اليوم ٢٦-٩-٢٠٢١ تغادر السيدة Angela Merkel، أو ما تسمی عند البعض بـ”المرأة الحديدية”، المولودة عام ١٩٥٤ في مدينة هامبورغ، التي حظيت بإهتمام سياسي بارز خلال أحداث العقود التاريخية الثلاثة الماضية والتي حکمت لمدة کمستشارة لألمانيا مايقارب ١٦ سنة علی رأس أكبر اقتصاد أوروبي منصبها بهدوء، تارکة بصمة مؤثرة في السياسة الداخلية و الخارجية للبلاد.
هذه المرأة الصعبة المراس و الكتومة علی نحو غير معتاد حاصلة علی شهادة الدكتوراه في الفيزياء و ستة عشرة دکتوراه فخرية من جامعات مشهورة في العالم امتازت بذكاء و دینامیكية وإنخرطت دوماً في صناعة الواقع و قامم بتواظب بخلق وقائع تخرق الحدود المرسومة والشروط الموضوعة و كسرت القوالب الجامدة والنماذج المستهلكة، التي تشل طاقة الفكر على ابتكار الحلول بصورة غير مسبوقة.
بدأت نجمة هذه السياسية الأهم في العالم تتصاعد عام ١٩٨٩بعد هدم جدار برلين الذي كان الحد الفاصل بين دولة المانيا المقسمة الی الشرقية الإشتراكية والغربية الرأسمالية وكان عمرها آنداك ٣٥ عاماً.
انضمت ميركل عام ١٩٨٩ لـ”حزب نهضة الديمقراطية” بالألمانيةDemokratischer Aufbruch وبعد أول انتخابات حرة جرت في المانیا الشرقية أصبحت هي المتحدثة باسم الحكومة المنتخبة تحت رئاسة لوثر دي ميزيير.
أما بعد الوحدة الألمانية فانضمت ميركل بسرعة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي يشدد في مقدمة قانونه الأساسي على أنه حزب ديمقراطي ليبرالي ومحافظ يلتزم بقيم عصر التنوير الأوروبي والذي ترأسها منذ عام ٢٠٠٠ لتصبح بعد ذلك أول سيدة و بروتستانتیة ترأس حزب مٶسس عام ١٩٤٥ من الكاثوليك بهدف تجميع قواهم المسيحية الخارجة من أتون الحرب العالمية الثانية في كیان واحد، الحزب الذي طالما اشتهر بكونه عالماً للذكور و للعلم أشغلت ميركل منذ عام ٢٠٠٥ الی هذا اليوم منصب المستشارة في بلاد الشعراء الفلاسفة أمثال “يوهان فولفغانغ فون غوته” (١٧٤٩-١٨٣٢) و “يوهان كريستوف فريدريش فون شيلر” (١٧٥٩-١٨٠٥).
خلال 16 عاماً من عملها كمستشارة لألمانيا ساهمت ميرکل في تنامي الدور الألماني في العالم و واجهت تحديات عالمية كبيرة وهي القائلة بأنه “لا يمكن اعتبار أي شيء بديهياً. حرياتنا الفردية ليست أمراً بديهياً ولا يمكن اعتبار الديمقراطية أمراً بديهياً ولا السلام ولا الازدهار”.
حققت ميرکل أشياء عظيمة و کانت تعلم بأن المانيا لها مصالح عالمية، من جهة، لكن المانيا أصغر من أن تحقق الأشياء بمفردها، ومن جهة أخری فإنه ونظراً لحجمها ودورها في أوروبا، فإنه محكوم عليها بتولى دور القيادة. وقد کانت میرکل دائماً معنية بالحفاظ على الموجود بالدرجة الأولى.
اللحظات العظيمة لميركل جاءت بشكل أساسي خلال مواقف الأزمات التي مرت بها المانيا والعالم، وكان هناك عدد كبير منها في فترة مستشاريتها الطويلة. لم تكن أبداً متحدثة تثير الحماس. لكن خلال الأزمات، ظهر لدى ميركل “مزيجاً من البراغماتية والحزم وقوة الشخصية”.
على مدى أربع ولايات ترأست فيها ميرکل حكومات ائتلافية رائدة، دافعت من خلالها عن الاعتدال وعن رؤية عالمية مبنية علی التعاون لا المواجهة، لكنها تعرضت لهجوم من القوميين في جميع أنحاء العالم. لقد أعطی وجود ميركل في المنصب مدة طويلة استقرارا لألمانيا ولأوروبا في الوقت ذاته، وقد شهدت تلك الفترة أزماتٍ اقتصادية في دول الجنوب الأوروبي، والخروج البريطاني من الاتحاد، لکنها مارست قيادة هادئة ومتعقلة، وراكدة أحياناً، بالحفاظ على ما تحقق، ومحاولة تعزيزه وترسيخه أطول فترة ممكنة.
ختاما تقول آنجیلا میرکل: “نحتاج إلى الصمت لنتمكن التحدث بذكاء، ففي مواجهة الحائط بالرأس سوف يکون الحائط دوماً هو الفائز. فالديمقراطية ليست دائمًا مسألة اتخاذ قرارات منعزلة؛ إنها عادة مسألة تكوين رأي بمشارکة الآخرين”.
نتمنی لمنطقة الشرق الأوسط التي تعیش منذ عقود الحروب المزمنة واللاإستقرار الكثير من السياسيين ورؤساء للحكومات أمثال آنجيلا ميركل و نأمل لهذه المرأة الحديدية دوام الصحة والعافية في حياة بعيدة عن السياسة و صخبها.
الدکتور سامان سوراني