كثُر الحديث وساد اللغط هذه الأيام حول مؤتمر عقد في مدينة أربيل في أقليم كردستان العراق بعنوان مؤتمر السلام والإسترداد يوم 22 أيلول 2021 بقصد التطبيع مع إسرائيل. ولا أدري ما المقصود بالإستراد؟ إلا إذا كان القصد منه تعويض إسرائيل عن الحقوق السابقة بضمنها حقوق يهود خيبر التي قدّرها الإسرائيليون ب 300 مليار دولار.
إن هذه الدعوة للتطبيع تذكرني بحادثة حدثت معي أثناء عملي الدبلوماسي. في شباط 2013 عينت الأمم المتحدة 4 خبراء لزيارة العراق، فقدموا جوازاتهم إلى ممثلية العراق في جنيف، وكنت حينها اشغل منصب نائب السفير، دققت الجوازات فكانت 3 منها سليمة لا مشكلة قانونية فيها، أما الرابع فكان لبريطاني زار إسرائيل عدة مرات وعاد منها قبل شهر. فقلت له انه لا يمكن منحك الموافقة لزيارة العراق وعند دخولك سيحاسبك ضابط الجوازات ولن يسمح لك بالدخول. ولم تمضِ سوى دقائق حتى استدعاني السفير محمد علي الحكيم وهو أمريكي من أصل عراقي ومن جذور فارسية دخل العراق برفقة الحاكم الأمريكي بول بريمر في 2003 والذي أصبح فيما بعد وزيراً للخارجية لمدة سنة واحدة وأقاله ثوار تشرين عام 2019 فغادر العراق إلى الولايات المتحدة من حيث جاء، وسألني ما مشكلتك مع أحد الخبراء؟ فقلت: ليست مشكلتي ولا تصورها كذلك، بل هي مشكلته مع دولة العراق التي ترفض منح سمة الدخول لمن زار إسرائيل؟ فقال بعيداً عن زيارة إسرائيل، هل لديك مشكلة أخرى معه؟ قلت لا، أبداً، ولا اعرفه أصلا، ولم أراه يوما في الأمم المتحدة. فقال حسنا، وسكت، وانتهى اللقاء.
بعد أسبوع زار الممثلية وفد من إقليم كردستان وكان من بينهم ديندار زيباري ابن عم هوشيار زيباري ونائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية لإقليم كردستان وما زال وهي أشبه بوزارة الخارجية، وزارني في مكتبي لمعرفتي به عندما كان طالبا للقانون وكنت آنذاك مدرساً للقانون في جامعة دهوك. ودار الحديث عن الأمم المتحدة وقلت له أني لم أوافق على زيارة خبير منهم للعراق لأنه زار إسرائيل عدة مرات. فقال ديندار بصوت عالٍ وبفرح: انه دخل أربيل والان يتمشى هناك، وزار العراق، فأستغربت وقلت: كيف ذلك؟ فقال: نحن الأكراد أعطيناه سمة دخول العراق، ولا مشكلة لدينا مع إسرائيل. فدخلت على السفير وأبلغته الخبر، فوجدته على علم وهو موافق وراض ٍعن ذلك، مالم يكن هو قد نسّق الموضوع مع الإقليم.
وقد أفصح الحكيم لاحقاً عن مغزى صمته هذا صراحة عندما أصبح وزيراً للخارجية، فصرّح -دون الرجوع إلى السلطة التشريعية التي ترسم السياسة الخارجية العامة- في كانون الثاني 2019 بأن العراق يعترف بحل الدولتين (إسرائيل وفلسطين) فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية (https://youtu.be/JVwq8j9Ohpo)
بعد هذا الحادث الدبلوماسي الخائن للعراق، شعرت إن الجميع مثل قوم لوط، كلها تمارس الفساد في الخلف، وإن حالي مثل حال النبي لوط الذي يسير على الوحيد الذي لا يريد ممارسته ولا يوافق عليه، ولم يجد حلاً أمامه سوى الخروج من بلد الفسق لينالهم الإنتقام الإلهي. وهذا ما جرى.
هذه شهادتي للتاريخ.
د. رياض السندي / مستشار سابق في وزارة الخارجية العراقية
25 أيلول 2021