السبت, نوفمبر 30, 2024
Homeمقالاتإلى أين تتجه خلافات بوتين وأردوغان:د. محمود عباس

إلى أين تتجه خلافات بوتين وأردوغان:د. محمود عباس

 

 

أصبحت الخلافات بين روسيا وتركيا، أعمق مما هي بين روسيا وأمريكا، وهي تتجاوز المناطق الساخنة في الشرق الأوسط، لكن القضية السورية تظل إحدى أهم نقاطها، علماً أن بعض التسريبات تبين أن التكنولوجيا الحربية أخذ مجالاً من الحوار، وعدم تلبية روسيا لمطالبها، أدت إلى ديمومة الخلافات. فبوتين يدرك ما تطمح إليه تركيا، ويعمل على ألا يبلغها، وهي سوية المنافسة، أو المقارنة، مثلما بلغها في مسيرة تطوير الدرونات الإسرائيلية؛ والتي أصبحت طائراتها هذه إحدى أفضلها عالميا، ففي الحالتين، الحظر أو التمادي التركي قد يبطئ من علاقاتهما العسكرية والاقتصادية والتجارية.

ولكن ما يهمنا هنا ليست التكنولوجيا العسكرية؛ وما طلبته أو بلغته تركيا من التطور في هذا المجال، بل ما قد تضمنه حوارهما حول القضية السورية، بمفاصلها وكلية جغرافيتها، ومن بينها إشكاليات التعامل مع الإدارة الذاتية، ومجريات الأحداث في إدلب؛ والتي تبين على أن الحل العسكري للأخيرة لا زال يفرض ذاته على السياسي، بعكس القضية السورية وقادمها والتي قد تحل سياسيا بين روسيا وأمريكا فيما لو تطلبت مصالحهما، وعلى الأرجح ستكون بدون الحضور التركي والإيراني، اللذين بإمكان روسيا أن تقنعهما أو تعقد معهما صفقات بالمقابل.

أو عن طريق الضغط على إيران من خلال مسيرة المفاعل النووية، كأن تباطئ في عملية تخصيب اليورانيوم، بحيث تتأثر حواراتها مع أمريكا، أو تهددها بتبيان مواقعها ضمن سوريا ولبنان لإسرائيل.

ومع تركيا قد يكون ضمان منع الهجرة من إدلب إليها، عامل ترضية مهمة، وذلك مع ما يروج على أنه هناك اتصالات سرية بين تركيا ونظام الأسد تجري عن طريق مصر.

فالهجرة من الإشكاليات التي تقلق حزب العدالة والتنمية كثيرا أمام الشعب التركي والمعارضة، إلى درجة لا يهمها التطبيع مع الأسد فيما لو تم حل مشكلة المهاجرين السوريين، الموجودين في تركيا أو المتوقعة حدوثها في حال التخلي عن المعارضة في إدلب. كما وأن المعادلة التجارية بينهما، قد تكون عاملا آخر من عوامل الضغط، فتركيا تصدر إلى روسيا بضائع جلها زراعية لا تزيد عن مليار ونصف دولار، مقابل ما تصدره روسيا والتي تبلغ قرابة 6 مليار دولار، إلى جانب صفقة الصواريخ س-400 والمتطورة منها، والتي تحتاجها تركيا كعامل ضغط على الناتو وأمريكا قبل أن تكون ركيزة أساسية لسلاحها الدفاعي. ومثله الحفاظ على سعر الغاز الذي يسال عن طريق المشروع الضخم الذي جرى مده تحت مياه البحر الأسود، وغيرها من الأساليب المتوقعة أن تستخدمها روسيا مع الدولتين الحليفتين لها، فيما لو تطلبت مصالحها الاتفاق مع أمريكا.

