الجمعة, نوفمبر 29, 2024
Homeمقالاتلماذا تلاحقنا الخسارات:د. محمود عباس

لماذا تلاحقنا الخسارات:د. محمود عباس

 

 

أعداؤنا يتربصون بنا، ويخططون على دراية، ونحن كحراك كوردي نطعن ببعضنا، وندمر احتمالات التفاهم، نعمق الخلافات ونقطع حلقات التواصل، وجلها بحنكة، لو استخدمنا تلك المهارات في تنوير الدروب لكنا من الدول الأكثر تطورا في المنطقة. قسم منا ينبش في الخيال، وآخر في أحلام اليقظة، وشرائح تأمل، وأغلبية الحركة الثقافية أصبحت لسان حال الأحزاب، وهي هياكل مؤسسات، تتحكم بها مجموعات جلهم دون القضية إدراكاً.

من غرائب حراكنا، إننا نلتهي بتقطيع بعضنا بذكاء، نسميها تنقية الداخل الكوردستاني، والدول الإقليمية تنهش في جغرافيتنا، وتخطط مسارات مصيرنا حسب مصالحها، وتحاول تقويض المكتسبات التي حصلنا عليها أو أعطيت لنا، وإن درسناها تكون عادة بسذاجة، وأحيانا بقلة دراية، وندعي المظلومية أمام العالم الذي لا يسمعنا.

فمن جهة تركيا تهدد باجتياح أوسع لغرب كوردستان، وإيران من جهة أخرى تجتاح مدننا وريفنا على نار خافته، والأنظمة العربية بمعارضاتها تساندهما بما تتمكن منه. ونحن لم نتوفق حتى اللحظة من إقناع أمريكا وروسيا بالتوقف رسميا على قضيتنا، أو لتوضيح موقفهم السياسي من قادمنا في سوريا إلى الآن. كيف سيتم هذا والشرذمة الدبلوماسية الكوردية الحزبية تسافر تحت صفة مؤسساتها غير المعترفة بها، أو كحلقات تابعة لقوى يستخدمونهم لإضفاء الصفة الوطنية على وفودهم، وجميع من سافروا لم يتمكنوا من عرض ذاتهم كممثلين عن الشعب الكوردي والقضية في المحافل الدولية.

ننقد أعداءنا من باب العتب، ونصغرهم بجهالة معرفة، ونتناسى كم هم أقوياء ومحنكون وكم هي عميقة ومحكمة مخططاتهم ومؤامراتهم علينا. ونهاجم بعضنا بدراية ودون رأفة، نبتذل الحزب الأخر، بل أحيانا حراكنا، على خلفيات البعض من قياداتها الساذجة أو الانتهازية، على أنهم أدوات الصراع، ونقف حائرين أمام مؤامرات أعداءنا، نتهم بعضنا ليس فقط حول خلفيات الصراع الداخلي، بل على أن الكوردي الأخر سبب لعداوة المتربصين بنا، ونكاد نبرأهم من جرائمهم بحق أمتنا وقضيتنا، ونجرم، أو نخون، الطرف الأخر من الحراك.

نتناسى على أننا بقدر ما نعمق خلافاتنا نسهل الدروب لأعدائنا للتحكم بأمورنا، نلهب شارعنا الكوردي ضد بعضه ونخلق الرهبة فيه من المتربصين، نشوش رأي المجتمع، وبإبداع لا ترقى إليها قدرات معظم قادة الأحزاب ولا كتبتهم، وهم دونها ثقافة ووعياً ودراية.

وطنيون كانوا أم انتهازيون، قيادات الإدارة الذاتية (الأممية) والمجلس الوطني الكوردي بأحزابهم، نهاجمهم بحنكة ونبدع في الحجج، بعدما نرفعهم إلى سويات، هم دونها، ليكونوا جديرين باهتمام حراكنا الثقافي، وفي الواقع بهذا؛ نهدم مدارك بعضنا، ونجعل ذاتنا حلقات تابعة لكليهما، وقد أثبتت مسيرة عشرة سنوات على أنهما لا يمثلون إلا شرائحهم الحزبية، وهم دون صفة المؤسسات السياسية الواجبة أن تمثل الشعب، وتدار في أروقتها إشكاليات قضية أمتنا.

جعلناهم طوطم نقاشاتنا، وكأننا مريديهم، وجلهم في الواقع قيادات أحزاب موجودة اسما بلا فعل، والفاعلة خدماتهم تصب في مصلحة الأخرين قبل شعبنا.

نحلل ونؤول القضايا والصراعات السياسية من خلالهم، وهم دونها مكانة ومعرفة وإدراكاً، مع ذلك لم نقدم يوما دراسة مقارنة، جدية، علمية، بين المدارك أو التراكم المعرفي لقادة الأحزاب والأحزاب كمؤسسات يجب أن تكون عليه. هل لهم الإمكانيات الكافية لتقديم مشاريع ترقى إلى سوية القضية والأمة الكوردية؟ لا شك معظمهم وطنيون، ولا نقاش عليه، لكن هل ساعدتهم الظروف السياسية والاقتصادية على تحرير الذات من تحت عباءة التحزب؟ هل البيئة الثقافية والحزبية كانت ملائمة لترسيخ الوطنية في لا شعورهم ونقلها من مجرد قول إلى فعل؟ وإن لم يكن فلماذا يستأثرون بالساحات الحزبية؟ أليس من الأنسب أن يشاركوا الحراك كمراقبين ومستشارين، ومحللين وغيرها من النشاطات؟

تائهون نحن جميعا، في دروب النقد والتهجم والتحليل والتأويلات (مثلما أفعلها الأن، فلست باستثناء، وكم أتمنى من الأخوة الذين لا يملكون الإمكانيات الكافية؛ الانتقال إلى ساحات تناسب مداركهم) والأعداء يخططون لنقل قضيتنا إلى قرن قادم، وكأن غشاوة من اللا شعور تخيم على مدركنا، لا نرى سوى المجموعات المسماة جدلا بقطبي الأحزاب، يتصدرهما قيادات، جلها فرضتها الظروف على مجتمعنا الكوردي، لا حول لها ولا قوة، بعضهم لا يريدون لتنظيماتهم أن تكون على هذا الشكل، يستثنى منهم المستفيدون من الواقع الحزبي المزري؛ لا يهمهم ما تؤول إليه مصير شعبنا، ولا إلى أين يجب أن تتجه الأحزاب، وماذا يجب أن تقدمه، وما يتربص بأمتنا.

بينهم الوطنيون، لا يريدون التخلي عن الهيكل وترك الساحة للانتهازيين، وهم دون القضية قوة وتأثيرا، وأغلبية الحراك الثقافي مثلهم لم يعد يعرف كيف ينير الدروب، أو يشذب المفاهيم، فأصبحنا نسقط في مستنقع النقد السلبي والتهجم الحاد، وفي الحقيقة نسير معهم أو خلفهم ونتعامل مع الواقع كقوى عاجزة عن الإتيان بالأفضل. هكذا استمرت مسيرة حراكنا الكوردي، الثقافي والحزبي، بأغلبيته، طوال نصف قرن وأكثر تتخبط بين التهم والتهجم والانتقادات الناجمة عن عدم قدرة تغيير ما تم فرضه على شعبنا، مع ذلك هناك من يروج على أن هذه المؤسسات الغارقة في الخلافات تمثل الأمة الكوردية.

نحن نسخ عن الماضي، نخلق مرحلة لا تختلف عن سابقاتها، أعداء متماسكون، يحاربوننا بحنكة، عسكريا، وسياسيا، وثقافيا، واليوم دبلوماسيا في المحافل الدولية، ونحن كحراك نبدع بين بعضنا ونقف ببلاهة أمام محتلينا. يؤلمنا تكرار الأمثلة، إن كان من التاريخ أو الحاضر الجاري.

في جنوب كوردستان:

فشل الريفراندوم عمليا رغم ما قدمته للأمة من ثقة بالذات، خسرنا كركوك، ونهب الحشد الشعبي ثلث جغرافية جنوب كوردستان جل قادتهم احتضنتهم ثورتنا يوما ما.

في غرب كوردستان:

خسرنا عفرين وما حولها إلى سري كانيه، على خلفية الاستخفاف بقدرة الأعداء ومخططاتهم، وخباثتهم في تحويل المسارات السياسية والدبلوماسية لصالحهم، رافقتها العامل الداخلي الكارثي، إشكاليات إلغاء الكوردي الأخر، والتفرد بالسلطة. فضاعت مكتسبات ملكناها أو ملكوها لنا القوى المستفيدة من خدماتنا.

هل هي جهالة، وهل الجهالة خيانة؟ فكما نعلم بين الجهالة والغباء مسافات، ربما للأخيرة مبرراته بعكس الجهالة، والتي هي خيانة للذات قبل أن تكون للأخرين، وهي من أحد عوامل بيع الذات للأعداء لمصالح دونية. والبعض يبررون عدم الاستئثار بغايات الأعداء على أنها جهالة وليست خيانة؟ كالجهالة في طرح المفاهيم الطوباوية في عصر التنوير؟ أليست التبعية للأعداء تحت منطق الشراكة في الوطن جهالة مغطاة بالخيانة، أم خيانة تبررها الجهالة؟ وفي الواقع، كثيرا ما كان فشل حركاتنا نابعة من الجهالة في انتقاء الدروب السليمة والصحيحة، علماً أن الغاية كانت صادقة، لكن الخسارة دفعت بالفعل لتدرج في خانة الخيانة؟ وبالتالي فمعظم مسيراتنا الكوردستانية خيمت عليها الجهالة، حيث الخلافات الداخلية، وانتقاء أساليب الصراع مع الخصوم، والوقت المناسب، ومعرفة الأعداء، تفاعلت كل هذا مع خباثة الأعداء وإمكانياتهم المتعددة. وهكذا نحن من لحقنا الخسارات وكررناها، وليست هي من هرولت خلفنا.

يتبع…

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

14/10/2021م

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular