أولا: المشاكل التي تجابه أبنائنا:
يتعرض أبناءنا إلى العديد من المشاكل في جميع مراحل النمو، بدءاً من مرحلة الطفولة، فمرحلة المراهقة وحتى مرحلة النضوج، وطبيعي أن مرحلة المراهقة تعد أخطر تلك المراحل، ولكلا الجنسين البنين والبنات على حد سواء، حيث تحدث تطورات بيولوجية كبيرة لديهم تتطلب منا نحن المربين، آباء وأمهات ومعلمين،أن نعطي لهذه المرحلة من حياة أبنائنا أهمية قصوى، فقد تكون هذه المرحلة نقطة حاسمة في حياتهم وسلوكهم خيراً كان أم شراً، وإذا لم نعطها ذلك الاهتمام المطلوب، والملاحظة والرعاية المستمرة فقد يؤدي بالكثير من أبنائنا إلى الانحراف، ولاسيما في ظل مجتمع غربي يختلف كل الاختلاف عن مجتمعاتنا التي نشأنا فيها والعادات والتقاليد التي تربينا عليها.
لكني لا يمكنني القول أن كل ما تربينا عليه من عادات وتقاليد هي صحيحة تصلح لأجيالنا الناهضة، وليس كل العادات والسلوكيات في المجتمع الغربي كذلك، ففي كلا المجتمعين هناك الجيد وهناك الرديء من هذه العادات والسلوكيات، وإن من واجبنا كمربين أن نعمل على تفاعل هذه العادات والسلوكيات في المجتمعات الغربية بشكل يمكن أبنائنا من اكتساب كل ما هو خير ومفيد، وبالمقابل بتقديم ما ينفع أبناء هذه المجتمعات من القيم الأصيلة، وتحذير الأبناء من تلك العادات والسلوكيات الضارة شرط أن يكون ذلك بأسلوب تربوي بعيد كل البعد عن أساليب العنف والقمع، وينبغي أن نُشعر أبناءنا في مرحلتي المراهقة والنضوج أن العلاقات التي تربطنا وإياهم هي ليست علاقة أب وأم بأبنائهم فقط، بل علاقة أخٍ كبير بأخيه الصغير، أوعلاقة أخت كبيرة بأختها الصغيرة ،الذين يحتاجون إلى تجاربهم في الحياة، وأن نكون حذرين من محاولة فرض أسلوب الحياة التي تربينا عليه قسراً على أبنائنا، فقد خلق الأبناء لزمان غير زماننا، ولاسيما أنهم يعيشون في مجتمع يختلف كل الاختلاف عن مجتمعنا مما يجعل الأبناء يعيشون حالة من التناقض بين مجتمعهم الصغير[ البيت] ومجتمعهم الكبير، ولاسيما انهم يقضون أغلب أوقاتهم خارج البيت، ولذلك نجد الكثير من الآباء والأمهات يعانون الكثير في تربية أبنائهم، ويحارون في مجابهة المشاكل التي يتعرضون لها، وكيفية التعامل معها، ولكي نتفهم طبيعة المشاكل التي تجابه أبنائنا كي يسهل علينا حلها والتغلب عليها فإننا يمكن أن نحددها في ثلاثة أقسام رئيسية :
أولاً : المشاكل والاضطرابات السلوكية .
ثانياً :المشاكل والاضطرابات الشخصية .
ثالثاً : مشاكل التأخر الدراسي .
وسأحاول فيما يلي أن أوضح كلاً منها بشيء من التفصيل، مستعرضاً لأنواعها ودوافعها، والأساليب التربوية التي تمكننا من التغلب عليها، وحماية أجيالنا الصاعدة من الانزلاق إلى الانحرافات السلوكية التي تهدد مستقبلهم، وتهدد سلامة المجتمع الذي يعيشون في ظله، ولاسيما وأنهم سيكونون هم صانعي المستقبل ورجاله، وعليهم يتوقف تطوره ورقيه وسعادته.
العوامل المسببة لمشاكل أبنائنا:
أن العوامل المسببة لمشاكل أبنائنا السلوكية والشخصية والتأخر الدراسي يمكن إجمالها بما يأتي :
1 ـ عوامل عقلية .
2 ـ عوامل نفسية .
3 ـ عوامل اجتماعية .
4 ـ عوامل جسمية .
5 ـ عوامل اقتصادية .