الخلافات ما بين روسيا وتركيا لم تخمد، فعند دراسة خلفيات مهاجمة الإعلام الروسي مؤخراً، على أردوغان وسياسة تركيا الأخيرة، وخاصة المتحدثة باسم الحكومة، وحزب بوتين، ومن بينها جريدة برافدا، ونيزافيسميا غازيتا، وبعض الأقنية التابعة له، وفتحهم لملفات الصراع التاريخي ما بين روسيا وتركيا، خاصة بعد تصريحات أردوغان الأخيرة في اجتماعات الأمم المتحدة، قبل أيام، وشكوكه بمصداقية الريفراندوم الذي تم لضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ومطالبته إعادتها لأوكرانيا. إلى جانب مقارنة علاقاتهما، ما بين السنوات المنصرمة والشهور الأخير، المتجهة من الإيجابية إلى السلبية، مع إصرار تركيا الحصول على التكنولوجيا العسكرية، تبين مدى عمق الخلافات بينهما، والتي يتوقع المراقبون وخاصة المحللون الروس، على أنه لا حلول مرضية في الأفق القريب، بالنسبة لسوريا، ليس فقط على قضية إدلب، بل وعلى قادم سوريا ومعارضتها، إلى جانب القضايا الأخرى الأكثر أهمية، المنوهة إليها، والعالقة بينهما.

ففي الحوار الذي جرى في سوتشي بتاريخ 28/9/2021م بين بوتين وأردوغان، لا يستبعد رغم الخلافات، أن يكونوا قد عقدوا صفقات وتنازلات سياسية متبادلة فيما بينهم، كأن تتراجع تركيا عن موقفها حول القرم، مقابل وضع حل لمواطني منطقة إدلب، والمعارضة السورية العسكرية، وكيفية الضغط على أمريكا للتخلي عن قوات قسد، ومن ثم قادم منطقة الإدارة الذاتية.

ولربما حدث بينهم تفاهم في البعد الأمريكي، بعكس ما قد يكون حول قادم المنطقة الكوردية وقسد والحراك الكوردي بشكل عام، خاصة وأن لروسيا موقف مسبق من هذه المعادلة، حتى قبل أن يستلم أو يسلم ملفها إلى أمريكا في عام 2014م مقابل تسليم ملف سوريا لها من قبل إدارة أوباما في العام اللاحق أي عام 2015م، لكن حديث وزير الخارجية السوري غير المباشر، واتهام الحراك وإنكار القضية الكوردية، من على منصة هيئة الأمم، الذي أنصب لصالح مطامع تركيا وتلاقى مع تهجم أردوغان من على المنصة ذاتها بحق الكورد تحت غطاء قسد أو الحزب الحاكم على الإدارة الذاتية، وهو ما حث وزير خارجية مصر والأردن بالاجتماع مع وزير خارجية النظام، بحضور سفيرها في الأمم المتحدة، سابقة ستؤثر على مصالح روسيا مع الحضور الكوردي ضمن المعادلة السورية، يستفيد منه تركيا، وعلى الأرجح ستعمق الخلاف بينهما بقدر ما سيؤدي إلى تفاهم بين روسيا وأمريكا.

المشكوك من حوارهم، هو قادم المعارضة السورية، والتي لربما سيكون الموقف التركي متشددا في هذا البعد ليس حبا بالمعارضة السورية، بل رهبة من عدم مصداقية السلطة السورية وقدرة روسيا على تحجيم الهجرة نحو الأراضي التركية، والتي ستنجم عن سقوط إدلب بيد النظام المجرم، والهجرة قد تكون مليونيه، حينها ستخلق كارثة سياسية لقادم حزب العدالة والتنمية. ولهذا ربما ظل أردوغان مصراً على موقفه من قضية شبه جزيرة القرم، والحق الأوكراني فيها، وهذه الإشكالية أيضاً ستعمق الخلافات بينهما.

