظة استيقظت، عندما رأيت والدته وشقيقاته قادمين إلى المستشفى… لم أتخيّل وضع والدتي في الموقف ذاته».
وكما علّق رمضان بوسعيدي، مدير شؤون الجامع المحلي وأحد الأعضاء المؤسسين للبرنامج: «المجرمون بشر أيضاً، وربّما لم يتلقوا المساعدة أو الدعم من أهلهم، أو من مدارسهم… نحن هنا لنقول لهم: يمكنك التوقف عمّا تفعلونه وبدء حياتكم من جديد بطريقة صحيحة».
وكما يؤكد أحد المساهمين ورئيس واحدة من المنظمات غير الربحية الداعمة، رافي فاروق، فبالتأكيد هناك جوانب للعنف في مالمو لن يتمكن البرنامج من معالجتها، وخاصة فيما يتعلّق بالعنصريّة المنهجية ضدّ المجتمعات من أصل عربي.
يؤثر البرنامج في المجتمع المحلي كما يؤثر في أفراد العصابات. يقول ستيفان ريدنمارك، أحد ضباط الشرطة في مالمو والناشط جداً في البرنامج: «إحدى الرسائل لهم هي أنني لا أريدكم أن تموتوا. عندما قلت ذلك في المرة الأولى فكرت، ما الذي أفعله؟! ففي الوضع السابق كنت لأريد حبسهم… لكنّ رسالتي الآن أكثر تأثيراً وفاعلية بالوصول إليهم».