حان وقت تقاسم الغنائم التي شملت أيضاً فتيات ايزيديات مختطفات من قضاء سنجار، تقع عينا أحد أمراء تنظيم (الدولة الاسلامية –داعش) على جيلان التي أنهكها الهروب والاحتجاز. مرّ عليها أسبوعان دون أن تتمكن من غسل وجهها، شعرها متشابك وملابسها متسخة جداً، لكن رغم ذلك لم تَسلَم من طمع أعين مسلحي داعش.
اقتيدت جيلان واثنتان من شقيقاتها مع فتيات ايزيديات أخريات اختُطِفن من سنجار الى مبنى مدرسة متوسطة في قضاء البعاج (جنوب غرب سنجار)، وهناك تم توزيعهن كسبايا على مسلحي التنظيم.
أُجبِرت جيلان كرهاً على دخول أحد حمامات المدرسة لكي تغتسل، وأُغلِق الباب عليها، بعد مرور حوالي 15 دقيقة، توجه أحد مسلحي داعش الى الحمام لكي يتأكد من أن جيلان قد أعدّت نفسها لأميرهم، فجأةّ تعالت الأصوات.
أحد ابواب الحمام أو المكان الذي كان من المفروض أن تستحم فيه جيلان كان يؤدي الى الغرفة التي احتجزت فيها الفتيات الأخريات، لذا فإن شقيقة جيلان شهدت ما حدث ذلك اليوم وسردت تفاصيله لـ(كركوك ناو).
تقول غاليا، شقيقة جيلان، “كان الأمير ينتظر أن تنتهي جيلان من الاستحمام، لكن انتظاره طال، بعد ذلك تبين لهم بأن جيلان قد أنهت حياتها داخل الحمام بعد أن قطعت شرايين يدها بشفرة حلاقة.”
فارقت جيلان الحياة بسبب النزيف الحاد قبل أن يعلم مسلحو داعش بأمرها. تقول شقيقتها بأنهم لم يسمعوا صوت صراخها أو بكائها، بالرغم من أن الحمام كان مجاوراً للغرفة التي كانوا محتجزين فيها.
“قالت جيلان لن اسمح لأحد أن يغتصبني حتى لو اضطررت للموت… دخلنا الحمام فوجدناها قد فقدت الكثير من الدم وفارقت الحياة”، تقول غاليا التي كانت في الـ15 من عمرها حين شاهدت جثة شقيقتها.
قالت جيلان لن اسمح لأحد أن يغتصبني حتى لو اضطررت للموت
يوم 20 آب 2014 كان آخر يوم في حياة جيلان برجس ذات التاسعة عشرة من العمر، لكن تلك النهاية اصبحت نقطة البداية لقصة تراجيدية يفتخر الايزيديون اليوم بسردها وأصبحت مصدر إلهام للعديد من المسرحيات والأفلام القصيرة.
تعود بداية الحادث الى 3 آب 2014 حين اجتاح مسلحو داعش مركز قضاء سنجار في طرفة عين، نتيجة لذلك داهم الخطر آلاف العوائل الايزيدية وفرّ من استطاع الفرار، أما الذين لم ينجحوا بالفرار وقعوا تحت رحمة مسلحي داعش.
كانت جيلان تنتمي لأسرة كبيرة قوامها 65 شخصاً تقطن في ناحية القحطانية (تل عزير) جنوب غربي سنجار، مصدر رزقهم الرئيسي كان تربية المواشي. أثناء هجوم داعش تعرض 32 شخصاً من تلك الأسرة للأسر والقتل، أما البقية فتمكنوا من الفرار بالمركبات أو مشياً على الأقدام ووصلوا الى جبل سنجار.
والد جيلان كان متزوجاً من امرأتين، رزق منهما بعشرة أطفال، ستة أولاد و أربع بنات، وكانت والدة جيلان حامل بآخر أبناء تلك العائلة الذي ولد في الأسر.
وقعت جيلان، شقيقتاها غاليا و جيهان، والدتها، زوجة أبيها، اثنان من اشقائها، والدها و أربعة من اعمامها في قبضة مسلحي داعش داخل قضاء سنجار، وضع مسلحو داعش والد واشقاء و اعمام جيلان أمام خيارين، التخلي عن الديانة الايزيدية واعتناق الاسلام أو الموت.
وفقاً لما روته شقيقة جيلان وشهود آخرون، تحدى والد واشقاء وأعمام جيلان مسلحي داعش ورفضوا اعتناق الاسلام واصروا على أن الله خلقهم ايزيديين و يفضلون الموت كإيزيديين.
“كنا في منطقة قريبة من شلوي على الطريق المؤدي الى جبل سنجار حين وقعنا في قبضة داعش، أعدموا والدي واثنان من أشقائي وأعمامي رمياً بالرصاص أمام أعيننا بعد أن رفضوا تغيير ديانتهم”، قالت غاليا.
أحد أشقاء جيلان كان طالباً في كلية الطب العام والآخر في كلية العلوم قسم البيولوجي، رفات والد واشقاء وأعمام جيلان لا زالت مدفونة في مقبرة جماعية لم يتم فتحها بعد.
أثناء تعرضها للاختطاف، كانت جيلان طالبة في الصف الحادي عشر الاعدادي.
أعدموا والدي واثنان من أشقائي وأعمامي رمياً بالرصاص أمام أعيننا
“كانت دائماً تقول، كل حلمي أن أصبح طبيبة، لذا كانت متلهفة لبلوغ الصف الثاني عشر الاعدادي و الحصول على درجات عالية”، هذا ما قاله خدر ديرو، خال والد جيلان لـ(كركوك ناو).
يقول ديرو بأن جيلان تحدثت له عن أحلامها ورغبتها في الالتحاق بالجامعة اسوةً بأشقّائها.
بعد مقتل سبعة من اسرتها، نقلت جيلان مع اثنين من شقيقاتها و الدتها و زوجة أبيها الى البعاج، هناك، عُزِلت الفتيات عن النساء و العجائز.
أتى والدة جيلان المخاض في الأسر وسمت طفلها ريزان، على اسم ابنها المقتول. في عام 2015 نجت والدة جيلان زوجة أبيها وعدد من النساء الايزيديات من أسر داعش.
انقطعت أخبار جيلان وشقيقاتها عن بقية أفراد الأسرة، حيث نقلوا مع غيرهن من الفتيات الشابات الى مدرسة بناحية البعاج تمهيداً لتوزيعهن كسبايا على مسلحي التنظيم، لكن انتحار جيلان أفسد مخططهم.
لُفّ جثمان جيلان ببطانية والدماء تتقطر منها ونقلت الى خارج مبنى المدرسة، وألقيت جثتها في الخارج لكي تلتهمها الحيوانات السائبة، و لبث الذعر في قلوب الفتيات.
“قالت جيلان إذا أصابني مكروه أو ارتكبت أي شيء لا تدعوهم يعرفون بأنكن شقيقاتي”، حسبما قالت غاليا، لذا فإن مسلحي داعش لم يعرفوا بعد الحادث بأن غاليا و جيهان هن شقيقات جيلان، وتم فصلهن عن بعض ونقلت كل واحدة منهن الى مدينة منفصلة.
اقتيدت جيهان التي كانت في الـ20 من عمرها الى مدينة الرقة في سوريا وهناك تعرضت للاغتصاب على يد مسلحي داعش.
جيهان، شقيقة جيلان، انتحرت ايضاً في نيسان 2015 بينما كانت في أسر داعش
حسب أقوال أقاربها والمعلومات التي حصلوا عليها فيما بعد من بعض الشهود، فإن جيهان انتحرت ايضاً في نيسان 2015.
غاليا، الوحيدة التي بقيت على قيد الحياة بين شقيقاتها، تقول بأنها تعرضت مراراً للاغتصاب، قبل أن تنجو من الأسر أثناء العمليات العسكرية التي شنتها القوات العراقية لاستعادة الموصل.
تعيش غاليا التي بلغت الآن الـ22 من عمرها مع شقيقتها و أحد أشقائها ف ي مخيم جمشكو للنازحين في دهوك، أما والدتها و زوجة وأبيها واشقاؤها الآخرون فقد حصلوا على حق اللجوء في ألمانيا.
جيلان من اسرة غير معروفة في سنجار لكنها اصبحت عنواناً بارزاَ فيها و قد بني تمثال لها ومن المقرر أن يزاح الستار عن تمثال جيلان في ناحية القحطانية (تل عزير) قريباً.
كاروان باعدري