الجمعة, نوفمبر 29, 2024
Homeاراءقراءة في كتاب ( السبايا _دراسة إجتماعية ميدانية للإيزيديات المختطفات العائدات...

قراءة في كتاب ( السبايا _دراسة إجتماعية ميدانية للإيزيديات المختطفات العائدات من العراق _للباحثة :رنا جاسم الشمري : الدكتور باقر الكرباسي

تعاطف العراقيون مع المأساة التي تعرض لها الإيزيديون عندما اقترف برابرة العصر (داعش) جريمتهم النكراء ضدهم، فسلبوا ونهبوا ودمروا كل ماهو جميل في المناطق التي احتلوها، وبعد النصر الذي تحقق على أيدي العراقيين وطرد هذه الفئة المجرمة إلى خارج البلد وعودة بعض الناجيات الإيزيديات من الإختطاف وحديثهن عن الجرائم التي ارتكبت بحقهن وماتحدثت به نادية مرادفي كلمتها وهي تتسلم جائزة نوبل للسلام، وماكتبه الباحثون والصحافيون عن هذه المأساة التي تعرض لها هذا المكون المسالم في العراق، فمن ضمن ماكتب عن مأساة الإيزيديات المختطفات كتاب أهدتني إياه الباحثة الطامحة رنا جاسم الشمري _ونحن في مؤتمر معرفي أقيم في جامعة دهوك بالتعاون مع مؤسسة الذكوات للآداب والفنون _عنوانه (السبايا دراسة إجتماعية ميدانية للإيزيديات المختطفات العائدات في العراق)، وقد قرأت قبل أيام تحقيقا كتبه الصحافي جبار بجاي في صحيفة المدى العراقية يقول فيه :(يقول ميسر الأداني :إن الإيزيديين في العراق مازالوا يتشبثون بالحياة ويأملون بمستقبل أفضل، وهم جزء من التنوع المجتمعي العراقي الجميل، ولايمكن أن نغادر عراقيتنا رغم الظروف التي مررنا بها وضياع وفقدان كثير من حقوقنا وبالرغم من الإختطاف (السبي) التي كلفتنا كثيرا)، ويقول أيضا :(المأساة التي تعرض لها الإيزيديون في سنجار لاتزال مستمرة فهناك ٣٤٠ ألف إيزيدي يعيشون في المخيمات منذ سنة ٢٠١٤ ويتعرضون لشتى الظروف، لكننا نسعى لإعادة الثقة بأنفسهم ورفع التأثير السلبي الذي وقع عليهم خاصة ممن وقعوا في قبضة داعش وتم تحريرهم).

كتاب الباحثة رنا الشمري يتألف من مقدمة وثمانية فصول ب ٣٣٦ صفحة وطبع على نفقة مكتب السيد نيجيرفان برزاني سلسلة رقم ٢ بطبعته الأولى ٢٠١٩، وهو رسالة ماجستير في علم الإجتماع، تقول الباحثة في مقدمة الكتاب :(إن ظاهرة العنف ضد المرأة ليست من الظواهر الحديثة، وإنما هي متلازمة مع الحياة البشرية، ولكنها تأخذ أشكالا وإهتماما مختلفا حسب الفترات الزمنية المتباينة، ومن أشكال العنف ضد المرأة مايقع خلال فترات الحروب والنزاعات المسلحة حيث تتعرض النساء لأنواع مختلفة من العنف، وقد يأتي ذلك بدوافع الإذلال والإنتقام أو لإخضاع الطرف الآخر، ولأن المرأة هي الحلقة الأضعف في الصراع، فتقع ضحية نتيجة لتلك الصراعات ومايترتب عليها من آثار إجتماعية ونفسية واقتصادية) ص١٣، وتستمر الباحثة في مقدمتها قائلة :(لقد تعرض المجتمع العراقي عبر العقود الماضية إلى العديد من الحروب والأزمات المجتمعية التي ساهمت بشكل كبير في تهديد البنية الإجتماعية العراقية، وتفاقمت تلك الأزمات خلال السنوات الأخيرة في منتصف سنة ٢٠١٤ وخاصة بعد سيطرة عصابات داعش الإرهابية على عدد من المدن العراقية ومنها مدينة (سنجار)، وقدنجم عن ذلك تأثير واضح وخطير على مسيرة الحياة الإجتماعية للمجتمع الإيزيدي، ومن خلال الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي طالت شرائح المكون الإيزيدي كافة، وتمثلت هذه الإنتهاكات بالقتل والخطف والإغتصاب والاستعباد الجنسي والأسلمة القسرية والتشريد والنزوح وغيرها من المؤثرات الإجتماعية والنفسية التي تعد معوقا خطيرا أمام هذا المجتمع) ص١٣، قسمت الباحثة دراستها على ثمانية فصول، ففي الفصل الأول درست الإطار العام للدراسة وهو معمول به في الدراسات التربوية والإجتماعية :مشكلة الدراسة وأهمية الدراسة ومن ثم أهدافها كل ذلك كان في المبحث الأول، أما المبحث الثاني فكان المفاهيم والمصطلحات العلمية فقد تحدثت عن السبي والعائدات والإختطاف لغة وإصطلاحا وهو فعل حسن لكي يتعرف القارئ معنى تلك المصطلحات، وفي الفصل الثاني من الدراسة تحدثت الباحثة عن الدراسات السابقة والمقاربات النظرية للدراسة وما كتب عن الموضوع وحوله، فقد ذكرت نماذج من الدراسات العراقية الأولى في سنة ٢٠١٥ والثانية في سنة ٢٠١٦، واستعرضت أيضا نماذج من الدراسات العربية والأجنبية، وكان المبحث الثاني المقاربات النظرية المفسرة للدراسة، وتوقفت عند هذا المبحث كي استوضح ماتعنيه الباحثة فتقول :(إعتمدت على مقاربات نظرية تستند إلى :نظرية الدين والإرهاب، والتنظير السوسيولوجي للهوية الإجتماعية، ونظرية السيطرة الإجتماعية، والإبادة الجماعية والتطهير العرقي) ص٤٥_٥٩، وهو مبحث غني بالمعلومات المفيدة من حيث التواريخ المهمة والمراجع التي اعتمدت عليها صاحبة الدراسة، وكان (الإيزيديون :الأصول والعقائد والبناء الإجتماعي) هو عنوان الفصل الثالث من الدراسة، فقد تحدثت الباحثة فيه عن الديانة الإيزيدية وأصولها التاريخية إذ تقف عند إشكاليتين رئيستين هما :إشكالية التسمية وإشكالية الإنتماء القومي، وتؤكد هنا في الإشكالية الأولى بأن لايوجد دليل تاريخي بانتسابهم إلى يزيدبن معاوية، كما اعتقد آخرون أن تسميتهم استمدت من إسم عشيرتهم الأصلية (إيزيدي) الذي عرف أيام الأمويين إلى (اليزيدية) للإحتماء بيزيد بن معاوية، وتعلق الباحثة على هذا الرأي فتقول :(هذا الرأي لايقف على أرضية صلدة لأن اليزيدية (الإيزيدية) هي ديانة ومعتقد وليست عشيرة، إذن مسألة بناء الإعتقاد على تسمية اليزيدية نسبة إلى يزيد تفتقر إلى الربط المنطقي والساق التاريخي) ص٦٥، وتحدثت أيضا في هذا المبحث عن أصل الديانة الإيزيدية وأركانها وفرائضها وكتبها المقدسة وطقوسها الدينية من صوم ودعاء وحج ومحرمات والممنوعات ومعبد لالش والأعياد والمناسبات الدينية ص٨٦، وفي المبحث الثاني تذكر الباحثة المعتقدات في الديانة الإيزيدية فتبدأ بالكون والخليقة والتوحيد ووحدة الوجود والملائكة السبعة وطاووس ملك وعقيدة التناسخ، وجاء المبحث الثالث عن التوزيع السكاني والبناء الإجتماعي للإيزيدية وعملت جدولا بذلك، وأما البناء الطبقي في المجتمع الإيزيدي فقد قسمته إلى :طبقة الشيوخ وطبقة البيرة وطبقة المريد بعدها انتقلت إلى الوظائف والمراتب الدينية الإيزيدية وقسمت :الأمير والبيشيام والبابا الشيخ وشيخ الوزير والبابا كافان والفقير والقوال والكوجك والكرافة، وتحدثت أيضا عن المرأة الإيزيدية في المجتمع قائلة :(ومع أن للمرأة الدور الفاعل والمهم في الحياة الإجتماعية الإيزيدية إلا أن دورها الإجتماعي والديني بقي تحت السلطة الذكورية إسوة بقيم وأعراف المجتمع الذي كانت تحكمه الأعراف القبلية وسطوة الرجال بشكل حديدي ضمن