السبت, نوفمبر 30, 2024
Homeمقالاتعشرون عاماً على رحيل الملحن العراقي كمال السيد : امير امين

عشرون عاماً على رحيل الملحن العراقي كمال السيد : امير امين

الملحن العراقي الفقيد كمال السيد هو كمال السيد عليوي الحسيني المولود في مدينة الناصرية عام 1944, هذه المدينة الزاخرة بالفنون والآداب , مدينة الشعر والطرب والسياسة والتي أنجبت خيرة الرجال الذين ذاع صيتهم في عموم مدن العراق .. وفي مراحل حياته المبكرة فقد كمال السيد والدته فعاش اليتم والآلام ولما إنتقل والده للعمل في البصرة قامت بتربيته جدته لأبيه وكان يناديها بكلمة يمة ..وصارت بمثابة أمه الحقيقية ..درس الفقيد كمال الابتدائية والمتوسطة في مدارس الناصرية ولما أنهى مرحلة المتوسطة قدّم طلباً للالتحاق بمعهد الفنون الجميلة ببغداد وكان حينها يهوى الرسم لكن هذا الحقل لم يكن شاغراً في ذلك الوقت مما حدى به لتغيير الطلب الى الموسيقى فتم قبوله وإختص بالعزف على العود الذي كان يحبه كثيراً والذي رافقه طيلة حياته لحين وفاته ..! وكالغالبية الساحقة من أبناء الناصرية الملحنين والمطربين والشعراء وغيرهم من المبدعين فأن الفقيد كمال كان قريباً من اوساط اليسار العراقي لذلك عانى الكثير بسبب ذلك والذي أرغمه على الابتعداد عن وطنه الذي أحبه وأحب ناسه بصدق وعذوبة فاقت التصور ..وكانت علاقته حميمة جداً بالوطن والالحان لذلك حينما تزوج من الشهيدة هناء عبد السادة عثمان وانجبت له طفلة أسماها الحان ..! ولما تزوج بعد استشهادها بإمرأة سورية وأنجبت له طفلين أسماهما عراق وسومر وصار يكنى بإسم أبو عراق من قبل أصدقاءه ومعارفه الكثر ..وعلى الرغم من قصر الفترة التي أمضاها الفقيد كمال بعد تخرجه في العراق وتعيينه مدرساً لمادة الفن في الناصرية وفي الحلة وفي السماوة وبغداد ..إلاّ أنه استطاع أن يلحن لعدد كبير من المطربين العراقيين أجمل القصائد لشعراء معروفين صار شعبنا يتغنى بها وخاصة أغنية المگير التي الفها الشاعر الفقيد زامل سعيد فتاح والتي قام بأدائها المطرب الريفي ياس خضر والذي من خلالها نقله الملحن كمال من الغناء الريفي الى المدينة حيث كانت له اغنيات ريفية مثل الهدل ..ومنين أجيب زرار للزيجة هدل وغيرها ..الى أغنية المگير التي أشتهرت في جميع مدن العراق وخاصة في الجنوب حيث تمت اذاعتها ومن محطات الاذاعة والتلفزيون العراقي اواخر عام 1968 وأوائل عام 1969وصار معروفاً على نطاق أوسع من مدينته وقام بتلحين عدد من القصائد لخيرة المطربين المعروفين تلك الحقبة اي أواخر الستينييات وأوائل السبعينييات وقد لحن لإبن مدينته الفنان حسين نعمة أغنية كون السلف ينشال شلة على راسي ..وأغنية ..هي ولك يا بلاّم ردنا لاهلنه..ولحن للمطرب قحطان العطار ولسامي كمال ولحميد منصور ولانوار عبد الوهاب ولغادة سالم ولسعدون جابر أغنية..يا أهيف الطول ولحن لسعدي الحلي وعارف محسن والمطربة أديبة ولصباح السهل ولفاضل عواد وفتاح حمدان وستار جبار وغيرهم من المطربين والمطربات ….وبسبب ميله واعتناقه للفكر الشيوعي ولليسار عموماً فقد جرى التضييق عليه وعلى نشاطاته الفنية والسياسية وعلى ابداعه في مجال التلحين فاضطر للهرب والنجاة بنفسه من التهلكة التي كانت قريبة جداً منه والتي ادركها بشكل مبكر كما هو حال بقية المبدعين اليساريين من قوى شعبنا العراقي وإستقر في اليمن الديمقراطية في مدينة عدن التي عمل فيها أستاذاً للموسيقا في معهد الفنون الجميلة وفيها قام وبمشاركة زميله الفنان الشيوعي حميد البصري بتأسيس فرقة الطريق الغنائية والتي ضمت اليها عدد من المبدعين العراقيين ومنهم الفنانة والمطربة المعروفة شوقية العطار زوجة الفنان حميد البصري وكذلك الفنان اليساري الفقيد جعفر حسن والفنان النصير حمودي عزيز الذي كان عازفاً للايقاع..بعد ذلك غادر الفقيد كمال السيد الى سوريا وأسس مع زميله الفنان الشيوعي النصير كوكب حمزة ..فرقة بابل الغنائية عام 1983واشترك فيها معهم المطرب الراحل فلاح صبار وضمت ايضاً سالم البهادلي وحمودي عزيز والمطرب سامي كمال وتم تعزيزها بأصوات نسائية هن جنان وحنان بنات المطرب سامي كمال وقد نشطت في سوريا وذاع صيتها خاصة وقد رفدها الملحن الراحل كمال السيد بأجمل الالحان التي صار العراقيون وغيرهم يرددونها في الاعراس والمناسبات الوطنية ..ولم تقتصر نشاطات السيد بالاغاني العاطفية وإنما قام بتلحين عدد من الاغاني الوطنية ومنها أغنية بغداد وأغنية يا شعبي دمي الك ..يا شعبي روحي الك ..وغنى لفلسطين أيضاً عدد من الاغاني الوطنية ومنها أغنية ..يمة يا ويل الهوى ..يمة يا ويلية ..ضرب الخناجر ولا حكم النذل بية ..وكانت للشاعر الكبير الراحل محمود درويش .. ولحن أغنية ثورية للشاعر هاشم شفيق وهي ..أستمد الشجاعة منك ومنك العزيمة تأتي الي , والتي كانت من أداء الفنان سامي كمال..وقام الملحن الراحل كمال السيد بتلحين عدد من الاوبريتات وخاصة في الناصرية ومنها اوبريت أبو الهيل الذي كتبه الشاعر الفقيد كاظم الركابي والذي أخرجه الفقيد الفنان صالح البدري ولحن أيضاً أوبريت هلاهل وأوبريت جنيات الوادي الذي أخرجه الفقيد صالح البدري والذي فاز بالجائزة الاولى على محافظات العراق في المهرجان القطري ..وللفقيد كمال السيد أغاني كثيرة قام بتلحينها واشتهرت في الحفلات والمهرجانات ومنها أغنية ..كل سنة وأنت طيب يا وطني الحبيب وأغنية ..ويهه يا هلنة واحنة منها وبيها ..بغداد شمعة ولا هوا يطفيها ..ومن هنا يمكن القول أن الاغاني العاطفية والوطنية والاناشيد التي استطاع الفقيد كمال السيد من تلحينها كثيرة جداً وقد أبدع في تلحينها واشتهرت على نطاق واسع ..كان الفقيد كمال معروفاً في مدينة الناصرية كأستاذ وفنان وعازف عود وكنت أشاهده كثيراً وغالباً ما كان يحمل عوده متوجهاً الى جهة عمله لكني لم أتحدث معه وأتعرف عليه عن قرب إلاّ في الدنمارك في احدى كافتيريات العاصمة كوبنهاكن ولما عرف عائلتي ومن أكون ..طلب لي بطل بيرة وجلسنا نتحدث كثيراً وكان لطيفاً جدا وبسيطاً يرتسم التواضع على محياه وصرنا نلتقي بشكل مستمر ومنذ أواخر عام 1992 لحين وفاته والتي قبلها بحوالي ثلاثة شهور التقيت به عائداً من مركز المدينة بينما كنت أنا متوجهاً اليها وكانت بيده سندويشة يمضغ بها بهدوء ..قلت له ..وينك يا أبا عراق ..هل صحيح أنك كنت مسافراً لدمشق لغرض الزواج ..! ضحك وأكد لي صحة تساؤلي وأردف قائلاً رحت الى دمشق وعقدت زواجي على أخت أم لنا زوجة الفنان طالب غالي ..باركت له الخطوة متمنياً له اتمامها بنجاح لكن القدر لم يحالفه للأسف حيث أنه أصيب بالسرطان ودخل للمستشفى الذي تدهورت فيه صحته بشكل سريع وفي ليلة الثلاثاء المصادف 23 تشرين الاول زارني الاصدقاء وليد وكريم وكان الحزن يرتسم على محياهما وبعد ثواني ..قالوا ..اليوم رفعوا وقبل قليل كافة الاجهزة عن ابي عراق بسبب اليأس التام من شفاءه ..وعند فجر اليوم التالي وبعد معرفتي بإسم المستشفى ورقم الطابق والغرفة إستقليت دراجتي الهوائية ورحت مسرعاً لالقاء نظرة الوداع عليه ولما دخلت الغرفة ..خرجت منها البنت التركية المنظفة لها بعد اتمامها لواجبها ..ثم نظرت لي بحزن وقالت ..هل يقرب لك ..! قلت لها إنه يقرب لكافة العراقيين فهو ملحن شهير وفنان معروف ..! تألمت المرأة كثيراً وقالت لي ..ترحّم عليه لإنه سوف يموت خلال ساعات ..كان مستلقياً على ظهره فاتحاً فمه يدخل اليه الهواء تلقائياً وكانت عيناه شبه مغمضتين ولعلمي أن الانسان يفقد السمع في الاخير ..كنت أكلمه وهل له وصية وذكّرته بإبنته الحان واولاده الثلاثة الآخرين عراق وسومر وحسين ..لكنه لم تصدر منه كلمة او حرف بل ظل يستلم الهواء الذي يخرج من فمه لكني إعتقدت أنه كان يسمعني ….قلت له أبو عراق أتمنى لك الشفاء ولكن ربما تموت فالاحسن أن أقرأ لك سورة الفاتحة ..وقرأتها له بصوت مسموع ..حتى ترتاح نفسه قبل أن يودع الحياة..وعدت بعد أن أمضيت معه أكثر من نصف ساعة وعند العصر جاء الخبر المتوقع والحزين بوفاته في يوم الاربعاء المصادف 24 تشرين الاول عام 2001 وهو في أوج عطاءه وغادرنا والالم والحزن يعتصر قلوبنا..المجد للفقيد الرائع الفنان كمال السيد ابو الحان وعراق وسومر وحسين.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular