كلنا يتذكر عندما أطل حيدر العبادي بوجهٍ مبتسم وأعلن أن داعش أنهزم عسكرياً إلى الابد، كان إعلانه خلال مؤتمر الإعلام الدولي في بغداد السبت 9 / 12 /2017 ، الإعلان كان بابتسامة واثقة إن ” قواتنا سيطرت بشكل كامل على الحدود السورية العراقية ومن هنا نعلن انتهاء الحرب ضد داعش” ثم تابع ” إن معركتنا كانت مع العدو الذي أراد أن يقتل حضاراتنا، ولكننا انتصرنا بوحدتنا وعزيمتنا، وبفترة وجيزة استطعنا هزيمة داعش”، استبشرنا خيراً بالخبر وفرحنا بانتصار الجيش الذي تأثر في هزيمة البعض من قواده وفرقه في عهد نوري المالكي أمام داعش الإرهاب تاركاً خلفه معدات عسكرية تقدر بملايين الدولارات حسبما نقلته مصادر مطلعة ، وكنا نأمل ان تجري محاسبة حقيقية لمسببي الهزيمة ولضحايا سبايكر البالغ عددهم حسب السجلات الحكومية (2050) وليس كما نشر ( 1700)، هذه الأرقام كشفها المرصد العراقي لحقوق الانسان حينما قال ” الأرقام المعلنة عن وجود 1700 ضحية من جنود “سبايكر” ليست صحيحة، فالرقم تجاوز 2050 ضحية بحسب السجلات الحكومية، ولم يتم التعرف إلا على 350 جثة منهم، أما البقية فلا أحد يعرف مصيرهم حتى الآن ” والحكومات المتعاقبة منذ حكومة نوري المالكي وما بعدها لم تكن بالمستوى المطلوب كي تقوم بالبحث عن أماكن رفات الضحايا وتقوم ايضاً بالتعويض لكي تساعدهم وتخفف المعاناة التي اصابتهم بعد فقدانهم لأبنائهم الذين قتلوا أو غيبوا بسبب إرهاب داعش الذي سيطر على مدينة الموصل في 10 / 5 / 2014 .
نعم فرحنا واستبشرنا بالتخلص من الإرهاب إلا اننا بقينا حذرين في الوقت نفسه وَحَذْرنا أن الانتصار وهزيمة داعش لن تكتمل إلا وفق نهج من توجهات برنامجية علمية وسياسية فعالة تعتمد على القيام بالإصلاح والتوجه للتخلص من التركة الماضية التي ساعدت داعش على الانتصار وجعلتها تتحكم في ثلث البلاد وفي مقدمتها المحاصصة وإصدار القوانين العادلة لكي تطهر العملية السياسية من الادران، هذه التوجهات لا تعتمد العنف والبندقية والميليشيات الطائفية الجديدة القديمة التي كانت تتحين الفرص لتحتل مكان الإرهاب الجديد ولكن بطريقة جديدة وتفرض نفسها كقانون للعقاب والاغتيال والاستيلاء على أموال واراضي المواطنين تحت طائلة من الادعاءات والاكاذيب ، ولهذه فهزيمة داعش العسكرية كانت البداية لإنقاذ البلاد وليس النهاية وعلينا الاعتراف بأن التحالف الدولي وطيرانه كان العامود الفقري في دعم قواتنا وبمجرد الانتهاء ونشوة الانتصار العسكري عادت روح التعالي والغرور دون الادراك بوجود حقائق موضوعية على ارض الواقع وإنكار الدعم الدولي والسلاح الكثير الذي قدم والبعض منه سلم لداعش تسليم اليد، وكانت لغة قيادة العمليات المشتركة تصب في المجرى نفسه فقد أعلنت حينها عن ” تحرير الجزيرة بين نينوى والأنبار بإسناد طيران الجيش (…) ومسك الحدود الدولية العراقية السورية شمال الفرات من منطقة الرمانة حتى تل صفوك على طول 183 كيلومترا” لكن ماذا جرى بعد التحرير؟ وما هي مهمات ملاحقة داعش وايديولوجية الإرهاب ؟ ليتسنى سد جميع طرق التسريب وإعادة بناء الخلايا والمفارز القتالية ورفع الوعي لدى الملايين الذين رسخوا سنين تحت هيمنة حكم داعش
ــــ لماذا اعتمدت القوة والعنف والاغتيالات والاستيلاء على الأراضي والممتلكات بدلاً من العمل باتجاه رفع الوعي لدى الملايين من المواطنين في المناطق الغربية وغير الغربية، العلاج بالكي عبارة عن طريقة مستنسخة من أساليب الإرهاب ولهذا ” جنت على نفسها براقش* ” عاد داعش الإرهاب يقتل ويغتال ويهاجم ليس في منطقة واحدة إنما في العديد من المناطق حتى إقليم كردستان لم يسلم من ارهابي داعش أو الميليشيات المسلحة وخير دليل اعترافات خلية تابعة لتنظيم داعش التي اذيعت على ” ناس تلكرام” ولم يمكن نسيان اطلاق الصواريخ والمسيرات الطائرة وجرائمها ضد مطار أربيل وأراضي الإقليم.
