منح قانون الانتخاب الجديد في العراق مساحة أوسع للمرشح المستقل في الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، على عكس الدورات الأربع السابقة التي أعطت مرشحي الأحزاب والكتل فرصا أكبر، وذلك بعد أن انحصر القانون الجديد على المحلية والمناطقية أكثر بتقسيم المحافظة الواحدة إلى عدّة دوائر انتخابية بدل دائرة واحدة فقط.
وبوجود هذه الميزة، لجأت بعض الأحزاب والكتل السياسية -وتحديدا القابضة على السلطة منذ عام 2003 مع تراجع شعبيتها، لاتهامها بالفساد وإهدار المال العام والارتهان لأجندات خارجية- إلى ترشيح بعض الشخصيات بخلفيات عشائرية ودينية وثقافية وسياسية وشبابية متعدّدة تحت غطاء “المرشح المستقل”، لمواجهة المرشحين المنبثقين عن ساحات الاحتجاجات الشعبية، بظهور تيارات جديدة بعد ثورة أكتوبر/تشرين الأول 2019.
مئات المرشحين المستقلين
ووفقا لمؤشرات رسمية وشبه رسمية، سيُشارك في هذه الانتخابات 789 مرشحا مستقلا، مشكلين ما نسبته 24% من مجموع 3249 مرشحا، متفوقين بذلك على أعداد المرشحين المستقلين في انتخابات الدورات الأربع الماضية.
ويتوزع المرشحون في هذه الانتخابات على 21 تحالفا، تضم 58 حزبا، مع بلوغ العدد الكلي للأحزاب المشاركة نحو 160 حزبا. في وقتٍ يبلغ فيه عدد الذين يحق لهم المشاركة والتصويت في الانتخابات 24 مليونا و29 ألفا و927 شخصا.
وخلال الأشهر الماضية، أعلن كثير من المرشحين المستقلّين انسحابهم من التنافس الانتخابي إثر تهديدات بالقتل والتصفية الجسدية تلقوها من مصادر مجهولة، وتحديدًا في المناطق التي شهدت احتجاجات جماهيرية غاضبة خلال العامين الماضيين.
آلية الترشح الجديدة
ويكون الترشيح فرديا وفق قانون الانتخابات الجديد رقم 9 لسنة 2020 البند ثانيا من المادة 15، لذلك لا يشترط عدد معين من النساء في المرشحين الأفراد، غير أنه يشترط أن يكون ترشيح النساء ضمن القوائم بما لا يقل عن 25%.
ويبلغ عدد الدوائر الانتخابية في عموم البلاد 83 دائرة، بوجود أكثر من دائرة في المحافظة الواحدة، بعد أن كانت كل محافظة دائرة واحدة، وحُدد من قبل مجلس النواب بالاعتماد على نسبة 25%، وهي الحد الأدنى لحصة النساء من مقاعد البرلمان، بما يضمن مقعدا واحدا للنساء.
ويعدّ نظام الصوت الواحد غير المتحوّل (الذي يمنع تحوّل الصوت إلى القائمة كما كان يحصل في النظام النسبي السابق) نظام انتخابي معمول به في هذه الدورة الانتخابية، ويستخدم في الدوائر الانتخابية التي تمتلك أكثر من مقعد واحد -حسب ما تقوله نبراس أبو سودة مساعدة المتحدث باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للجزيرة نت- إذ يقوم الناخب بمنح صوت واحد لمرشح واحد ضمن الدائرة الانتخابية، ثم يتم ملء المقاعد بالمرشحين الذين حصلوا على أعلى عدد من الأصوات.
شكوك
ومع ذلك، لم يخل مصطلح “المرشح المستقل” من أن يحمل في باطنه انتماء لأحزاب السلطة التي تحاول زيادة عدد مقاعدها في الانتخابات القادمة والتضييق على مناصري الاحتجاجات الشعبية.
المحلل السياسي أحمد الخضر رجح عجز أحزاب السلطة في العراق عن زيادة عدد مقاعدها في الانتخابات القادمة، وهو ما يجعلها تلجأ لأساليب جديدة لخداع الناخب العراقي. وأوّل هذه الأساليب تأسيس قوائم جديدة لم يسبق لها أن دخلت الانتخابات.
وثاني هذه الأساليب -كما يقول الخضر للجزيرة نت- الإتيان بمرشحين يكونون في الظاهر مستقلين، ولكنهم في الخفاء مرتبطون بها، وهذا يعني أن هذه الأحزاب ستحصل بالطريقتين المذكورتين على عدد مريح من المقاعد، مع وجود فرصة حقيقية للتغيير النسبي في قانون انتخابات جديد على عكس ما كان سابقا.
ورغم وجود أعداد كبيرة من المرشحين المستقلين، فإن الخضر يقرّ بصعوبة فوزهم مع وجود المال السياسي والسلطة بيد منافسيهم، لكنه في النهاية يرى أن فوز النائب المستقل هو من مهمة الجمهور أيضا الذي يُطالب دائما بنواب مستقلين عن الأحزاب والجهات السياسية التي مسكت السلطة بعد 2003 وفشلت في توفير الخدمات والتعليم والكهرباء وغيرها.
تحالف ما بعد الفوز
وخلافا لرأي الخضر، يقول النائب في البرلمان والمرشح الكردي المستقل عن محافظة السليمانية في إقليم كردستان غالب محمد إن الأحزاب الكبيرة منشغلة حاليا بتضخيم مرشحيها وبصراعاتها ومشاكلها الداخلية وتراجع شعبيتها بعيدا عن المرشحين المستقلين الذين سيفوزون بأصواتهم الحقيقية، وأما أحزاب السلطة فلها مرشحوها الذين تسعى لفوزهم بشتى الطرق.
وعن احتمالية أن يُشكل المرشحون المستقلون الفائزون كتلة نيابية بعد فوزهم، يرى محمد في حديثه للجزيرة نت أن المستقلين الفائزين سيُشكل جزء منهم كتلة أو تحالفا سياسيا داخل مجلس النواب لمواجهة الأحزاب الكبيرة بالتحالف مع الأحزاب الصغيرة غير المتهمة بالفساد وإهدار المال العام.
وتعزيزا لرأي محمد، يُمكن أن يصبح اصطفاف النواب المستقلين الفائزين داخل قبة البرلمان للاتفاق حول جملة من القضايا المهمة سواء على مستوى التشريع أو المتابعة والرقابة النيابية؛ أكبر من قوّة الكتل الكبيرة التي أثبتت فشلها خلال السنوات السابقة، وذلك حسب المرشح المستقل عن الدائرة الخامسة في العاصمة بغداد حمزة الجواهري.
ويرى الجواهري أن المزاج العام لدى الشعب العراقي تغيّر كثيرًا بعد احتجاجات أكتوبر تشرين الأول لصالح المرشحين المستقلين من المهنيين والأكاديميين وغيرهما، بعد معرفة الوجه الحقيقي للأحزاب القابضة على السلطة منذ عام 2003.
ويُشيد المرشح المستقل في حديثه للجزيرة نت بقانون الانتخاب الجديد الذي حصر مساحة الترشح في دائرة صغيرة، ليُسهل للمرشح الكثير من الأمور، أبرزها الأموال التي كان يفتقدها المرشحون في الأغلب سابقا.
المصدر : الجزيرة