إننا ندرك، ونعي، ونعلم علم اليقين، أن قومنا كلهم يترقبون بفارغ الصبر، وينتظرون على أحر من الجمر، سقوط نظام بشار في أي لحظة، ويعتقدون أن في سقوطه، سيحصل الفرج، وينال الناس حريتهم، ويعيشون في أمان وسلام.
لكن الحقيقة المرة! التي لا يدركها ولا يعيها أكثر الناس – إلا قليلاً جداً منهم – أن سقوط بشار في هذه اللحظات الحالية الحرجة، وفي هذه الظروف العصيبة، التي تعصف بالسوريين جميعاً، سيؤدي إلى كوارث ماحقة، وساحقة، وإلى مصائب، وبلايا، لا يعلم مداها إلا الله تعالى.
وقبل أن يشتط الخيال ببعض الناس! ويظنوا بنا الظنون، نقول: إنه لا يوجد سوري واحد حتى من الذين يتظاهرون بتأييدهم لبشار، إلا ويتمنون زواله في أسرع وقت – إلا قليلاً من الذين يستفيدون من بقائه – ويتلهفون إلى حصول تغيير في شكل الحكم، يتيح للناس أن يعيشوا بشيء من الراحة، والسكينة، وهدوء البال، فمن باب أولى أن يتمنى الكاتب حصول ذلك.
ولكن نقول في الوقت نفسه: أن ثمة فرقاً كبيراً، وشاسعاً، بين إسقاط حكم بشار عن طريق مؤيديه، أو عن طريق الداعمين له – سواءً كانوا أفراداً أو مجموعات أو دولاً – وبين إسقاط حكمه بقوة السلاح عن طريق المقاتلين، والمجاهدين، كما حصل في أفغانستان.
ففي حالة الإسقاط الأولى: فإن الأمر لن يتغير، بل قد يتحول الحال، إلى أسوأ مما كان سابقاً، إذ سيستولي على الحكم، حثالاتٌ من المجرمين، ومن شذاذ الآفاق، بينما في الحالة الثانية: فسيستولي على الحكم، كرامُ الناس، وخيارُهم.
لماذا لا توجد فائدة من إسقاط حكم بشار الآن؟!
- بسبب وجود أعدادٍ كثيرةٍ، من الفصائل المقاتلة على الأرض، لا يربط بين الواحدة والأخرى، أي رابط، لا عقدي، ولا فكري، ولا منهجي، ولا هدفي.
- وتشرذم، وتشتت، وتمزق الفصائل المقاتلة، وانقيادها لأوامر خارجية. فهي غير مستقلة في قرارها ولا تتحرك شبراً واحداً على الأرض، إلا بإذن من يُسيِّرها، ويخطط لها، ويدعمها بالمال والسلاح. ولا أدل على ذلك! من هذا الموقف المُخزي، المُهين، الذليل لجميع الفصائل المسلحة، التي تقف الآن تتفرج، وتستمتع برؤية درعا وأهلها، يُذبحون من الوريد إلى الوريد، ولا تهتز شعرة في أجسادهم الميتة، المحنطة! ولا تستثيرها حتى حمية الجاهلية الأولى، فتدفعها للاستجابة لنداءات، واستغاثات الأطفال، والرضع، والمستضعفين. وكأنه لا توجد أي صلة أو رابطة بينها وبين درعا، ولا حتى رابطة إنسانية. فهل هناك أكثر من هذا التفرق، والتشتت المشين، والمخزي؟!
- وبسبب وجود أعدادٍ كبيرةٍ، من الهيئات، والمنظمات، والتجمعات، والأحزاب السياسية، التي تزعم أنها تعارض حكم بشار، وكل منها يغني على ليلاه، وكل له هدفه الخاص، ورؤيته الخاصة، وعقيدته الخاصة، وأكثرها علمانية، استئصالية، ليس لها دين، ولا خلق، ولا قِيَمٌ، وتشمئز من ذكر اسم الله، وتنفر منه، نفورها من الجذام. بل وتحاربه سراً وجهراً، وتحارب المؤمنين به، دون هوادة، كما قال تعالى: ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) الزمر 45.
- وبسبب هذا التيه، والضياع، والتفرق، والتشتت، الذي يعيشه السوريون الأحرار، وانعدام وجود حزب واحد، أو تجمع واحد، ينضوي تحته كل السوريين الأحرار، وانعدام وجود فصيل مقاتل واحد، ينضوي تحته كل المقاتلين، ويخضع لإمرة، وتوجيهات الحزب السياسي الواحد، وليس لإمرة الأجنبي الخارجي، كما هو الحال في أفغانستان بوجود طالبان.. فمن الذي سيستلم حكم البلاد إذا سقط بشار؟!
- وهذا ما سيؤدي إلى حصول صراع عنيف بين شتى الفرق – سواءً كانت سياسية أو عسكرية – واقتتال شديد، تُسفك فيه دماءٌ غزيرةٌ، للاستئثار بالحكم دون الآخرين، كما حصل بين المجاهدين الأفغان، عقب خروج السوفييت من أفغانستان في عام 1989.
- كما أنه لا يوجد قائد واحد يسيطر، ويهيمن على جميع المقاتلين، وجميع السياسيين، ويعترف به الجميع، كقائد عام للثورة السورية، مثل عمر المختار في ليبيا، الذي كان يقود جميع الليبيين في الحرب ضد الطليان المحتلين، ومثل عبد القادر الجزائري في قيادته للثورة الجزائرية، ضد الفرنسيين المحتلين، ومثل عبد الكريم الخطابي في المغرب، أو على الأقل مثل هوشي منه في فيتنام، في حربه ضد المحتلين الأمريكيين.
- علاوة على وجود عشرات الجيوش، والمليشيات، والعصابات المحتلة لسورية، من كافة أصقاع الأرض.
إذاً سقوط حكم بشار في هذه الأوضاع المأساوية الحالية، من الفوضى، والتشرذم، والتشتت، والتيه، والضياع، والتمزق في صفوف السوريين، ليس لصالحهم البتة. بل سيدعو إلى مزيد من التفرق، ومزيد من الاقتتال، ومزيد من سفك الدماء، ومزيد من التدمير، والخراب، ومزيد من سقوط الضحايا الأبرياء.
إذاً ما هو الحل لاقتلاع بشار وزبانيته من جذورهم؟!
الحل سهل وبسيط جداً، للأحرار الصادقين، المتقين، الذين يريدون فعلاً تحرير بلدهم، ونيل حريتهم، وعزتهم، وكرامتهم. ولكنه صعب جداً، على الذين يريدون أن يتاجروا بالثورة، وبدماء الأبرياء، وعذابات المستضعفين، وآلام النازحين، والمشردين، ويريدون الجاه والسلطان، ويريدون المناصب، والشهرة، والبروز، والظهور أمام وسائل الإعلام، على أنهم هم أولو الأمر، ويريدون أن يغنوا، ويثروا على حساب الفقراء، والمساكين، والضعفاء.
الحل الوحيد والأوحد
هو اندماج، وانصهار جميع الفصائل المسلحة، بكافة أسمائها، وتشكيلاتها، ضمن فصيل واحد. وكذلك اندماج، وذوبان جميع الكيانات، والتجمعات السياسية، بكافة أسمائها، وأنواعها، وتشكيلاتها، ضمن كيان واحد، مع نفس الفصيل المسلح الواحد، بحيث يكون السياسيون، والمقاتلون كلهم في كيان واحد، وينطق باسمهم شخص واحد، ويمثلهم أمام المحافل الدولية، شخص واحد.
وبما أن حدوث هذا الحل، هو أقرب إلى المستحيل – إلا إذا طلعت الشمس من مغربها – لما يتميز به السوريون – إلا قليلاً منهم – من مواصفات فطرية، جُبِلوا عليها منذ قديم الزمان، بأنهم يأنفون من الخضوع لبعضهم البعض، ويأنفون من النزول عن الكرسي الذي يجلسون عليه. مع أنه في الوقت نفسه يخضعون، ويستخذون، ويستسلمون للطاغية، وللمستبد الذي يذيقهم الذل، والهوان.
فالحل البديل الوحيد هو: ما دعونا إليه خلال خمسة عشر مقالاً، كتبناها في الثلاث أشهر الماضية، وهو الانضمام إلى تجمع السوريين الأحرار الذي سيحوي جميع النخب، والصفوة من السوريين السياسيين، والمفكرين، والمقاتلين. والذي سيعمل متجاوزاً كل الكيانات الهلامية، الورقية الموجودة على الساحة السورية. والذي سيعمل كما عملت حركة طالبان، حينما حصل النزاع المسلح بين فصائل الأفغانيين عقب الانسحاب السوفياتي، بين برهاني، وسياف، وحكمتيار، وشاه مسعود، فبرزت طالبان من بين الفوضى التي عمت البلاد، وسيطرت، وهيمنت على الجميع، وحكمت البلاد حوالي عشر سنوات، إلى بدء الاحتلال الأمريكي في أواخر 2001 .
فالذين يؤمنون بوجوب، وضرورة تحرير سورية، عليهم الانضواء تحت راية ذلك التجمع المذكور آنفاً، وإلا.. لن ينعم السوريون جميعاً بطعم الحرية، أبد الآبدين، ولن يرجعوا إلى بلدهم، معززين مكرمين، إلا أن يشاء الله العزيز الحكيم، فيستبدل هذا الجيل التعيس، البئيس، ويأتي بجيلٍ يُحِبُهم ويُحِبونَه، أذلةٍ على المؤمنينَ، أعِزَةٍ على الكافرينَ، يُجَاهدونَ في سَبيلِ اللهِ، ولا يَخَافونَ لَوْمَةَ لائمٍ.
1 صفر 1443
8 أيلول 2021
موفق السباعي