إن ما يؤسف له عدم الاستماع للمقترحات والتوجيهات التي وجهت للحكومات المتعاقبة في العراق منذ 2003 تقريباً، وهي صفة لازمت الحكومات قبل ذلك بكثير، ولهذا لم يعم الاستقرار ولا الأمان طوال الحقب السابقة، بعد سقوط النظام الدكتاتوري كانت فرصة لإعادة بناء العراق سياسياً واقتصادياً واجتماعاً وأمنياً وثقافياً…الخ إلا أن الذي حدث العكس تماماً لا بل والأفظع اصبح البلد ساحة لكل من هب ودب بهدف تنفيذ سياسته وفق مصالحه الخاصة إن كان ذلك من قبل البعض من الٌقوى السياسية الدينية في الداخل أو التدخلات من قبل دول الجوار وغيرها وهو أمر واضح، مع ذلك وحينها بعد مواجهات مع الإرهاب ” القاعدة ومجموعات النظام السابق وفلوله ثم داعش الإرهاب “فقد كلل النجاح بالتصدي للإرهاب إلا أن المشكلة التي تلازمت مع هذه المعطيات بروز الميليشيات الطائفية المسلحة لتحل مكان القوى الإرهابية في إرهاب المواطنين ولكن بطريقة أخرى مبررة بشتى الادعاءات وفي الكثير من الأحيان تحظي بسند ودعم البعض من المسؤولين والبعض من القوى التي تقود السلطة.
اليوم بعد جملة من التصريحات العنترية واطنان من الاستنتاجات التي ليس لها سوى صدى عابر بدأت تلوح في الأفق جرائم يقوم بها داعش الإرهاب والبعض من التنظيمات المسلحة المعادية للعملية السياسية وجمعت الاعمال الاجرامية في وحدة الرؤيا في السعي لتدمير البلاد واستمرار عمليات النهب والتدمير في سبيل البقاء على القديم لأنه يحقق لهم مصالحهم واهدافهم، لنا إشارات من قيادة العمليات المشتركة بخصوص قضايا الإرهاب والتعرض للقوات الأمنية وأكدت على “الضغط الكبير الذي تمارسه القوات الأمنية والتجمع الأخير للعناصر الارهابية في وادي شاي وجنوب غرب كركوك في الرشاد وفي شمال غرب قضاء داقوق والمناطق البعيدة نوعا ما عن كركوك بدأ التنظيم الإرهابي أن يعيد نفسه في تلك المناطق من خلال تجمعات” هذا التأكيد والاعتراف حول انتشار تنظيم داعش في عدة مناطق وقصبات البلاد وهذا يتناقض مع إعلان التحالف الدولي يوم 7 / 9 / 2021 حول عدم استطاعة عصابات داعش على التواجد واحتلال الأراضي وما نشر حديثاً في مواقع عديدة عن نشاطات داعش وجرائمه يدل عن كذبة انتهائه وعدم قدرته على النهوض مجدداً، لكن المتحدث باسم التحالف الدولي العقيد (واين مارتو) ذكر لوكالة الأنباء العراقية “وطالما هذه العصابات لا تزال تشكل خطراً واضحاً وقائماً على أمن العراق وشمال شرق سوريا، فسيواصل التحالف ضربها” وفي احدث الانباء فقد ذكرت الانباء ” الارهابيون قاموا بالتعرض على أفراد من الشرطة الاتحادية في الساعة 12 وربع ليلة البارحة وهناك شهداء وجرحى” فضلاً عن ذلك فقد تم الكشف عن “هجوم عناصر داعش على اللواء 19 الفوج 2 في الشرطة الاتحادية في قرية “تل سطيح” التابعة لناحية الرشاد في كركوك ارتفع إلى 12 ضحية” وأكدت مصادر عن هجوم مسلح وتفجير لداعش في 7 / 9 / 2021 الذي أدى في إصابة عدداً من الجنود إضافة إلى ضابط وأشار المصدر أن ” عناصر داعش هاجمت نقاط للفرقة الاولى-اللواء الاول بالجيش العراقي في قرية الغاية في اطراف خانقين ومنطقة حلوان بين جلولاء وخانفين” وأكد المصدر أن ” الاشتباكات ما تزال مندلعة بين قوات الجيش وعناصر داعش” هذا غيض من فيض فهناك العديد من الهجمات والنشاطات والتحركات تدل على أن داعش لم ينته ” يا جماعة الخير” وإن البرامج والأساليب ما بعد الإعلان عن الانتصار العسكري لم تكن بالمستوى المطلوب وهو دليل على مدى سذاجة التصريحات والمعالجات والنبرات الغرورية التي لا تغني ولا تشبعْ، ولنا تجربة سابقة مع تصريحات النظام السابق حول الانتصارات!! نقول إن التصريحات تبدو غريبة حول إنهاء داعش وارهابه إلى الابد. نقول مازالت الإمكانيات متوفرة إذا ما اريد الانتصار الكامل العسكري والفكري على الإرهاب والميليشيات الطائفية وهذه الإجراءات تبدأ بالتخلص من المحاصصة الطائفية والتوجه الجاد للحد من آفات الفساد والفاسدين وفرض القانون وضبط السلاح ليكون تحت يد الدولة إضافة إلى شل يد الميليشيات الطائفية ووضع الحشد الشعبي تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة ومنع تدخل الأحزاب فيه إضافة إلى قضايا أخرى!
—–
* براقش اسم كلبة نبحت ففضحت اهل قريتها المختبئين في مغارة فقتلهم الأعداء عن بكرة ابيهم، قال حمزة بن بيض في ذلك الموقف:
لم تكن عن جناية لحقتني
لا يساري ولا يميني رمتني
بل جناها أخ عليَّ كريم
وعلى أهلها براقش تجني