وسأقدم هنا تفسيراً مختصراً لكل من هذه العوامل كي تعيننا على فهم تلك المشاكل وسبل معالجتها
أولاً ـ العوامل العقلية
تلعب هذه العوامل دوراً هاماً في كثير من المشاكل ، وأخص منها بالذكر مشكلة التأخر الدراسي ، فمن المعلوم أن أكثر أسباب التأخر الدراسي هو مستوى النمو العقلي ، والقدرة على الفهم والاستيعاب، والذي يختلف من شخص إلى آخر ، فقد يكون التخلف العقلي [بسيطاً ]، وقد يكون [متوسطاً ]، وقد يكون[ شديداً ]، وفي أقسى الحالات يكون [حاداً] . وهذا التخلف ناجم عن ظروف معينة سأتعرض لها فيما بعد عندما أتحدث عن مشاكل التأخر الدراسي .
أما ما يخص المشاكل السلوكية لدى أبنائنا فلا شك أن هناك جملة من العوامل التي تسببها وأخص بالذكر أهم تلك المسببات والتي يمكن حصرها بما يلي: (1)
1 – التربية الأسرية.
2 – البيئة التي يعيش فيها الأطفال والمراهقين .
3 ـ العوامل الوراثية.
إن هذه العوامل تؤثر تأثيراً بالغاً على سلوكهم، كما أن النضوج العقلي يلعب دوراً هاما في هذا السلوك، مما سأوضحه عند بحث تلك المشاكل بالتفصيل من فيما بعد.
ثانياً ـ العوامل النفسية:
ونستطيع أن نوجز أهم العوامل النفسية التي تلعب دوراً هاماً في حياة أبنائنا وتسبب لهم العديد من المشاكل هي ما يلي :
1 ـ الشـعور بالخـوف.
2 ـ ضعف الثقة بالنفس.
ولابدَّ أن نقف على ما تعنيه هذه العوامل بالنظر لتأثيرها الخطير على سلوك الناشئة.
1 ـ الشـعور بالخـوف :
وهو حالة انفعالية داخلية وطبيعية موجودة لدى كل إنسان، يسلك خلالها سلوكاً يبعده عن مصادر الأذى. فعندما نقف على سطح عمارة من دون سياج، نجد أنفسنا ونحن نبتعد عن حافة السطح شعوراً منا بالخوف من السقوط ، وعندما نسمع ونحن نسير في طريق ما صوت إطلاق الرصاص فإننا نسرع إلى الاحتماء في مكان أمين خوفاً من الإصابة والموت، وهكذا فالخوف طريقة وقائية تقي الإنسان من المخاطر، وهذا هو شعور فطري لدى الإنسان هام وضروري.
غير أن الخوف ذاته قد يكون غير طبيعي [ مرضي ] وضار جداً، وهو يرتبط بشيء معين، بصورة لا تتناسب مع حقيقة هذا الشيء في الواقع [ أي أن الخوف يرتبط بشيء غير مخيف في طبيعته] ويدوم ذلك لفترة زمنية طويلة مسببا تجنب الطفل للشيء المخيف مما يعرضه لسوء التكيف الذي ينعكس بوضوح على سلوكه في صورة قصور وإحجام، وقد يرتبط هذا الخوف بأي شيء واقعي، أو حدث تخيلي، كأن يخاف الطفل من المدرسة، أو الامتحانات ،أو الخطأ أمام الآخرين، أو المناسبات الاجتماعية، أو الطبيب والممرضة، أو من فقدان أحد الوالدين أو كلاهما، أو الظلام أو الرعد والبرق، أو الأشباح والعفاريت، وقد يصاحب الخوف لديهم نوبات من الهلع الحاد، ويتمثل ذلك في [سرعة دقات القلب] و[سرعة التنفس]و[الدوار أو الغثيان] و[التعّرق الشديد] و[تكرار التبول والهزال] و[عدم السيطرة على النفس]، وكل هذا قد يحدث فجأة وبشدة ،وبدون سابق إنذار. (2) وقد يسبب الخوف لأبنائنا مشاكل وخصالاً خطيرة معطلة لنموهم الطبيعي تسبب لهم الضرر الكبير والتي يمكن أن نلخصها بما يلي:
2 ـ التهتهة
3 ـ عدم الجرأة.
4 ـ الحركات العصبية غير الطبيعية.
