العالم لا يستمع إلا للأقوياء!؟
بدر أبو نجم
إعلامي في الجبهة الديمقراطية
لتحرير فلسطين
■ العبارة المفتاحية التي تضمنها خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، هي تلك التي وضعت إسرائيل والمجتمع الدولي أمام مهلة زمنية، سقفها عام واحد، تنتهي إما بجلاء الاحتلال الإسرائيلي عن أراضي دولة فلسطين وإما بسحب الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل، بما يعنيه ذلك من نهاية لالتزامات أوسلو، ومجابهة شاملة مع الاحتلال. وإذا أريد لهذه العبارة أن تتحول إلى برنامج عمل فعلي، وأن تنظر إليها إسرائيل والمجتمع الدولي باعتبارها إنذارا جديا، وليس مجرد تكرار لتهديد سابق، فان خطوات ملموسة ينبغي الإقدام عليها فورا من أجل استنهاض عناصر القوة الفلسطينية وإعداد مقومات المواجهة الشاملة.
أولى هذه الخطوات دعوة الأمناء العامين إلى استئناف اجتماعهم برئاسة الرئيس محمود عباس من أجل حوار وطني شامل جاد يقوم على أساس قرارات الإجماع الوطني ، وفي المقدمة منها قرارات الدورة الأخيرة للمجلس الوطني ، والاجتماع القيادي في 19/5/2020 واجتماع الأمناء العامين في 3/9/2020 ، وتنبثق عنه حكومة وحدة وطنية، تتبنى برنامج الإجماع الوطني ،وعقد جلسة شاملة للمجلس المركزي( بصفته مخولا بصلاحيات المجلس الوطني) ، تشارك فيها حماس والجهاد الإسلامي كفصائل معتمدة في م.ت.ف، وتنبثق عنها لجنة تنفيذية يتمثل فيها الجميع، والدعوة إلى انتخابات شاملة للتشريعي والرئاسة والمجلس الوطني خلال سته شهور، يعاد على أساسها ترتيب البيت الداخلي وفقا لإرادة الشعب، وبلورة استراتيجية وطنية كفاحية بديلة لمسار أوسلو، تنهض بالمقاومة الشعبية إلى مستوى الانتفاضة الشاملة والعصيان الوطني حتى رحيل الاحتلال.
ليست هذه المرة الأولى التي يتوجه فيها الرئيس عباس إلى المجتمع الدولي عبر الجمعية العامة، ليتحمل مسؤولياته في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ولكن هذه النداءات كانت تذهب هباء منثوراً في ظل سياسة تغييب عناصر القوة لدى الشعب الفلسطيني، وفي ظل سياسات ساهمت في تبديد هذه العناصر، وتمكين الاحتلال من تعزيز قبضته على الأرض والشعب والإمعان في تغوّله وشراسته.
إن إلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، والتضييق على الحريات الديمقراطية والمراهنة على تسهيلات الاقتصادية تهدف إلى تجميل صورة الاحتلال، وتزيد من التبعية له بدلا من وقف التنسيق الأمني والتحرر من بروتوكول باريس الاقتصادي، ليس من شأنها سوى أن تضع المزيد من العراقيل في طريق المسيرة الوطنية.
إن الوضع الفلسطيني المشتت القائم، لا تنفع معه الخطابات دون الاستناد إلى عوامل القوة، فالعمل السياسي والدبلوماسي غير كافِ، إذا لم يكن مرتكزا على أرض صلبة، وعلى ميدان الصراع اليومي مع الاحتلال وإجراءاته وسياساته، وتغيير ميزان القوى عبر المقاومة، وهذا لن يتحقق إلا باستعادة الوحدة الوطنية، الشرط الرئيسي لتفعيل الاشتباك اليومي مع الاحتلال وسياساته.
إن الشعب الفلسطيني قد أثبت، المرة تلو الأخرى، استعداده الكفاحي العالي ضد الاحتلال، وآخرها في معركة القدس وما رافقها من معركة «سيف القدس»، وهبة الإسناد والتضامن الأخيرة مع الأسرى، والمواجهة مع الاستيطان والاحتلال في أكثر من موقع، وأبزرها وأشدها في بلدة ” بيتا” البطلة، وبالتالي فلقد بات مطلوباً التخلص من وهم التعلّق بالإدارة الأمريكية والرباعية، أو المراهنة على إجراءات بناء الثقة الزائفة مع حكومة الاحتلال، التي عبرت دوما عن موقفها بأن لا مفاوضات ولا دولة فلسطينية ولا وقف للاستيطان.
بهذا فقط تكون القيادة الفلسطينية على قدر توقعات شعبها، وتستطيع أن تخاطب العالم من موقع قوة، وعندها فقط سيستمع العالم لها.