.
تناول تقرير، نشره معهد “تشاتام هاوس“، الاستراتيجية التي اتبعها التيار الصدري، ومكنته في النهاية من الفوزه على أبرز منافسيه، تحالف الفتح المدعوم من طهران.
واعتمد معدا التقرير، ريناد منصور وفيكتوريا ستيوارت- جولي، على أرقام قالا إنها مأخوذة من النتائج الأولية التي نشرتها مفوضية الانتخابات في العراق على موقعها الرسمي قبل عدة أيام.
يزعم التقرير إن الصدريين حصلوا على عدد أصوات أقل مما حصلت عليه كتلة الفتح، مع ذلك حققوا، أي الصدريين، الفوز في النهاية بحصولهم على 73 مقعدا، بفارق يقترب من 60 مقعدا عن تحالف الفتح الذي لم يتمكن إلا من حصد 17 مقعدا في البرلمان العراقي المكون من 329 مقعدا.
وتشير الأرقام الأولية التي نشرتها مفوضية الانتخابات العراقية، وفقا لتحليل معهد “تشاتام هاوس”، إلى أن تحالف الفتح، الممثل للحشد الشعبي والحليف القوي لطهران، أحرز نحو 670 ألف صوت في الانتخابات التي جرت في العاشر من هذا الشهر، بينما حصل الصدريون على 650 ألفا.
يشار إلى أن تحالف الفتح كان قد حقق المركز الثاني في انتخابات 2018 بـ48 مقعدا، وبفارق قليل عن تحالف الصدر الذي حصد المركز الأول بـ54 مقعدا.
كيف حصل ذلك؟
يقول تقرير معهد تشاتام هاوس ومقره لندن، إنه رغم أن نتيجة الانتخابات ربما تشير إلى زيادة شعبية التيار الصدري مقابل تراجع الدعم الشعبي لتحالف الفتح، إلا أن إجمالي عدد الأصوات الذي حصل عليه الطرفان يكشف عن قصة مختلفة.
وبصرف النظر عن دقة مخرجات المعهد بشأن عدد الأصوات، يتحدث التقرير عن خطأ استراتيجي ارتكبه تحالف الفتح في التعامل مع قانون الانتخابات الجديد الذي تم إقراره في عام 2019، ما أدى لخسارته.
يقوم القانون الجديد على مبدأ التصويت الفردي الذي لا يسمح بتحويل الأصوات، ويعرف أيضا باسم نظام الفائز الأول، ويجري داخل دوائر انتخابية متعددة المقاعد.
يهدف القانون لخلق عملية انتخابية أكثر شفافية لا تحتاج إلى حسابات معقدة للفوز بالمقاعد كما أنه يضمن علاقة أوثق بين الناخبين والمرشحين.
لكن القانون الجديد يتطلب من الأحزاب والقوى المتنافسة اعتماد معايير دقيقة لاستراتيجياتها، أذا ارادت تحقيق النجاح في صناديق الاقتراع، وفقا للتقرير.
في ظل الأنظمة الانتخابية القديمة التي اعتمدت على نظام القائمة المفتوحة أو المغلقة، كان يمكن إعادة توزيع الأصوات التي حصل عليها مرشح ما على مرشحين آخرين من نفس الحزب.
وبالتالي في حال كان الفوز بمقعد في البرلمان يحتاج لخمسة آلاف صوت مثلا، وحصل أحد المرشحين على 10 آلاف فإن الفائض يذهب لمرشح آخر من الحزب ذاته.
في المقابل، يشير التقرير، إلى أن القانون الجديد ينص على عدم جواز تحويل الأصوات التي يحصل عليها المرشح لمرشح آخر، مما يؤدي إلى إهدار عدد كبير من الأصوات، وهذا ما حصل مع تحالف الفتح.
ويضيف التقرير أن “فشل” تحالف الفتح في إجراء “تقييم دقيق للتشريع الجديد” جعلهم يحصلون على مقاعد أقل بكثير عن تلك التي حصدها التيار الصدري رغم أن أجمالي الأصوات التي حصلوا عليها كانت أكثر من الصدريين.
ويبين أن الصدريين تعاملوا بـ”فعالية” أكثر مع القانون الجديد، حيث توقعوا بدقة مستويات الدعم داخل كل دائرة انتخابية، وقاموا بتسمية العدد الصحيح من المرشحين للترشح في الدوائر الانتخابية، ثم تمكنوا من إقناع أنصارهم بتوزيع الأصوات بالتساوي بين المرشحين.