تلك الفترة) ص١٠٧، وأعتقد أن الفصل الرابع هو من أهم فصول الدراسة وعنوانه (السبي عبر التاريخ ومواقف الحضارات والديانات منه) إذ تحدثت فيه الباحثة في المبحث الأول عن مظاهر الرق والسبي في بعض الحضارات والديانات فقد بدأت بالسبي من شريعة حمورابي ومن ثم الآشوريين والبابليين بعدها عند الرومان واليونان ومصر القديمة وعند الصينيين ومن ثم العرب قبل ظهور الإسلام، بعدها انتقلت إلى مظاهر الرق والسبي في بعض الديانات، الديانة الهندوسية ومن ثم اليهودية وبعدها المسيحية وأفردت للمبحث الثاني موضوعا خاصا هو السبي في الإسلام وماجاء في القرآن والسنة النبوية، أما الفصل الخامس من الدراسة فقد خصصته الباحثة عن الإجراءات العلمية والمنهجية التي اعتمدتها في دراستها وهو المبحث الأول، فبدأت بنوع الدراسة ومناهجها وقسمته إلى منهج المسح الإجتماعي ومنهج دراسة الحالة وفرضيات الدراسة، وفي المبحث الثاني درست المجالات والعينات ووسائل البيانات، إذ حددت أولا مجالات البحث وجاء تصميم العينة الإجتماعية ثانيا وثالثا كان تصميم الإستبانة وأدوات جمع البيانات ومن ثم تبويب البيانات الإحصائية، وفي الفصل السادس عرضت الباحثة نتائج دراستها وتحليلها موضحة في المبحث الأول البيانات الأولية وفق جداول عملتها الباحثة، وكانت موفقة فيها إلى حد كبير من حيث العمر والحالة الإجتماعية وعددالاطفال والمهنة والتحصيل الدراسي والحالة المعيشية ومدة الإختطاف، وفي المبحث الثاني ووفق إستبانة وجداول أيضا درست الآثار المترتبة عن الأسر فبدأت بالسبايا والآثار الإجتماعية وطموحاتهن بعد التحرر وآليات حماية الناجيات الإيزيديات ودور المجتمع المدني كعلاجهن خارج البلد وكذلك المؤسسات الداعمة للسبايا وتقديم المساعدات والمؤسسات الدينية الساندة للسبايا وعملت جدولا لنوع المساعدات، وفي الفصل السابع تحدثت الباحثة عن عرض دراسات الحالة ونتائجها فتقول في التمهيد لهذا الفصل :(حاولت الباحثة في هذا الفصل عرض نماذج من حالات النساء الإيزيديات الناجيات من الإختطاف، وقد استندت إلى الإستماع المباشر _وجها لوجه _ للمقيمات في مخيمات دهوك وعددهن أربع ناجيات موزعات بين المخيمات) ص٢٣١، وفي الفصل الأخير من الدراسة حددت الباحثة نتائج دراستها ومناقشة الفرضيات والإستنتاجات والتوصيات، فكان المبحث الأول :نتائج الدراسة ومنها النتائج المتعلقة بالبيانات الثانوية للبحث الميداني، السبايا والقضايا الإجتماعية ومحور السبايا والمشكلات النفسية ومحور السبايا والإندماج الإجتماعي والسبايا والمجتمع المدني، وناقشت في المبحث الثاني فرضيات الدراسة حسب جداول مهمة عملتها الباحثة، أما التوصيات والمقترحات كان عنوان المبحث الثالث.

وعند قراءتي لمصادر الدراسة ومراجعها سررت كثيرا لإعتمادها مصادر ومراجع مهمة أعطت لدراستها رصانة وقوة، إضافة إلى المعاجم والقواميس والموسوعات وكتب التراث والفقه والتفسير والرسائل والأطاريح والبحوث العلمية ومن ثم القوانين والتقارير والوثائق الدولية والمحلية وكذلك المجلات والمواقع الألكترونية والمقابلات الشخصية، وخيرا سعدت ايما سعادة وأنا أقرأ هذه الدراسة الغنية بالمعلومات وفق منهج إجتماعي رصين، أبارك للباحثة  على هذه الدراسة القيمة.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular