|
الاصدار من أتحاد الأدباء والكتاب في ميسان الكتاب ( من جنى الذائقة / حكايات من وحي نصوص مختارة ) للكاتب والباحث الاستاذ لطيف عبد سالم . تمثل مبادرة رائعة في استنطاق واستبطان روح القصيدة وحكايتها التي تملك خلفية عميقة في ولادة النص الشعري من رحم الواقع الاجتماعي , الذي يحمل ثنائية النص وحكايته من رحم الأحداث الجارية من الواقع الفعلي , أي أن مخيلة الشعرية اعتمدت على ارضية الحكاية في الدلالة والمعنى . بمعنى تسليط الضوء على حدث الحكاية واستنطاقه في الصياغة الشعرية .لكل قصيدة ولدت من رحم الحدث الواقعي الذي خلقها . لذلك اختار الكاتب والباحث الاستاذ لطيف عبد سالم لذائقته الإبداعية الرفيعة في الأدب والبحث والنقد , أن يختار حوالي 40 قصيدة , لها خلفية حدثية وفعلية , بمعنى لكل قصيدة ولدت من حدث معين حدث بشكل فعلي في مجريات الواقع الاجتماعي. وكل قصيدة تملك مناخات وطقوس خاصة بها . وساهم شعور وإحساس الشاعر بتدوين واقعية الحدث , أن يخلق نص شعري مرتبط بخلفية الحدث أو الحكاية وفي استنباط روحيتها شعرياً من الواقع للحكاية , لكي يخلق منها رؤى ورؤيا الفكرية والتعبيرية , في تسجيل الوقائع شعرياً . وهي محملة بالحزن والمعاناة , تدفع القارئ الى التعاطف روحياً وعاطفياً للنص الشعري وأصل حكايته . هذه الدلالة الروحية الواعية بالذائقة الشعرية والادبية في اختيار النصوص الشعرية من وحي حكاياتها المرتبطة بالنسيج الذاتي والعام , لأنها ولدت من مخاض الواقع الاجتماعي وتداعياته المتفجرة . التي تدل على عسف الواقع الجاف والجامد . ,كل نص شعري يستحق وقفة تأمل وتفكير , وسأختار بعض النصوص وحكايتها :
1 – قصيدة الشاعر أحمد العاشور وحكاياتها :
تتحدث عن واقعة حدثت فعلاً للاعلامي والفني ( احمد وائل البكري ) وأدت الى مقتله . فبعدما أنهى عمله الاعلامي خرج من مؤسسته الاعلامية قاصداً بيته ذات مساء من عام 2005 . صادف في طريقه رتل عسكري أمريكي , فخفف السرعة واتخذ جانب الطريق , لكي يفسح المجال لمرور الرتل العسكري . لكن الرتل بكل غطرسة عدوانية أمطره بخمسة عشر رصاصة نخلت جسمه , وارتدى ثوب الشهادة . صديقه الشاعر أحمد العاشور قام بالواجب في مراسيم الوفاة . وفي لحظة بارقة تفجرت من رحم الحادثة المؤسفة هذه القصيدة :
× قصيدة : وارتدى ثوبك الاسى / الى الشهيد أحمد وائل البكري مخرج برنامج بيادر خير .
سربٌ من العصافير يحطُّ
وسربٌ من العصافير يمضي
يحملُ خمس عشرة رصاصةً
على أجنحته ,
يقرأُ عليكَ سورة الفاتحة
كنتَ على موعدٍ ,
تَرقبُك الحبيبة
واطفالٌ يتسمرون عند الباب ,
يرقبونَ الهدايا
ويرقبونَ الابتساماتِ ,
لكنَّ القبلاتِ صارت من دون شفاهٍ
كنتَ على أشتياقٍ
خمس عشرة سنبلةً
لتحترقَ الأرحامُ
بأسرها ,
وتتوشح الجراحُ مآذنَ
ونواقيس للصلاة ,
فتمضي بغفلةٍ
في وضح النزفِ
ونحن نيامٌ
2 – قصيدة الشاعر حامد عبدالحسين وحكايتها :
جراح الماضي العميقة , تبقى حية تستفز الذاكرة , ولايمكن ان تغيب عن الذاكرة والتاريخ ,ومنها مجزرة حلبجة المروعة التي ارتكبها النظام الوحشي الساقط , في استهداف مدينة حلبجة بالهجوم الغاز الكيمياوي . جراء هذه الابادة الانسانية سقط أكثر من خمسة آلاف كردي عراقي , اكثرهم من الاطفال والنساء , كان حديث الشجون عن هذه المجزرة الرهيبة , حديث في علقم مرارة الذكرى الفاجعة بين الشاعر وصديقه الشاعر شينوار أبراهيم . ففجر الحديث الشجن هذه القصيدة بعنوان : حلبجة ….. البحث عن الانسان .
× أيها الحزن …. رويداً
فما تزال هناك أرواح تهفو
الى تلك القرى النائيات
للناس الذين تركوا أجسادهم للعراء
تلتقط أنفاسهم الغرقى
ما بين لحظات تنتقل الذاكرة المفجوعة
بالظمأ …
الى ( حلبجة ) ,
العنوان الذي يغرني : البحث عن الانسان
الذي طبعته فينا تلكم الوجوه …….
بلدي ….. الذي مات من كثرة سياط الجلادين
ولم يبق منه إلا رمق بقاء
الجلادون ….. لغة من الغباء المدججة
بسخرية القدر …..
3 – قصيدة الشاعر دريد الشاروط وحكايتها :
الصورة التي ظهرت في الإعلام المرئي الداخلي والخارجي . استفزت الضمير العالمي بوحشيتها وغطرستها المفرطة العنف والاذلال , بما شهدته انتفاضة تشرين في ساحة التحرير , من عنف دموي مفرط في الوحشية الدموية الفاشية , لم يشهد له مثيلاً تبقى وصمة عار في جبين نظام الحكم الطائفي , الصورة المأساوية التي ظهرت , أب طاعن في السن يحمل صورة أبنه الشهيد الذي سقط مع مئات الشهداء خلال الانتفاضة الشبابية , رفع الصورة في وجه القوى الامنية , عسى ان يحترموا كبر سنه الطاعن وأبنه الشهيد , ليوقفوا عنفهم المفرط بالوحشية , لكن الاجهزة الامنية بدلاً من ان تحترم هذا المشهد الانساني العاطفي , فتحت عليه بقوة الماء الحار , فلم يتحمل جسمه النحيل فسقط على الارض , لكنه ظل يقاوم رفع صورة أبنه الشهيد في وجه هؤلاء المفرطين بالوحشية , كما هزت الصورة مشاعر الضمير الانساني الحي العالمي , أيضاً هزت مشاعر الشاعر فولدت هذه القصيدة من الحادثة المأساوية , فكان عنوان القصيدة : رصاص الماء .
× جذوره ألف طينٍ
رأسه علمٌ
وتحت نعليه يا هذا
هوت قمم
جنائز الأرض
من شيباته هدمت
كل الكهوف
فهل يثنيه ما هدموا ؟
أحلامه من خريف
غصنه عطش
شراعه بعض أكفان
صداه فمُ
تاريخه الدمع
من فانوس حسرته
قد يهلك الله
أكواناً وينتقمُ
رضيعه
ما تبقى منه
يقذفه
صوب السماوات
كي لا يدعوه همُ
حرفه….
ظل يستسقي بها همما
ما كان يفقه معنى الماء
سوطهمُ
4 – قصيدة الشاعر يحيى السماوي وحكايتها :
غادر الشاعر يحيى السماوي مدينته السماوة في مغتربه القسري , الذي طال أكثر من ربع قرن نتيجة سوط الإرهاب المرعب من النظام الساقط . وحين رجع الى العراق زائراً توجه الى مدينته القديمة السماوة , التي رحل عنها قسراً , لكن حبها بالشوق والحنين يكبر في صدره . حل في مدينة المولد والبهجة تعلو وجهه , وتفقد أزقتها واحيائها , واسترجع فيها ذكرياته القديمة , وذات مساء جمعته الطاولة في صلة فندق ( قصر الغدير ) مع صديقه الشاعر قاسم والي , وتناول أطراف الحديث عن الوطن والغربة . وحين خرج من صالة الفندق متوجهاً الى بيته مشياً على الأقدام ,وعرج على بداية نهر الفرات ,وعرج على بداية الشارع الذي يحمل أسم ( شارع الشاعر يحيى السماوي ) . أيقظت احاسيه وهو يتطلع نحو زورق قديم ومهجور على الشاطئ , فاعتلى سطحه وتخيل انه يبحر به الى مملكة سومر , وقدحت في ذهنه هذه القصيدة بعنوان : هبوط إينانا .
×
لـم تـعـدْ فـي الـعـالـمِ الــعــلــويِّ إيــنـانـا ..
هـيَ الان مـعـي تـمـشـي عـلـى الأرضِ ..
مـعـي تـزرعُ ورداً ..
ومـعـي تـجـتـثُّ أشــواكـاً ..
مـعـي تـغـفـو وتـصـحـو ..
وتُـسـاقـيـنـي كـؤوسَ الــسَّــمَــرِ
*
ومـعـي تــقــطــفُ تُـفّـاحـاً وريـحـانـاً
وتــســقـي شَــجـري
*
خُـضــرةً مُــشــمِــســةَ الـفـيءِ ..
وأصـنـافَ قـطـوفٍ ..
ومـعـي تـرعـى ظِـبـاءَ الـفِـكَـرِ
*
ومـعـي تـحـرثُ بـالأضـلاعِ صـخـراً
قـبـلَ مـيـعـادِ هـطـولِ الـمـطـرِ
× الكتاب : من جنى الذائقة / حكايات من وحي نصوص مختارة
× المؤلف : لطيف عبد سالم
× النشر : أتحاد الأدباء والكتاب في ميسان
× الطبعة : عام 2021
× عدد الصفحات : 232 صفحة
جمعة عبدالله