كذلك كان لدى الصدريين أدوات رصينة سواء على الإنترنت أو في الشارع، ومنها إنشاء تطبيق على الهواتف المحمولة فيه تفاصيل عن كل منطقة انتخابية، بالإضافة إلى مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي لكل دائرة انتخابية، وموظفين متخصصين يركزون على كيفية الحصول على المقاعد بدلا من مجرد عدد الأصوات.
نتائج عكسية
في الجهة الأخرى، اعتمد تحالف الفتح استراتيجية تقديم مرشحين متعددين في كل دائرة انتخابية في محاولة منهم للحصول على مقاعد أكثر.
ولكن وفي ظل القانون الجديد، يمكن لهذه الاستراتيجية أن تؤدي لنتائج عكسية على اعتبار أنه عندما يتنافس عدة مرشحين من نفس الائتلاف على الأصوات في منطقة واحدة، فإنه يخاطر بتشتيت الأصوات وعدم حصول أي منهم على أصوات كافية ليتم انتخابه.
يقول التقرير إن تحالف الفتح يتكون من عدة أحزاب متنافسة، كمنظمة بدر وصادقون وسند، حيث أراد كل حزب ترشيح مرشح خاص به ضمن قائمة الفتح، مما أدى إلى إهدار الأصوات.
على العكس من ذلك أخذ التقرير مثالا لاستراتيجية الصدريين في الدائرة الأولى بمحافظة القادسية، حيث تقدم الصدريون بمرشح واحد فقط وفازوا بأكبر عدد من الأصوات.
كما رشحوا امرأة واحدة في الدائرة ذاتها تمكنت من الفوز بمقعد عبر الكوتا المخصصة للنساء، على عكس أحزاب أخرى تقدمت بعدة مرشحين، ولم يحصل أي منهم على أصوات كافية للفوز بمقعد واحد.
وبالإضافة إلى غياب الاستراتجية، يرى خبراء إن تحالف الفتح يتجه نحو تسجيل خسارة مدوية في الانتخابات التشريعية مع فقدانه ثلث عدد نوابه، ما يؤشر الى تخلي ناخبيه عنه بسبب رفضهم لسلطة السلاح ومطالبتهم بتعاف اقتصادي سريع، وفقا لتقرير نشرته فرانس برس الاثنين الماضي.
وتضيف الوكالة أن الخبراء يرون أن هذه النتيجة المحرجة لتحالف الفتح والحشد الشعبي الذي دخل البرلمان للمرة الأولى في العام 2018 مدفوعا بالانتصارات التي حققها الى جانب القوات العسكرية الحكومية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، تفسر بإخفاقه في تلبية تطلعات ناخبيه.
ويؤكد كثيرون، وفقا للوكالة، أن أبرز أسباب عزوف جماهير الفتح والحشد عن التصويت لهما هو العنف والممارسات القمعية المنسوبة للفصائل الموالية لإيران والمكونة للحشد الشعبي الذي يتألف من نحو 160 ألف مقاتل.
وبعد الاحتجاجات الشعبية التي هزت العراق في أكتوبر 2019، كان عشرات من الناشطين ضحايا عمليات خطف واغتيال ومحاولات اغتيال اتهمت الفصائل الموالية لإيران بالوقوف خلفها، ولم يحاسب أحد عليها حتى الآن.
وبدأ مئات من مناصري الحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل موالية لإيران، الثلاثاء اعتصاما قرب المنطقة الخضراء في وسط بغداد، احتجاجا على “تزوير” يقولون إنه شاب الانتخابات التشريعية المبكرة.
وتأتي هذه التظاهرة بعد تجمعات متفرقة أخرى في أرجاء مختلفة من العراق وشارك فيها المئات وتخللها قطع طرق احتجاجا على النتائج، بعد دعوات من فصائل موالية لإيران.
وندد قياديون في تحالف الفتح بـ”تزوير” في العملية الانتخابية، وتوعدوا بالطعن بها، فيما يتوقع أن تنشر النتائج النهائية خلال الأسابيع المقبلة بعد انتهاء المفوضية العليا للانتخابات من النظر بالطعون المقدمة.
ودعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، السبت، المعترضين على نتائج الانتخابات العراقية ممن وصفهم بـ”مدعي التزوير” إلى “الإذعان” وعدم جر البلاد إلى الفوضى.
وقال الصدر في تغريدة على حسابه في تويتر إن “جر البلد إلى الفوضى وزعزعة السلم الأهلي بسبب عدم قناعتهم بنتائجهم الانتخابية لهو أمر معيب”، محذرا من أن ذلك قد “يزيد من تعقيد المشهد السياسي والوضع الأمني” في البلاد.