في عام 1975 وبسبب من سياسات النظام الديكتاتوري المقبور للاستحواذ على ساحة العمل السياسي والجماهيري، اضطرت المنظمات الديمقراطية العراقية، ومنها اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي (أشدع) التى اتخاذ قرار خاطيء بتجميد نشاطها وعملها، فكان من تداعيات ذلك ان احتلت مواقعها في المحافل الدولية منظمات النظام الديكتاتوري، وبعد معاودة المنظمات الديمقراطية العراقية لنشاطها عام 1978 ، اقتضى الكثير من العمل والنشاط من اجل العودة للمحافل الدولية. في عام 1996 وللفترة 10 ــ 15 كانون الاول، وفي بودابست، العاصمة الهنغارية، نظم مركز الشباب الاوربي ومركز الشمال ـ الجنوب التابع للمجلس الاوربي وبالتنسيق مع اتحاد الشباب العربي (مؤتمر حوار الشباب العربي ــ الاوربي ) وتحت شعار(من اجل التفاهم والتعاون) وبحضور مئتي مندوب يمثلون اكثر من اربعين منظمة حكومية وغير حكومية . في تلك الفترة كنت شخصيا انشط مع مجلس الشباب الفنلندي، واشارك في مشروع لأصدار مجلة للاطفال باللغة العربية والفنلندية، فتم ترشيحي لأكون عضوا في الوفد الفنلندي الذي سيساهم في مؤتمر الحوار في بودابست. اجريت اتصالات سريعة فعرفت انه لم توجه دعوة لـ (اشدع) بل وجهت الدعوة لمنظمة اتحاد الشباب الصدامي، علما ان ممثل (أشدع) لدى اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي (وفدي) وهو الزميل ثائر صالح محل اقامته في بودابست، لكن لم يتم التنسيق معه اوحتى اشعاره من قبل المنظمات المعنية، وهذا لم يكن بعيدا عن سياسة الموالاة للنظام الديكتاتوري عند البعض من قيادات اتحاد الشباب العربي. شريكتي في الوفد الفنلندي السيدة “ريكا يالونين” كانت شابة ذات أفق يساري متفتح، كنا اعددنا انفسنا بورقتي عمل فنلندية للحديث عن مجتمع متعدد الثقافات ودور منظمات الشبيبة في النضال ضد البطالة وانتشار المخدرات بين الشبيبة الفنلندية والاوربية، في الطائرة في طريقنا الى بودابست فاتحت زميلتي بأن مهمة الوفد الاساسية ستكون من مسؤليتها لكون هناك تنتظرني مهمة اخرى. ولهذه المهمة التي رأيت انها الاهم، هيأت نفسي بشكل جيد، فقد حصلت على تخويل كامل للتحرك والنشاط بأسم اللجنة التنفيذية لاشدع واتفقت مع الزميل ثائر صالح لنعمل بكفائة عالية خلال ايام المؤتمر، وبالرغم من انهم لم يسمحوا له بحضور جلسات المؤتمر، فقد عملنا كفريق واحد، من داخل وخارج المؤتمر، وكان عونا مهما في التخفيف عني من ثقل التمثيل المزدوج الذي وجدت نفسي فيه، وقد ساهم بشكل حيوي في اعداد الوثائق وطباعتها وتكثيرها وتوفير المعلومات الملحة، وعملنا بتفان لنجاح مهمة تمثيل اشدع وايصال صوت الشبيبة الديمقراطية العراقية الى المشاركين في المؤتمر. في اليوم الاول للوصول علمنا ان وفد النظام الصدامي سيصل في اليوم الثاني، فتحركنا بين منظمي المؤتمر، للتنبيه الى احتمالات الصدام التي يمكن ان تحصل، لاسيما وان ثمة تجارب بذلك، وايضا ابلغنا الوفود الشقيقة والصديقة التي ابدت دعمها وتضامنها الكامل. وطالبنا بتسجيل اسم اشدع كمدعو للمساهمة في المؤتمر، لكن دعوتنا اصطدمت بتعنت من قيادة اتحاد الشباب العربي، الذين تبجحوا بأن العراق يمثله اتحاد االشباب الصدامي. في اليوم التالي علمنا بان المنظمة الشبابية الصدامية اعتذرت فتحركنا فورا لاستغلال ذلك لاجل شغل مقعد العراق، وكان موقف سكرتير اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي السيد أوليفيير ميير (من فرنسا) مشرّفا ونبيلا ، وقد انتقل في اليوم الثالث ليقيم معي في غرفتي في اشارة تضامنية واضحة. كانت المحاور الاساسية في المؤتمر عن الديمقراطية وبناء الثقة وتضمن موضوعات عن دور المؤسسات الشبابية في بناء الثقة ودور الاعلام والديمقراطية في العلاقات الدولية والوقاية من الصراعات.
والمحور الاخر كان حول البعاد الانسانية وتضمن موضعات عن التنمية والحقالئق الاقتصادية وعن الشباب والعمل والبطالة والهجرة والتهميش الاجتماعي والعنصرية ووعن التعليم وحقوق الانسان. في وثائق المؤتمر وجلساته، تردد كثيرا مصطلح “بناء الثقة” وهو يقود مباشرة لقضية العلاقات العربية الاسرائلية ، وكانت اطراف اوربية ومنظمات عديدة، حاولت ان تحول المؤتمر الى حوار اوربي ـ شرق اوسطي لاجل اشراك اسرائيل بشكل مباشر، رغم انها لم تكن ممثلة رسميا، لكن مندوبي اسرائيل حضروا ضمن قوام اربع منظمات اوربية وعملوا كفريق عمل واحد، وهكذا في اليوم الثاني حين عارضني احد اعضاء وفد عربي حكومي باني تحدثت عن العراق اكثر مما تحدثت عن فنلندا، وفي سجال ساخن، اخبرته بان من انشط الوفود في المؤتمر هو الوفد الاسرائيلي وهو غير ممثل رسميا وكان عليه الاعتراض على ذلك بدلا من محاولة حرماني من عكس حقائق واقع الشبيبة في العراقي، وقد لاقى موقفه استهجان المنظمات الشبابية غير الحكومية، التي بادرنا الى دعوتها لاجتماع خاص من اجل تنسيق المواقف وكان من نتيجة ذلك اختيار اشدع منسقا وناطقا باسم المنظمات غير الحكومية خلال المؤتمر. ورغم التعارض الذي برز مع قادة الوفد الليبي الا اننا نجحنا في اقناعهم بعقد جلسة خاصة على هامش المؤتمر عن الحصار الاقتصادي شارك فيها بحماس وفد الشبيبة الكوبية، وكنا مع الزميل ثائر صالح اعددنا نداءا من اجل رفع الحصار الاقتصادي عن الشعب العراقي يدعو الامم المتحدة والاتحاد الاوربي وكل المؤسسات الاقليمية والحكومية الى (العمل من اجل الرفع الكامل للعقوبات الاقتصادية ومعاقبة النظام الديكتاتوري ومسؤوليه واعتبارهم كمجرمي حرب ارتكبوا جرائما صد الانسانية وندعوا ايضا الى تقديم المساعدات الانسانية لتغطية الحاجات من الغذاء والدواء لحين التطبيق الكامل لقرار 686 ) ومن بين 44 منظمة شبابية نجحنا في الحصول على توقيع 33 منظمة من المشاركين بعضها منظمات مظلة تضم في عضويتها عشرات المنظمات ومنها منظمة مثل “الاتحاد من اجل التبادل الثقافي” التي تضم في عضويتها 404 منظمة ديمقراطية عالمية . وتجدر الاشارة الى ان المداخلة التي قدمت بأسم اشدع عن حقوق الانسان في العراق وتحدثنا فيها عن اوضاع الشبيبة العراقية تحت نير الحكم الديكتاتوري وكوارث الحروب ومجازر الانفال وحلبجه وغياب السلم الاجتماعي والحياة الديمقراطية، ومجمل هموم وتطلعات الشبيبة ، اعتمدت في التقرير الذي قدم للجلسة النهائية مما اثار غيض العديد من المنظمات الحكومية العربية الموالية لنظام الديكتاتور صدام حسين، وقد اشار العديد من الاصدقاء الى ان عدم حضور وفد منظمة النظام الديكتاتوري قد وفر الكثير من الجهد وخفف عنهم احتمالات المواجهة . وكان من ختام فعالياتناا لقاء شارك فيه الى جانبي الزميل ثائر صالح مع الامانة العامة لاتحاد الشباب العرب لمناقشة قضية تمثيل اشدع والعلاقة معه وقد اسمعناهم راينا بكل وضوح .
* الكاتب عضو اللجنة التنفيذية لاشدع وسكرتير لجنة العلاقات الخارجية للفترة 1998 ــ 2005 .
معلومات الصور :
الصورة الاولى : قاعة المؤتمر
الصورة الثانية : خلال الجلسات ريكا يالونين ويوسف ابو الفوز
الصورة الثالثة : الزميل والصديق ثائر صالح (مع فنجان القهوة) الى يمينه يوسف ابو الفوز (قميص رماني مع جاكيت داكن) مع مجموعة من مندوبي منظمات شبابية غير حكومية !