لم يعد خافيا على أحد بأن نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية يواجه أوضاعا غير عادية ويمر بواحدة من أکثر المراحل حساسية وخطورة منذ تأسيسه ولاسيما وإن دوره وعلى مختلف الاصعدة لم يعد فعالا ومٶثرا کما کان خلال الاعوام السابقة، وهو أمر يمکن ملاحظته ويتم التطرق إليه بصورة ملفتة للنظر من جانب المراقبين السياسيين. وهذه الاوضاع ليست بسبب من العقوبات الامريکية بدفعتيها، بل إن هناك أمور أخرى لايمکن تجاهلها والتغاضي عنها من حيث تأثيرها على هذا النظام.
ملف العقوبات الامريکية ومع کونها قد وجهت ضربة إستثنائية للنظام، ولکن هناك ثلاثة ملفات أخرى لايمکن إغفال دورها وتأثيرها في دفع الاوضاع في إيران نحو المرحلة الحالية، وهذه الملفات هي البرنامج النووي والتدخلات في المنطقة والاحتجاجات الشعبية المتواصلة وکل واحدة من هذه الملفات کان لها دورها وتأثيرها الخاص على النظام من نواح مختلفة.
البرنامج النووي الذي صرف النظام الايراني مبالغ طائلة والذي وصل الى طريق مسدود بعد أن تم الکشف عن جوانب سرية منه من قبل المعارضة الايرانية وصار سببا لفرض الحصار والعقوبات على إيران وکان الهدف منه دعم تدخلاته في المنطقة وإسنادها بالاسلحة الذرية، ترکت آثارا بالغة السلبية على الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب الايراني الذي کان يواجه في نفس الوقت ممارسات قمعية وهو ماجعله يضيق ذرعا بهذه الاوضاع ويتحرك ضد النظام.
الاحتجاجات الشعبية التي أخذت سياقا غير عاديا منذ عام 2017 وإتخذت طابعا منظما ذو صبغة سياسية واضحة بعد 28 ديسمبر/کانون الاول2017، وصلت من حيث التأثير على النظام الى حد إن القادة والمسٶولين الايرانيين أکدوا وبصورة ملفتة للنظر عن إحتمال سقوط النظام في حال إندلاع الانتفاضة وهو هاجس لايزالون لحد الان يتحدثون عنه، أما التدخلات في بلدان المنطقة، فيکفي القول بأنها ومنذ عام2011، قد کلفت طهران قرابة 150 مليار دولار، وهذه التدخلات قد إصطدمت برفض شعبي من جانب شعوب ودول المنطقة مثلما إنها أثارت غيض وحنق الشعب الايراني الى حد ترديده لشعارات تندد بصراحة بالغة بهذه التدخلات وتطالب بإنهائها الى جانب إن هذه التدخلات قد أدت بالاضافة للخسائر المادية الجسيمة والفادحة الى خسائر روحية لم يکن بوسع السلطات الايرانية إخفائها.
من هنا فإن العقوبات الامريکية لم تکن لوحدها المٶثرة على النظام الايراني فقط بل إنها وجدت أرضية مناسبة ومهيأة لها بفضل الملفات الثلاثة التي تحدثنا عنها، ولاريب من إن التداخل بين هذه الملفات ستقود إيران شاءت أم أبت نحو عهد جديد.