.
في الحادي عشر من سبتمبر الحالي نشر تنظيم “القاعدة” كلمة لزعيمه أيمن الظواهري تحدث خلالها عن تطورات كثيرة “سياسية وعسكرية”، كان اللافت بينها تلك الخاصة بسوريا، إذ أشاد بالهجوم الذي استهدف موقعا للقوات الروسية في منطقة تل السمن بريف الرقة، مطلع العام الحالي.
الهجوم تبناه حينها تنظيم “حراس الدين”، الذي يعتبر الممثل الوحيد لـ”القاعدة” في البلاد، بحسب باحثين في شؤون الجماعات الجهادية. ولم يقف نشاطه عند ذلك الحد، ليعلن في أغسطس الماضي تفجير حافلة “مبيت” عسكرية عند مداخل الحرس الجمهوري في محيط العاصمة دمشق.
وصف الظواهري حادثة تل السمن بـ”العملية الموفقة”، واعتبر في التسجيل أنها “ضربت مثلا على كسر حصار العدو العسكري، ووجهت بوصلتها في الاتجاه الصحيح”.
وأضاف أن “إنهاك العدو هو واجب المرحلة”، متحدثا عن “عمليات استنزاف خلف الخطوط”، بمعنى الابتعاد عن المواجهة المباشرة لصالح الضربات الخلفية، التي لا تحدث ضجيجا كبيرا كما تفعله الأولى.
وقد يبدو للوهلة الأولى أن حديث زعيم القاعدة “دليل قوة لا ضعف”، لكن الواقع في سوريا يقول غير ذلك، بحسب باحثين تحدث إليهم موقع “الحرة”، حيث أشاروا إلى أن “حراس الدين” (ممثل القاعدة الأم في البلاد) يمر بأصعب مراحله، وبات بين “نارين”: الأولى من الجو والثانية على الأرض.
صيد مفضل
أسبوع واحد فقط مضى على كلمة زعيم “القاعدة” لتعلن الولايات المتحدة الأميركية قتل زعيم بارز في تنظيم “حراس الدين” بالقرب من إدلب شمال غربي البلاد، عبر ضربة من طائرة بدون طيار.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، جون كيربي، الاثنين، إن التقارير الأولية أكدت استهداف الشخص المقصود، وليس هناك مؤشرات على وقوع إصابات في صفوف مدنيين.
بينما أشار “جهاديون” على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن الضربة قتلت اثنين من المسؤولين في فرع تنظيم “القاعدة” بسوريا (الحراس)، الأول هو “أبو حمزة اليمني” القائد العسكري، ومسؤولا ثانيا يدعى “أبو البراء التونسي”.
وليست المرة الأولى التي تتعرض فيها محافظة إدلب لهذا النوع من الاستهدافات من جانب الولايات المتحدة الأميركية.
ففي أكتوبر 2020، قتل عضو مجلس القيادة والشورى داخل “حراس الدين”، أبو محمد السوداني، الذي يعتبر أحد أهم وأبرز القيادات السودانية التابعة لتنظيم القاعدة.
بينما كانت الضربة الأقوى، في يونيو 2019، حيث أسفر قصف أميركي استهدف مقرا عسكريا في ريف حلب الغربي عن مقتل قاضي الحدود والتعزيرات في “الحراس”، أبو عمر التونسي، إلى جانب القيادي “أبو ذر المصري”، والقيادي “أبو يحيى الجزائري”، و”أبو دجانة التونسي”.
ووصفت تلك شخصيات بأنها “المؤثرة” ضمن فرع “القاعدة” في سوريا، الأمر الذي يثير التساؤلات عما بقي لدى التنظيم من قيادات بارزة في الوقت الحالي.
وهناك تكهنات أيضا عن تفاصيل وماهية الهيكلية الداخلية التي يمضي بها ذلك التشكيل على الأرض، لاسيما أنه يتعرض، منذ أكثر من عام، لضغوط من جانب “هيئة تحرير الشام”، التي كانت في يوم ما “حليفة وثيقة له”.
مجاميع صغيرة
عند الحديث عن تنظيم “القاعدة” في سوريا فلا يمكن اعتباره ذا صدى كبير على الأرض، كونه لا يشمل مساحة جغرافية كبيرة، بل ينحصر في بقع صغيرة بمحافظة إدلب، وتمثله تشكيلات جهادية ذات أعداد قليلة من المقاتلين، لكن بعقيدة واحدة تتبع التنظيم الأم.
لكن، ومنذ مطلع 2021، كان لافتا اتباع فرع “القاعدة” في سوريا سياسية جديدة، تتمثل بتنفيذ عمليات وهجمات خارج حدود إدلب، وهو أمر لم تتضح أهدافه حتى الآن، لاسيما أنه يطال جهة واحدة هي مواقع النظام السوري وروسيا.
وفي المقابل هناك هجمات تنفذها تشكيلات في شمال غرب سوريا قيل إنها محسوبة على “القاعدة” دون أي إعلان رسمي، تستهدف بها مواقع القوات التركية، المنتشرة على خط جغرافي طويل في الخاصرة الجنوبية لإدلب.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، عباس شريفة، أن “تنظيم حراس الدين لا يزال حتى الآن يحتفظ بمجموعات صغيرة تعمل خلف الخطوط”، وذلك على الرغم من تعرض الكثير من قياداته لاستهداف أميركي، أو خسائره على الأرض، بفعل الحملات الأمنية التي تقودها “تحرير الشام”.
ويقول شريفة في تصريحات لموقع “الحرة”: “بقي لدى حراس الدين بعض القيادات الميدانية، وأخرى تشرف كسامي العريدي وأبو همام الشامي، بالإضافة إلى أمراء تعتقلهم تحرير الشام في سجونها”.
ويضيف الباحث السوري: “لا يزال يحافظ على التواصل مع تنظيم القاعدة الأم، وله أيضا شبكة تمويل مالي مستمرة”.
من هم “الحراس”؟
تأسست جماعة “حراس الدين”، في أواخر فبراير 2018، وقبل ذلك كانت فصيلا ضمن “هيئة تحرير الشام”.
و”تحرير الشام” تحالف من جماعات إسلامية، هيمن عليها فصيل كان يعرف في السابق باسم “جبهة النصرة” التي كانت الجناح الرسمي لتنظيم القاعدة حتى عام 2016.
وبعد أن أعلن زعيم “تحرير الشام” محمد الجولاني فك ارتباطها عن القاعدة في يوليو 2016، انفصلت جماعة “حراس الدين” عنها.
فيما بعد انضمت الجماعة لتشكيل سمي باسم “غرفة عمليات وحرض المؤمنين”، لكن الأمر لم يدم طويلا، حيث بدأت “تحرير الشام” سلسلة حملات أمنية واعتقالات بحق قادة وعناصر فيها، في تطورات قرأها باحثون على أنها تندرج في سياق “حب السيطرة والاستحواذ على النفوذ الكامل”.
وفي الثالث عشر من سبتمبر الحالي ذكرت حسابات “جهادية” عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن عددا من عناصر جماعة “حراس الدين” المسجونين لدى “تحرير الشام” مضربون عن الطعام نتيجة عدم مثولهم أمام أي محاكم.
وأضافت الحسابات أن إضراب العناصر جاء نتيجة سجنهم أكثر من عام دون محاكمة أو وجود محامٍ يمثلهم حتى الآن، “وبالتالي لا توجد فرصة للإفراج عنهم”.
والمضربون هم: “أبو عبد الرحمن المكي”، “أبو بصير الديري”، المهندس “أبو حمزة الدرعاوي”، “أبو عبد الله السوري” (وهو ابن أبو فراس السوري أحد أبرز رجال القاعدة)، “أبو مصعب التركي”، خلاد الجوفي.
“لا مفاتيح.. الأفول رهن التطورات”
ويزعم التنظيم (حراس الدين) أنه شن حوالي 200 هجوم منذ إنشائه. ووقعت هذه الهجمات في مجموعة متنوعة من المناطق الريفية والبلدات الصغيرة، بما فيها 12 موقعا في محافظة حلب، و16 في محافظة حماة، و7 في محافظة إدلب، و15 في محافظة اللاذقية.
وبحسب “معهد واشنطن”، فإن ثلاثة من هذه الهجمات المزعومة على الأقل نُفذت بالاشتراك مع “هيئة تحرير الشام”، مما يشير إلى أن علاقتهما هي “صديقة-عدائية” أكثر من كونها عدائية بحتة.
من جهته يوضح الباحث، عباس شريفة أن “الحراس يمتلكون الآن قدرة على شن والتخطيط لعدة عمليات كما أشار أبو همام الشامي مؤخرا. لكنها لن تكون بالحجم الكبير”.
واعتبر شريفة أن “لا يمكن أن نقول إن نجم حراس الدين في أفول، خاصة مع محاولاته استقطاب عدد من الشباب لديه، في ظل عدم إطلاق أي عملية عسكرية من جانب الفصائل العسكرية الأخرى سواء الجهادية أو غيرها، وبالتالي يلعب على هذا الوتر في شمال غرب سوريا”.
ويختلف حديث الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية عما سبق، لكن في جانب محدود.
ويقول في تصريحات لموقع “الحرة”: “أعتقد لا يوجد أي شك أن جماعة حراس الدين تم تقريبا تحييدها والقضاء على معظم مفاتيحها”.
ومنذ انفصال الجماعة عن “تحرير الشام” بعد الخلاف الأخير كانت “الحراس” تتمتع بالقوة، بالإضافة إلى امتلاكها عددا من الرموز على صعيد الشخصيات والقادة.
وعلى مدى العامين الماضيين يشير أبو هنية: “تم قتل معظم القيادات، مثل العاروري والقسّام. بينما بقي سامي العريدي وفاروق السوري في الوقت الحالي”.
وفي 2019، صنفت وزارة الخارجية الأميركية رسميا تنظيم “حراس الدين” كمنظمة إرهابية أجنبية، وعرضت مبلغا ماليا في إطار برنامج “المكافآت من أجل العدالة” لقاء معلومات عن ثلاثة من قادتها، بينهم العريدي.
ويوضح الباحث أبو هنية أن ضربات قوات التحالف لم تنقطع على مقرات الجماعة، معتبرا: “كانوا هدفا مفضلا، وتمت تصفية عدد من القيادات الهمة ضمن صفوفهم”.
وبذات الوقت أطلقت “تحرير الشام” عدة حملات أمنية واعتقالات واسعة، واتجهت قبل أشهر قليلة إلى تنفيذ عمليات اغتيال طالت عددا من القادة، أبرزهم ساري شهاب، الملقب بـ”أبو خلاد المهندس”، حيث قتل بانفجار عبوة ناسفة في سيارته بإدلب، سبتمبر 2019.
وسبق مقتل القيادي “المهندس” بأربعة أشهر تعرض “القسام الأردني” المسؤول العسكري في “حراس الدين” لمحاولتي اغتيال، في محافظة إدلب أيضا، دون معرفة الجهة التي تقف وراء الأمر.
بضع عشرات
وليس من الواضح البقع الجغرافية التي ينشط فيها مقاتلو الجماعة بشكل رئيسي، لكن المعطيات تشير إلى أنها تنحصر ضمن مناطق متفرقة في ريف اللاذقية، شمال غربي سوريا.
ويقول أبو هنية إن عدد مقاتلي “حراس الدين” وصل في بداية التشكيل إلى ألفي مقاتل، أما الآن “بضع عشرات لا أكثر ولا أقل”.
ويضيف: “يعانون من أوضاع صعبة بين تحرير الشام من الأرض والتحالف الدولي من السماء. هم في أضعف حالاتهم الآن، لكن الأفول النهائي هو رهن التطورات”.
ولا يستبعد الباحث أبو هنية أن تتغير المعادلات التي يعيشها “حراس الدين” حاليا.
لكنه، من جانب آخر، يرى أنه “لا يوجد احتمال بالأفق حول إمكانية انبعاث القاعدة في سوريا بقوة، وفق ما يأمل مشروع القاعدة وقيادة الشام أو لجنة حطين التي يقودها سيف العدل. هناك خيبة أمل في الوقت الحالي”.
ويعتقد أبو هنية أن يتجه “حراس الدين” في ظل الظروف الحالية إلى “الحفاظ على ما تبقى لديهم”، على أن يتم الانتظار لاستغلال أي فرصة، مشيرا: “من الصعب أن نقول إنهم سيختفون، فالأمر رهن التطورات. ما الذي سيحدث في إدلب؟ وفي شمال شرق سوريا؟ وشمال غربي سوريا؟ الأمور مبكرة لكن الأكيد هم في اللحظة الأضعف حاليا”.