5 ـ القلق والنوم المضطرب.
6 ـ التبول اللاإرادي.
7 ـ الجـبن .
8 ـ الحساسية الزائدة.
9 ـ الخـجل.
10 ـ التشاؤم.
وفي هذه الأحوال علينا نحن المربين أباء وأمهات ومعلمين أن نقوم بدورنا المطلوب لمعالجة هذه الظواهر لدى أبنائنا، وعدم التأخر في معالجتها، كي لا تتأصل لديهم، وبالتالي تصبح معالجتها أمراً عسيراً، ويكون لها تأثيراً سيئاً جداً على شخصيتهم وسلوكهم. وعلىومستقبلهم.
إن مما يثير الخوف في نفوس أبنائنا هو خوف الكبار، فعندما يرى الصغير أباه أو أمه أو معلمه يخافون من أمر ما فإنه يشعر تلقائياً بهذا الخوف، فلو فرضنا على سبيل المثال أن أفعى قد ظهرت في فناء المدرسة أو البيت واضطرب المعلم أو الأب وركض خائفاً منها فإن من الطبيعي أن نجد الأطفال يضطربون، ويهربون رعباً وفزعاً، مما يركّز في نفوسهم الخوف لأتفه الأسباب. ومما يثير الخوف أيضاً في نفوس الأطفال الحرص والقلق الشديد الذي يبديه الكبارعليهم، فعندما يتعرض الطفل لأبسط الحوادث التي تقع له، كأن يسقط على الأرض مثلاً، فليس جديراً بنا أن نضطرب ونبدي علامات القلق عليهم. إن علينا أن نكون هادئين في تصرفنا، رافعين لمعنوياته، ومخففين من اثر السقوط عليه، وإفهامه أنه بطل وشجاع وقوي …الخ، حيث أن لهذه الكلمات تأثير نفسي كبير على شخصية الطفل. كما أن النزاع والخصام بين الأباء والأمهات في البيت أمام الأبناء يخلق الخوف عندهم ويسبب لهم الاضطراب العصبيوهناك الكثير من الآباء والأمهات والمعلمين يلجاؤن إلى التخويف كأسلوب لتربية الأبناء وهم يدّعون أنهم قد تمكنوا من أن يجعلوا سلوكهم ينتظم ويتحسن.
غير أن الحقيقة التي ينبغي أن لا تغيب عن بالهم هي أن هذا السلوك ليس حقيقياً أولاً، وليس تلقائياً وذاتياً ثانياً، وهو بالتالي لن يدوم أبداً. إن هذه الأساليب التي يلجأ إليها الكثير من الأباء والأمهات والمعلمين تؤدي إلى إحدى نتيجتين اللتين تتعارض مع ما نهدف إليه وهما:ـ
1 ـ عدم إقلاع الأبناء عن فعل معين رغم تخويفه بعقاب ما، ثم لا يوقع ذلك العقاب فعند ذلك يحس الأبناء بضعف المعلم أو الأب أو الأم، وبالتالي يضعف تأثيرهم بنظر الأبناء. أما إذا لجأ المربي إلى العقاب فعلاً، وهو أسلوب خاطئ ومرفوض بكل تأكيد، فإن الطفل حتى وإن توقف عن ذلك السلوك فإن هذا التوقف لن يكون دائمياً أبداً، ولابد أن يزول بزوال المؤثر [ العقاب ]،لأن هذا التوقف جاء ليس عن طريق القناعة، بل بطريقة قسرية.
2ـ إن خضوع الأبناء يخلق فيهم حالة من الانكماش تجعلهم مشلولي النشاط ، وجبناء، ذلك أن الخضوع ومن دون قناعة يجعلهم ضعيفي الشخصية، وكلتا النتيجتين تعودان بالضرر البليغ عليهم.
كيف نزيل الخوف عند الأبناء؟ .
إن باستطاعتنا أن نعمل على إزالة اثر الخوف غير الطبيعي لدى أبنائنا باتباعنا ما يأتي:
1ـ منع الاستثارة للخوف، وذلك بالابتعاد عن كل ما من شأنه أن يسبب الخوف عندهم .
2ـ توضيح المخاوف الغريبة لدى الأطفال، وتقريبها من إدراكهم ، وربطها بأمور سارة، فالطفل الذي يخاف القطة مثلاً يمكننا أن ندعه يربيها في البيت.