علما أن تخلي أردوغان عن المعارضة السورية العسكرية، وإسكات السياسية، الائتلاف وتوابعه، وشل حركتهم ليست بإشكالية صعبة، لكنه لن يقدم عليها، بدون ضمانة روسية، فكما نعلم أن قضية المهاجرون السوريون من أحد أسباب تراجع شعبية حزبه، وتصاعد دور معارضيه.

أغلب المراقبون السياسيون، يلاحظون أن العلاقات الروسية التركية، بدأت بالجمود، إن لم يكن بالتراجع، في البعد السياسي والدبلوماسي على الأقل، مقارنة بما بلغته حتى قبل سنة وأقل، فبعدما كانوا يخططون لرفع القيمة التجارية بينهما من 10 مليار دولار إلى قرابة 30 مليار دولار في عام 2030م، وتوسيع العلاقات العسكرية إلى سويات إستراتيجية في الصناعات الدفاعية، وخاصة في المجال الجوي، وتدريب قرابة عشرة آلاف مختص، للعمل في المفاعل النووية التي تبنيها روسيا، خرجا من الاجتماع بدون أي تصريح إيجابي حول قادم علاقاتهما. ليس فقط لم يكن هناك لقاء صحفي، بل لم يصدر منهما ولا من مكاتبهما الإعلامية أي تصريح حول مجريات اللقاء، وهي تدل على بعدين:

1-     إما أنه تم تنازل أحد الأطراف للأخر على حساب أدواتهم، وعلى الأغلب ستكون مصير المعارضة السورية العسكرية في إدلب قبل السياسية كالإتلاف على المحك، وقد فعلها أردوغان مع المعارضة المصرية قبل شهور، عند الاتفاق مع السيسي، فتم حظر جميع نشاطات إخوان المسلمين المصريين، الإعلامية، والسياسية، والمالية، وبها شلت حركتهم. ولا يستبعد أن يكرر السيناريو مع المعارضة السورية، في حال حصول تركيا على التكنولوجيا العسكرية، ومنها أسرار طائرة سوخوي 75 وس-400 المتطورة، واطمئنان أردوغان على أن روسيا ستتكفل بحماية الملايين الثلاثة المجتمعين في منطقة إدلب، وحلا للقوى المعارضة العسكرية فيها.

2-    أو أن الخلافات أصبحت أعمق من أن يتم حلها بسهولة، والاجتماع فضي بدبلوماسية على وعد بالعودة إليه مستقبلا، وأن الحلول حول القضايا العالقة تحتاج إلى مسيرة طويلة، وهنا ستلجأ تركيا إلى الحنكة السياسية والتلاعب الدبلوماسي، إما أنها ستتنازل لأمريكا والناتو؟ وستتراجع عن صفقة س-400 ونستبعد هذه الأخيرة، رغم أن إشكالية الدعم الأمريكي للإدارة الذاتية والـ ب ي د وقوات قسد، وربما القضية الكوردية في قادم سوريا، وتصاعد دور المعارضة الداخلية تقلق أردوغان وحزب العدالة والتنمية، أو إنه سيواجه القضايا بمعادلة مرور الزمن، قبل التنازل لأحد القوتين الكبريين، علما أن لتركيا خبرة في هذا المجال، وهي الأن بلغت مرحلة عدم تقبل إملاءات القوتين، كما وهي لا تزال تملك بعض الأدوات الممكنة استخدامها، مثلما تملكها إيران في مواجهة أمريكا ضمن جغرافية الشرق الأوسط. لكن مصالحها، رغم كل ذلك، لن تمنعها من التنازل لروسيا قبل أمريكا، لكن مصالح الدول الكبرى والتي هي فوق كل القيم والعلاقات الإنسانية، ستدفعهما للعمل ربما معاً، لوضع حد لتجاوزات تركيا وإيران وطموحاتهما في الشرق الاوسط، وهو ما يؤشر على أنه من الصعب عودة العلاقات ما بين الجارتين إلى سابق عهدهما، حتى ولو استمرت الاتفاقيات الماضية.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

29/9/2021م

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular