الآن.. هنا، أو شرق المتوسط مرة أخرى .. رواية الكاتب السعودي عبد الرحمن منيف تعد من الروايات التي تنتمي لأدب السجون، وتطرق إلى أوضاع المعتقلات في بلدان الشرق الأوسط دون تحديد اسماء او ذكر البلد أو السجن الذى جرى فيه التعذيب والممارسات القمعية .
تكمن اهمية أعمال الروائي عبد الرحمن منيف في رواياته الشرق المتوسط ” الآن.. هنا ” و الأشجار واغتيال مرزوق ، كونها تمس السجناء و المعتقلين دون تمييز في شتى بلدان الشرق المتوسط وما یحيطها ، و تكشف أوجه الطغاة و تعری الجلادين ، و ما تعرض له السجناء من إهانة وتعذيب وممارسات إجرامية تسعى لفل صمودهم . کما هو الحال مع شخصيات طالع العريفي وعادل الخالدي ورجب اسماعيل وغيرهم.
ويمكن التوقف بوضوح في مسار الرواية مع منيف عند ثيمة البعد السياسي والاجتماعي التي انعكست في العمل بحكم دخول منيف معترك العمل السياسي قبل تحوله أديب ومفكر.. هذه التجربة التي أثرت في تکوینه ومکنته من رصد ظاهرة الحياة والموت في اقبية السجون والمعتقلات السیاسیة، ومناهضة استبداد السلطة، والدعوة لحرية التفكير والمفاهيم الدیمقراطیة ورفض اقصاء الآخر المعارض والزج به في غياهب السجون حیث تتجلى مظاهر القمع والقهر وانتهاك حقوق الإنسان في أبشع صورها فی روایته.
لهذا نرى منيف يبحث عن حلمه المفقود فی كتاباته الرواية کوسیلة ابداعية لمواصلة عمله التغيري بالرغم من إخفاقه فی العمل السياسي لکنه لا يستسلم لليأس ويرفض الهزيمة ويقرر الارتقاء واختيار الوسيلة الأنجع في التأثير على المجتمع واعادة صياغة سلوك الإنسان من خلال انتاج فكر جديد وتفعيل حركة العمل والکافح .
و يؤكد على لسان عادل الخالدي “نخطىء كثيرا إذا تخلينا عن آخر الأسلحة التي نملكها،الكلمة،ولا بُدّ أن نحسن استعمالها ، إذ ربّما تكون وسيلتنا الأخيرة، وقد تستطيع أن تفعل ما عجزت عنه الأسلحة الأخرى ، ولذلك فانّ المهم أن تكتب، أن تقدم شهادة.” الرواية ص. 321
من هنا يحدد منيف أهم وظائف الرواية على المستوى الفني والموضوعي فيقول ”إن المقصود ليس قضاء وقت وانحدار دمعتين كي تريح ضميرك ، وإنما يجب عندما تنتهي الرواية أن تبدأ أنت … إن الروايات المهمة يبدأ أثرها عندما تنتهي.(1)
وتمکن منيف من التعبیر عن عالم السجون من خلال مشاهد ولقطات مؤثرة عن حياة المعتقلین التي أخذت حيزا كبيرا في الرواية وتمکن من صياغتها وتوظيفها بطريقة مبدعة ، من حيث الرصد، و الموضوع و اللغة، واختيار الشخصيات، بقدرة عالية من التحکم بالأحداث ومزج الخيال بالواقع فی تکوین عمله الروائي النابض بالحياة، وحوله لواقع جديد، و تجربة منتجة للوعي. كما تميزت الرواية بتقنيات حديثة، من حيث البناء الفني و التصوير و تكثيف واختزال المعاناة الإنسانية بعمق وتركيز.
كان لعبد الرحمن منيف دورا رياديا بارزا في صیاغة الرواية العربية السیاسیة ، واعتبرت أعماله من الروايات التي أسست لجيل روائي ما بعد نجيب محفوظ.
أكثر ما في الرواية إيلاما ، هو استمرار الانظمة الاستبدادية والظلم والقهر المرافق لمسيرة الناس الذين يعيشون في أقبية السجون المظلمة والمحتجزين لسنوات طويلة دون محاكمة وما يتعرضون له من معاناة من جراء الأفعال السادية والقمعية المذلة للسجناء ونزع الاعترافات منهم قسريًا .
تبدو بوضوح رغبة الكاتب في تقديم صورة المناضل السياسي المكافح من اجل اهداف سامية عبر الرواية لتكون توثيقًا تاريخيًا يعكس من خلالها بعمق رؤيته الثاقبة للأحداث بعد صقلها وتشذيبها لتصبح جوهرة نادرة تزداد قيمتها مع الزمن.
فهو يروي ابتداء من الفصل الثاني منها أحداث و وقائع ما جرى للمناضل الشيوعي حيدر شيخ علي الذي التحق بقوات الانصار ـ البيشمركة في كردستان العراق – بعد ملاحقة اجهزة القمع العراقية له، وتكليفه بمهام التنسيق والمتابعة في طهران إثر اعتقال المناضل المعروف عادل حبة الذى كان مسؤولا عن عمل الحزب الشيوعي العراقي في طهران عام ( 1980 ) . واُلقي القبض عليه من قبل جهاز المخابرات الإيراني، بتهمة التجسس لصالح أكثر من دولة في أواخر عام ( ١٩٨١) وقضى ما يقارب ستة سنوات في سجن إيفين الرهيب .
بعد انقطاع دام عشر سنوات، التقيت بحيدر شيخ علي الشخصية المحورية في رواية عبدالرحمن منيف .. وتحدث لي عن سنوات سجنه الستة في إيران، ومعاناته وآلامه بتفاصيل يومية ، روي لي عن التعذيب الذي أدمى جسده على مدار هذه الأعوام في تلك السجون ، صامدا بوجه الجلادين ليوم الإفراج عنه.. واشار الى انه سجل حكايته على اشرطة وأودعها لدى الدكتور فالح عبد الجبار في خريف ( 1988 ) ، على أمل أن تصدر على شكل كتاب يتضمن ذكرياته في السجن، و يطلع عليها الرأي العام العالمي إلا ان الصدفة كما يقول فالح عبد الجبار غيرت مجرى الحدث .. مع خريف عام ( 1988).. (التقيت الروائي الراحل عبد الرحمن منيف وتجاذبنا الحديث على وقعة «سمك مسقوف» أعدّتها شلة مثقفين عراقيين جاؤوا مثله إلى المنفى الدمشقي. حدثته عن ديرسو اُوزالا العراقي، حيدر الشيخ علي، التمس مُنيف أن يطّلع على مضمون تسجيلات السجين.
ويؤكد فالح عبد الجبار باعتباره شاهد على التسجيل، مضمون قسم حرائق الحضور والغياب منقول نصاً عن مذكرات حيدر شيخ علي المسجلة صوتياً، كما أن هناك موتيفات منها في القسم الثالث. وبهذا اعتمدت الرواية اعتماداً شبه كامل على ذكريات حيدر (2) واضافة الى ذلك، ما كتبه الدكتور كاظم حبيب حول نفس الموضوع ، يؤكد على وجود تسجيلات بهذا الصدد تتعلق بالرواية (3) ، واعترفت سعاد
قوادري ارملة منيف بوجود أشرطة خلال ردها على فالح عبدالجبار و حيدر الشيخ عبر الجريدة الالكترونية عكاظ (4).
الاسباب الذي دفع منيف الى كتابة روايته (الآن.. هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى) حسبما قال :
أما لماذا حاولت أن أكتب رواية أخرى عن السجن وهذا ما فعلته في روايتي الأخيرة (الآن.. هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى ). لإعتقادي أن حجم القمع الذي نعاني منه حاليا لا يقاس بما كان سابقا.. لقد زاد القمع واتسع الى درجة لا تصدق، لا يقتصر ذلك على عدد السجون أو عدد السجناء، إذ تعداها الى حد أن أصبح كل إنسان سجينا، أو مرشحا للسجن، اضافة الى تطور أساليب القمع المادية والنفسية، و أيضا علاقة الأفراد فيما بينهم وعلاقتهم بالسلطة، ولذلك كان لابد من مواجهة هذه المشكلة ومحاولة قراءاتها بطريقة أعمق، حين فعلت ذلك اكتشفت في لحظة من اللحظات أن الضحية والجلاد وجهان لعملة واحدة أي أن الاثنين ضحية النظام المسيطر .
كما كتب عبد الرحمن منيف مقدمة تحت عنوان ” تقديم متأخر لكنه ضروري” في الطبعة 12 لعام ( 1998) لروايته الشرق المتوسط (و التي نشرت عام 1975 )، أي بعد صدور روايته ” الآن … هنا “، أو شرق المتوسط مرة اخرى (الطبعة الاولى عام 1991 ) ، يكتب منيف في هذه المقدمة إنه ” لم يقول كل ما يجب أن يقال حول عالم السجن السياسي وما يتعرض له السجين من قسوة ومهانة في الزنازين الممتدة على كامل حوض المتوسط الجنوبي والشرقي، و التي تتزايد وتتسع سنة بعد أخرى، مما جعل الرواية توحي ولا تحكي، تشير ولا تتكلم ” وهذه اشارة واضحة من الروائي منيف انه حصل على معلومات مؤكدة من سجين سياسي حول انتهاكات داخل السجون في الشرق المتوسط وجنوبها.
يقول عبد الرحمن منيف: “الرواية كما أفهمها، وكما أكتبها، أداة جميلة للمعرفة والمتعة. إنها تجعلنا أكثر إدراكا وأكثر احساسا بكل ما حولنا، وقد تقول لنا، في السياق، أشياء عديدة يجدر بنا معرفتها أو تذكرها. (5)
كما ذكر منيف في بداية روايته” آلان .. هنا أو الشرق المتوسط مرة أُخرى “، ( أفضل ما يفعله الإنسان أن يحيل أوسع تجربة ممكنة إلى وعي ): بطل رواية الأمل مالرو. ص7 لو دققنا في النص أعلاه ، ” فإننا نجد أنها تشد انتباه القارئ إلى قطبين: قطب يرتبط بكاتب من عيار مالرو… و قطب يتعلق بالأفكار التي تحث عليها المقولة: دعوة الإنسان إلى تحويل تجاربه إلى وعي.
فهذه المقولة دعوة إلى إعادة تأمل الحياة من طرف الإنسان، خصوصا حياته الخاصة من أجل الوعي بها وإدراكها إدراكا عميقا. و يعتبر هاجس الكتابة الذي يستبد بشخصيات الرواية دليل على أن سرد تجارب الذات و محنها يندرج ضمن هذا الهم و هذا المسار الذي يتحدث عنه مالرو.” ص127 (6) كما يقول روبرت لويس ستيفنسون: فقد يأخذ الكاتب شخصية ويختار الأحداث والمواقف التي تنمي تلك الشخصية.
في هذا الإطار أخذ الكاتب عبد الرحمن منيف في روايته” الآن .. هنا “تجربة شخصية المناضل الشيوعي حيدر شيخ علي تحت اسم طالع العريفي، واختار الأحداث والمواقف التي تنمي هذه الشخصية ، وأخذ أحداث سجن (إيفين) سَيِّئ الصيت تحت اسم سجن العبيد ، والمعاناة الحقيقيّة لهذه الشخصية خلال وجوده في المعتقل ..
لا ينكر منيف أن الكاتب الروائي لا بد وأن يختفي، أحيانا وراء شخصياته، فهو يقول:- “الرواية وعلاقتها مع الراوية علاقة شديدة التعقيد، بمعنى، أن الكاتب يخلق عددا غير محدود من الشخصيات لكن يحملها مقدارا متفاوتا من آرائه و قناعاته، وهذه الآراء والقناعات ليست بالضرورة تلك التي يرويها البطل أو تتصل بالبطولة الخارقة أو الحكمة. قد تقال على لسان المعتوهين أو الشخصيات الثانوية، وقد تقال رمزا أو بسرعة”(7)
الرواية أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف و أفكار و خواطر و هواجس الإنسان ، بتعبير ادق ،” في ما وراء البنية السطحية للحكي تكمن بنية تصويرية عميقة محورها الإنسان، وهي تسعى عن نسج صورة عنه.
هذه الصورة التي نفترضها في كل عمل روائي، ليست معطاة بل متروك للقارئ، في إطار تفاعله مع النص، مهمة بنائها انطلاقا من مجموعة من العلامات النصية التي تشكل نسيج النص الروائي، على اعتبار أن النص كما يقول أمبرتو إيكو: آلة كسولة تتطلب من القارئ عملا تعاونيا قويا من أجل ملء فضاءات المسكوت عنه أو ما سبق قوله و لم تملأ فراغاته، هكذا فالنص ليس سوى آلة اقتضائية . إن النص ليس في إمكانه قول كل شيء، و هو يفترض قارئا قادر على تحيين دلالاته.”(8)
عندما يدلي أحد رموز التجربة بشهادته كشاهد عيان عن أفظع تجربه وهو كان رهن الاعتقال على شكل وثيقة ذات قيمة اجتماعية، هذا لا يقلل من اهمية الكاتب والروائي عبد الرحمن منيف ولا من قيمة روايته وإبداعه الأدبي الراقي و بإضافاته على الرواية يمنحها المزيد من الصدق والحرارة و يغنيها ، وقد ابدع منيف في عرض هذه الأحداث المأساوية بصياغات غزيرة، و نقل القارئ لأجواء السجون التي تزهق الارواح وتذل الناس، وتصدر الموت وتترك أثارها النفسية وندوبها العميقة في الروح والجسد، كما هو الحال مع بطل الرواية الحقيقي بالفعل .
إن الروائي منيف لم يضع نفسه في إطار الجدران الاربعة للسجن وأَقْبِيَة التعذيب وراح أبعد من ذلك وأطلق العنان لخياله من خلال خياله الخصب وتمكن من وضع نفسه في أجواء انسانية جديدة ، ساعدته على التوسع، والانتقال من السجن إلى المشفى، ليخلق للقارئ عالمين متعاكسين و متناقضين المشفى كمكان يشفي ويحيي الناس والسجن مكان يذلهم ويميتهم .
يورد المؤلف على لسان السجين طالع العريفي ( الزنزانة في سجن العبيد قبر: صغيرة باردة، فارغة، أقرب الى الظلمة، وتنبعث منها رائحة الموت.
كما هو معروف فان الشعر الجيد، والرواية الجيدة، يعطيان صورة أعمق للمجتمع وأعتقد أن الأعمال الأدبية مثل الشعر والرواية هما أفضل وسيلتين للتصوير وفهم مجتمع ما. ونحن هنا بصدد ادب السجون وهي افضل من الروايات التي دخل كتابها السجون أو نقلوا عن شخصيات دخلت السجون لفترات طويلة وعاشت التجربة عن قرب.(9) ويتفق منيف مع هذه المقولة وقد كتب على لسان طالع العريفي في الفصل الثاني بعنوان (حرائق الحضور والغياب)”في يوم ما، إذا خلق فنان في بلادنا، وعرف معنى القهر والغيظ معا ولحظة التحدي ايضا، فسوف تجسد لحظات لا يمكن أن تتاح لأي فنان آخر في العالم”. الرواية ص. 313
أتفق مع الاٌستاذ جاسم المطير فيما قاله.. ( ليس من الصواب وليس من المفروض على الكاتب الروائي ان يشير الى مصادر روايتها والى احداثها او بعض اجزائها او وقائعها اذ يكون هذا الأمر مهمة القارئ الناقد ) (10). ولا بد أن نشير الى أن حيدر شيخ علي ، طلب من الفقيد فالح عبد الجبار ان يعيد الكاسيتات من أجل صياغتها من جديد ونشرها باسمه ولم يعترض يوما على عدم ورود اسمه في الرواية أما عن النص الروائي فقد صدَرت الطبعة الأولى من رواية ” الآن .. هنا ” عام (1991)، بثلاثة مفاصل هي .. الدهليز – حرائق الحضور والغياب – هوامش الأيام الحزينة.
تدور أحداث الرواية في بلدين وهما موران وعمورية وكلتا الاسمين مبهمين، والكاتب الذي يرسم ملامح الشخصيات وبشكل علامات متقطعة وفي أكثر من فصل، حتى تعرف أبعاد زمان ومكان الأحداث، وخاصة في القسم الأول الدهليز، و رويدا رويدا تتبلور الفكرة من خلال الأحاديث التي تجري و تتواتر بين عادل الخالدي وطالع العريفي مع الشخصيات الثانوية، والطاقم الطبي في مستشفى كارلوف – براغ وتكشف الهوية السياسية لكلاهما.
كما تبرز شخصية الكاتب السياسية حين يتناول بالدرجة الاساس موضوع الإنسان وعلاقته بالسلطة وحجب حريته في منطقة الشرق المتوسط،.. بصرخة مدوية ضد الممارسات اللا إنسانية، واستمرار أعمال القمع بشقيه النفسي والفيزيائي. كما يتطرق الى قضية الحرية، والديمقراطية والانظمة الديكتاتورية، والدعوة الى هدم السجون عبر إلغاء الخوف ومواصلة الكفاح لفضح الممارسات القمعية وتحدي القتلة بشجاعة .
يأخذ السجن حيزا كبيراً من الرواية خاصة في القسمين الثاني والثالث، مقارنة بالمستشفى في القسم الاول، وهذا الأمر لا يخلو من دلالة، بعد ازدياد حالة القمع في الشرق المتوسط وجنوبه، مما حدا بمنيف أن ينقل صورة الإنسان في حالته اللا إنسانية إلى ذهن القارئ
لقد تمكن منيف من توظيف أكثر من شاهد وأكثر من صوت، لإدانة الممارسات اللاإنسانية ضد المعتقلين في سجون شرق وجنوب المتوسط. بحكم ما للمكان من وظيفة نصية ، يساهم في توجيه القارئ ويقوده إلى إنتاج دلالة معينة، وأن البنية الثنائية تتمظهر على شكل ثنائية ضدية في الرواية يتحكم فيها المكانان الأساسيان وهما:
المستشفى والسجن، لكل من هاتين التسميتين مدلولاتها العميقة والمؤثرة .
استطاع الروائي عبد الرحمن منيف أن يأخذنا ببراعة لنتعرف على حال السجين السياسي في اقبية الموت المظلمة، حيث التعذيب الوحشي الذي يتعرض له بوسائل تهدر الكرامة الانسانية سواء بالتعذيب اللفظي الذي يستخدم اقبح الكلمات أو الفيزيائي الذي يطول كل جزء من الجسد دون استثناء. مشاهد مروعة لتعذيب اقل ما يمكن أن توصف به بأنها لا تصدر إلا عن وحوش يطلق عليهم بشرا عبثا.
في القسم الأول بعنوان الدهليز: السارد الأول هو عادل الخالدي ويشاركه طالع العريفي .. يبدأ القسم الأول بفقرة ( حين بدا موتي وشيكا .. أطلقوا سراحي! ) الرواية ص : 11
يروي لنا عادل الخالدي كيفية إطلاق سراحه وقضاءه أسبوع في البيت ثم سفره الى براغ للعلاج بعد إجراء الفحوصات اللازمة من قبل الأطباء .
( في نهاية الأسبوع، وبعد إجراءات عديدة، من ضمنها التعهد بالعودة حالما ينتهي العلاج، سافرت، او بالأحرى سُفرت الى براغ. ) سافرت تعني انه حر في سفره، أما سُفرت فلها احتمالين الأول أنه سُفر من قبل السلطات وهذا غير واقعي والاحتمال الثاني سُفر من قبل حزبه وتعهد بالعودة الى البلاد بعد العلاج لمواصلة العمل السياسي وهذا دعاه أن يقول سافرت .
في لقاء لتلفزيون العربية مع الروائي العظيم عبد الرحمن منيف،اردف قائلا ( اذا اراد ان يستمر ككاتب روائي وان يرى الحياة بتنوعها واختلافها مطلوب أن يحاول الحذر من حجم وجوده في الرواية ، لا شك ان الروائي موجود في كل في كل نص ولكن مبعثر ومتخفي ان صح التعبير من مجموع الصفات والمواقف ممكن أن تتسم بها هذه الشخصية او تلك في هذا المكان او ذاك ، يستطيع ان يخرج بعض المفردات له علاقة بصاحب العلاقة صعب أن تقول فلان الكاتب موجود في هذه الشخصية او بهذه الرواية .أنا معجب بشخصية متعب الهزال في حب مجوسية ، لا لأنه يشبهني ، فهو شخصية مرموقة له دور وعنده هموم ، هي جماع شخصيات عديدة متعددة وحتى شخصية صبحي المحملجي في رواية مدن الملح هو مجموعة من الشخصيات ، نقلت ملامح شخصيات عديدة من أماكن عديدة و حاولت ان أصبه في هذه الشخصية حتى تعكس الحياة الموجودة في أماكن معينة في فترة معينة.
وقد حاول منيف أن يصب في شخصية العريفي عدة شخصيات أخرى في هذا الفصل .
(… إن دكتور ميلان قال لرادميلا التي لم تستطع أن تحبس دموعها ” هذا المريض كان مصمم على الموت، لأنه يعتبر الموت وحده الرد على الإهانة التي وجهت إليه .. لم يتحمل الإهانة التي وجهت الى طالع بعد زيارة وزير نفط موران وعند سماع الخبر ( زفر طالع وأضاف بحزن وتهكم معا:
– لو اقتصر الأمر على الزيارة لهان لقد طٌلب من شبابنا أن يستعدوا هذه الليلة لمغادرة براغ.. كان حزينا لدرجة القهر، وكان ساخرا كحد السكين )الرواية ص: 24-25.. و ورد على لسان جوليا ( لكن أستطيع أن أٌعطي نفسي الحق أن اعتبر ما حدث لا يستحق كل هذا العناد، واعتبر أن موقفكما، انت والعريفي خاطئ ، فالأول قتل نفسه بشكل ما وأنت تصر أن تبقى مريضا.) الرواية ص: 91 ..
في الوقت الذي كان طالع العريفي في القسم الثاني حرائق الحضور والغياب يتحدى جلاديه، ويقاوم من خلال صمته رغم تعرضه للتعذيب القاسي ، بما فيه الضرب والجلد، والحرب النفسية، وتعريضه للجوع والعطش لحد لا يطاق، و حجزه في قبو مظلم لسنوات طويلة. أراد منيف من هذا إيصال فكرة عن موقف رافض وغير مقبول لسلوك النظام السياسي الانتهازي الحامل لاسم الاشتراكية في تشيكوسلوفاكيا حينها
في القسم الثاني الذي حمل عنوان حرائق الحضور والغياب ، يواصل السجين السياسي طالع العريفي من موران سرد المزيد من التفاصيل عن حياته ويكشف المزيد من أوراقه، التي تتمحور حول التحقيقات التي تم إجراؤها معه في محاولة جره للاعتراف على رفاقه والمهام التي كلف بها حال اعتقاله ، وما لاقاه من تعذيب نفسي وجسدي..
” قضيت في هذه الزنزانة سبعة شهور وبضعة أيام. “الرواية ص. 206 .. و عن سجن العبيد يقول في سجن العبيد ” انقضت خمس سنين نُسينا خلالها.” الرواية ص . 319.. وبعدها نقل الى السجن المركزي ومن ثم إلى سجن الأجانب.. هناك أطلق سراحه.. وبقائه معتقلا في هذين السجنين لفترة اخرى لحين تنفيذ القرار وتستكمل مدة بقائه في المعتقلات لأكثر من ست سنوات.
وعن السجون التي اعتقل و عذب فيها لإجباره على الاعتراف، نتوقف عند الزنزانة.. زنزانة الموت.. دون أن نعرف اسم السجن.. سجن العبيد، ثم المهاجع. ومن ثم النقل الى السجن المركزي وفيما بعد الى سجن الاجانب حيث اطلق سراحه. وهذا يتطابق بالضبط في كل تفاصيله مع الفترة الزمنية لاعتقال المناضل حيدر شيخ علي.. و عدد السجون التي دخلها.. لحين إطلاق سراحه أواخر 1987. ( مقابلة مع حيدر شيخ علي)
وهي أصدق صور قدمها منيف لتكون توثيقا تاريخيا لمعاناة السجناء والمعتقلين من خلال شخصية طالع العريفي و ما جرى من أفعال سادية وقمعية لاذلاله ومحاولات نزع الاعترافات منهم قسريًا.
بعد وصول طالع إلى سجن العبيد وسماعه التعليقات المهينة لإحباط وكسر إرادته وفل معنوياته يشحذ ذاكرته المتيقظة ويحاور نفسه: ( إمٌا أن تكون رجلا او تنتهي إلى الأبد.. وعليك ان تعرف: أنت الآن في مواجهة التحدي الكبير، إما أن تصمد أو تسقط ويشمخ في داخلي نداء عاتِ، صوت كأنه الطوفان : الإنسان لحظة قوة ، وقفة عز فأحذر) الرواية ص 218 – 219
وتتغير أساليب التعذيب وتصبح أبشع من الممارسات التي سبقتها وتغير لهجتهم. في لقائه الاول مع احد المحققين:
ـ لازم تعرف انت الان في سجن العبيد
و بعد قليل، و بلهجة واثقة و مرحة:
– ولازم تعرف أننا هنا نقدر نسوي كل شيء، لا أحد يسألنا و لا أحد يحاسبنا، شورنا من راسنا. نحن نقدر نخلي البلبل ينهق والحمار يغرد، و ما مر أحد من تحت أيدينا إلا و اعترف، و قال حتى بأي شيء كان يفكر أو يحلم”. الرواية، ص(228)
الشهيري يحقق مع طالع يدعي أنه يمتلك معلومات، ويحاول من خلال الحرب النفسية انتزاع الاعتراف منه، كما ان طالع يتوصل الى قناعة” ان معلوماتهم مشوشة ” في التحقيق ” كانت التهم تتغير فترة بعد اخرى ” الرواية ص: 208 فيلتزم الصمت والإنكار كأفضل كوسيلة للهروب من اسئلتهم ومقاومتهم، ويتعرض في زنزانات الموت المظلمة الى المزيد من التعذيب الوحشي، بوسائل تهدر الكرامة الانسانية واستخدام اقبح الكلمات .. أو الضرب الذي يطول كل اجزاء الجسد دون استثناء حتى النهاية.
طالع العريفي يخاطب نفسه متحدياً الجلاد متسلحا بالصمت وعناده الثوري و إنكاره للتهم الموجهة له والمعاملة اللا إنسانية تزداد سوءً ويتشدد الجلاد .. يقول طالع: (كان العناد الرفيق الذي لم يتخلى عني لحظة واحدة، كان يسندني بقوة كان يصرخ : ” احتمل سوف يتعبون ” ) الرواية ص 235
الجلادون :”ها لابن الحرام” “ما عنده الاّ اخ يمه، آخ يمه” الرواية ص: 237 طالع: ( قلت لنفسي: عذابات ساعات ولا ذل العمر كله، والرهان بيننا سوف يرون ) ص:
استطاع طالع أن يخرج من السجن مرفوع الرأس إذ أنه لم يعترف على رفاقه رغم التعذيب الذي مورس ضده:” و لم ينتظر الشهيري الجلاد الساخر :
– ” تريد أن تصير بطلا ؟ مشهورا ؟ تريد الناس تقول إن ابن العريفي دوخ جماعة سجن العبيد و ما قدروا عليه، و أنه طلع مرفوع الرأس ؟” الرواية ص. 272
في القسم الثالث.. هوامش الأيام الحزينة.. الذي خصص للسجين السياسي عادل الخالدي ورفاقه في سجون عمورية يسلط الخالدي الضوء من خلال سرده لمجرى الاعتقال والتحقيق لينقلنا الى داخل المعتقل بالتركيز على ما حدث معه وحالته النفسية وعلاقته بمن حوله وكيفية التعامل معهم ، يقول:
(كان الاستقبال يليق بسجين محكوم ومزود بتوصية المخابرات ” عنصر خطر، ولم يعترف، نوصي بمعاملته بما يتناسب مع خطورته وأهميته، و موافاتنا بتقارير دورية عنه ” ).
لقد مرّ في ثلاثة سجون في عمورية (سجن المركزي، سجن العفير، سجن القليعة). هذه السجون لها شبيه في العراق ، السجن المركزي في بغداد، سجن نقرة السلمان في الصحراء، وسجن الموصل في شمال العراق.
سعت الرواية لتشكيل صورة موحدة منسجمة لها لتصبح سجنا واحدا في ذهن القارئ يجسد طبيعة السجون التي حددت الرواية مكانها في (شرق المتوسط) بعناصرها المتناقضة والمتوازية: السجن والجلّاد في عمورية و موران، المستشفى والطبيب والممرضات، في براغ و فرنسا، القبو والدهليز، الشرق والغرب الموقف الإنساني وإلا الإنساني
العنوان و ملحقاته
العنوان أهم عنصر يوازي محتوى الرواية ويشكل مدخلا أساسيا لقراءة العمل الإبداعي لمنيف بصفة عامة ويكتسب خصوصيته عندما نتوقف ثانية مع عنوانه المكرر .. (الآن هنا.. او الشرق الأوسط مرة اخرى )، الان.. هنا خطت بالأحمر.. ( إذ أن لعبة الألوان تكتسي أهميتها بحيث أن اللون الأحمر يثير في مخزون ذاكرة القارئ الدعوة إلى الاستنفار و الحذر، و ضرورة التأهب للقيام بسلوك ما، من أجل مواجهة أمر جديد. إن له أثرا بسيكولوجيا قويا، فهو دعوة صريحة لليقظة. إننا أمام حالة تكتسي نوعا من الجدية.(11) وخطه بحروف كبيرة يوحي للعنوان الرئيسي، في حين خط العنوان الفرعي ( او الشرق المتوسط مرة اخرى) بحروف صغيرة ولون أسود لا علاقة لها بالتهميش بقدر ما لديها دلالة فكرية وسيكولوجية للتنبيه والتذكير والتأكيد على خطورة ما يحيطنا من سجون ومعتقلات وجرائم وشناعات.
وكان الروائي موفقا في اختياره للعنوان الذي اكتسب أھمية اعلامية وفكرية وفنية. كما یقول علي جعفر العلاق: العنوان يحدد ھویة العمل ويكرس انتماءه وعلاقته بالنص بالغة التعقيد.. انھا مدخل إلى عمارة النص، وإضاءة بارعة وغامضة لبھوه وممراته المتشابكة (12)
التعارف:
يلتقي عادل الخالدي في مستشفى كارلوف – براغ الذي يتلقى العلاج فيه بطالع العريفي وكلاهما مناضل سياسي و سجين سابق، تتشكل بينهما علاقات مبنية على الألفة والمودة، وصلت الى الانفتاح دون تحفظ، تسمح لأحدهم التعبير عما في أعماق نفسه والتصريح للآخر دون خوف او وجل .. يقول عادل:
” إن الذي غير حياتي و وضعني على حافة الموت هو أني تعرفت على طالع العريفي” الرواية، ص 14
– ” سيبقى السجن يا طالع ،يا طالع، وسيبقى السجان مادام هناك ظلم واستغلال” الرواية ص: 18
فأن ينادي عادل على طالع فقط باسمه الشخصي يدل على توثق العلاقة بين الاثنين وتعمقها.
وبما ان مكان لقائهما مدينة براغ فهذا يوحي بيقين أنهما يساريان يجمعهما فكر واهداف موحدة وهذا سر التفاعل السريع و توثيق العلاقة بينهما..
الزمان
من خلال قراءة النص لا يستطيع القارئ أن يحدد زمن كتابة الرواية التي صدرت طبعتها الأولى عام 1991. وكان عبد الرحمن منيف قد انتهى من كتابتها، دون أن يذكر متى بدأ بذلك، لو تمعنا في عنوان الرواية ستكون مفتاح مهم في فتح مغاليق الالغاز. يقول هوك “.. إن الوضعية التواصلية هي التي تمكن القارئ من ملئ معنى العنوان، وداخل هذه الوضعية الأصلية يشكل العنوان إذن إضمار سياقيا “. (13)
نلاحظ من العنوان ” الآن .. هنا ” أننا امام جملة غير تامة، الآن ظرف زمان وهنا ظرف مكان لان عنصر الفعل مغيب، و يعد الإضمار إضمارا سياقيا لأنه يجعل القارئ يساهم في استحضار هذا الحذف. فإذن يمكن أن نضيف الفعل حدث الان .. هنا يعني حدث شيئا في الوقت الحاضر أي قبل كتابة النص الروائي، حيث طبع الرواية في عام ( 1991 )، و بالارتباط مع العنوان الفرعي ( شرق المتوسط مرة اخرى) يذكرنا الكاتب بموضوع تلك الرواية وشخصياتها وكل ماله علاقة بمعاناة الإنسان داخل السجون والمعتقلات وتواصل تعذيب الانسان في الشرق الاوسط..
يمكن القول أن الفترة الزمنية تقع بين تسليم الكاسيتات الى منيف في خريف عام 1988 الى فترة طبع الرواية وهي أقل من ثلاثة سنوات.
كما ورد على لسان عادل الخالدي في الفصل الأول ” الدهليز “( إذ يسيطر عليً شعور أن كل شيء تبدد وسقط، وأن ليست هناك إمكانية لبداية جديدة، وخاصة، بعد أن توالت الخلافات، و معها الاتهامات والفضائح ، وبعد أن تغير موقف السلطات المحلية تجاه اللاجئين ). ص : 80 ( واخذت التحديات تتزايد والخلافات تتسع وتستحكم، والقطيعة معها الظلال اليائسة تغطي كل شيء ). ص: 83
( لأن اندرية كان يمر دوريا كل خميس، وكان يطلب أن نوقع على أوراق معينة بشكل روتيني، ولا شيء غير ذلك، فقد اصطحب معه ذلك الخميس رادي.)
( – نحن آسفون أن نبلغك بشروط المستشفى الجديد: بدءا من الأسبوع القادم سوف نجري الحساب بالدولار وعن طريق البنك، ولذلك يجب ان يتوفر لك ضمان بنكي من أجل تسديد أجور المستشفى. ) ص: 127
نستشف من الفقرات أعلاه إنها الفترة التي ترافقت مع التحولات العاصفة في أوروبا الشرقية وانهيار أنظمة مجموعة البلدان الاشتراكية التي كانت تشيكوسلوفاكيا واحدة منها عام 1988 و الانعطافة التي شكلت نهاية الحقبة الاشتراكية ( 1989) ، حينما كتب طالع العريفي أوراقه في المشفى، كما روي عن هذه الفترة عادل الخالدي ذكرياته عنها وهو داخل المشفى، حيث تغيرت الاوضاع وشهدت عودة للرأسمالية عام ( 1989) قبل سفر الخالدي الى باريس بأيام معدودة..
المكان
لم يحدد الراوي في روايته التي تجري أحداثها بعد خروج “طالع العريفي وعادل الخالدي ” من المعتقل، مكاناً جغرافياً معروفاً لهما، فقط اقتصر على بقعة جغرافية معينة هي الشرق الاوسط، وان كان يشير الى بلدان محددة في غُربهما وهي براغ مكان لقاء المعتقلين وفيما بعد توجه الخالدي الى باريس بعد وفاة العريفي.
لا بد ان نشير الى* إن النص يوفر بعض المعطيات من وظائفها تنشيط المعرفة الخلفية للقارئ وتحفيز مقدرته التأويلية، وبما أن هذه المعطيات هي علامات متقطعة ومبعثرة داخل نسيج النص فإن المقدرة الموسوعية للقارئ تعمل على اعادة بنائها.*( 14) وفي معرض شهادة طالع العريفي في موضوع اعتقاله كنت ” على مسافة غير بعيدة من السوق كانت تنتظرنا سيارتين، وبخفة وبراعة دفعوني في السيارة الأولى، و جلس الى جانبي اثنان، واحد من كل جهة، وانطلقت السيارتان بسرعة، وأخذنا طريق العوالي. ص: 167 “
وعندما يصف طالع العريفي السجن ويحدد مكانه في القسم الشمالي من موران ، على طريق العوالي ، مكان محظور على الاقتراب منه، إذ تحيط به اسلاك شائكة وثم أسوار عالية، اضافة الى نقاط للحراسة تمنع الوقوف المرور .”ص : 211
يستشف القارئ أنه سجن إيفين الرهيب (بالفارسية : زندان اِوین)، هو سجن إيراني في منطقة إيفين شمال غرب طهران ويقع عند سفوح جبال البرز . معروف من زمن الشاه اشتهر باحتجازه للسجناء السياسيين، حيث تواجد فيه مجموعة من سجناء الرأي في الأعوام السابقة للثورة الإيرانية عام 1979م وبسبب وجود عدد من المثقفين فيه فقد أطلق علية اسم “جامعة إيفين” . وقد حظر التقاط الصور بالقرب منه.(15)
لو تمعنا في هذا الوصف عن سجن العبيد في الرواية سنجد أنه ينطبق لحد كبير على سجن إيفين في إيران، نرى أوجه التشابه بينهما …ومن هذا المعطيات وغيرها وردت في الرواية يمكن أن نستنتج ان موران هي طهران.. أي أننا في سجون ومعتقلات إيران .
اما سجن العبيد او قصر العبيد كما يسمى ايضا فيمكن أن يذكرنا بالسنغال حيث تحول الى منطقة سياحية.. أو في السعودية حيث يقع في شمال الهفوف القديمة بجانب قصر إبراهيم الأثري الذي تفصله عن براحة الخيل. حوله خندق من الشمال والغرب ومحيطه بارز عن سور المدينة، و له ستة أبراج. وقد هدم عام 1975 وأصبحت منطقة سكنية وهناك سجن العبيد في موريتانيا ومناطق اخرى لفترة زمنية قريبة كان يسجن فيها العبيد.
في السعودية يتواجد سجن للسياسين يسمى “سجن العبيد” يقع في الأحساء وهي أكبر واحة نخيل، مترامية الأطراف تحيط بها الرمال من جهاتها الأربع. أما موقع سجن العبيد في الرواية فهو في العوالي . “لما تسلمت المخابرات العامة المكان كان السلطان الأول قد مات ، وعزل ابنه ، وجاء السلطان الجديد.
وكانت موران قد كبرت واتسعت عشرات المرات ، وكانت المخابرات العامة قد قدمت مئات المذكرات ، أن المكان قد ضاق ، لم يعد كافيا لاستيعاب اعماله او نزلائه! .
في هذه الفترة وغيرها، اضطر المسؤولون عن سجن العبيد الى حفر أنفاق إضافية، والى وضع بوابات حديدية، والى توسيع المكان من جميع الجهات. “ ص: 214
شُيد سجن إيفين في عهد الشاه بهلوي عام 1972، وأشرف عليه جهاز السافاك . صُمِّمَ السجن منذ البداية ليحتوي على 320 سجين (20 منهم في زنازين انفرادية، 300 في قطاعين جماعيين كبيرين) وجرى توسيعه عام 1977 ليحتوي على أكثر من 1500 سجين ( 100 منهم في زنازين انفرادية للسجناء السياسيين الأكثر أهمية. ومن جديد تم توسيعه في عهد الجمهورية الإسلامية ليتسع لـ 15000 سجين وفقاً للباحث إرفاند ابراهاميان .
لهذا نستنتج من الفقرات اعلاه ان مكان الاعتقال طهران – إيران وإن سجن العبيد هو سجن إيفين الرهيب الكائن في شمال غرب طهران وهي منطقة جبلية مرتفعة.
والسؤال الذي يتبادر للذهن.. لماذا لم يشير الروائي الى مكان السجن؟ !
في فترة كتابة النص الروائي، كان الحزب الشيوعي العراقي بحكم وجوده في المعارضة يزاول مهمات عديدة تطلب إنجازها في إيران بشكل سري، وتحديد مكان السجن بوضوح، كان سيؤدي الى تشديد المراقبة واعتقال المزيد من الضحايا، وإلحاق الأضرار بآخرين. لهذا لم يشير الراوي الى مكان السجن عن قصد، وقد أشار على لسان طالع العريفي وعادل الخالدي ان ذلك مرهون بالظروف المناسبة ويخضع لاعتبارات لا يمكن تجاوزها.
ورد على لسان طالع العريفي : * وإذا من حقّي او واجبي ان اسجل هذه التجربة بكل صدق وامانة فإن مسألة نشرها، إن كانت تستحق النشر ، مرهونة بالظروف المناسبة. – المهم كتابتها، أما توقيت نشرها فإنه يخضع لاعتبارات كثيرة.*ص: 29
وكذلك ورد على لسان عادل الخالدي وطالع العريفي من خلال النقاش الخيالي التي دار بينهما بعد موت طالع .. كانت أوراق طالع موجعة، نازفة، قلت لنفسي : * لا بد من نشرها * أطل علٌي بعينيه الضاحكتين و الحازمتين معا وقال:*
ـ مَن تكون حتى تقرر عني؟*
قلت له*
ـ انتبه ايها الرجل،.. الخ* قال بصوت مشروخ* ولكنني أودعتها امانة لديك، واحتفظت لنفسي، لرفاقي بحق التصرف بها، ويجب ان تكون امينا وتعرف الحدود* ويرد طالع على الخالدي انت تعرف في أي ظرف كتبت ص: 106
( حتى أوراق طالع التي تسبب لي بجروح بليغة .. فاضطررت ان اضعها في مغلف، وأن أكتب في أكثر من موضوع انها لطالع، لطالع وحده لكي تكون بعيدة عن المعارك الوهمية التي تخاض الآن، وأن لا يتم
التصرف بها لاحقا، إلاَ بعد استشارة عدد من الأشخاص، سميتهم بورقة مستقلة و ضعتها داخل المغلف.) ص: 147- 148
طالع العريفي لم يكن من مواطني موران
” كنت من الذين أرسلوا أول الأمر الى السجن المركزي، ثم الى سجن الاجانب؛ وفي هذا السجن قالوا :
-انت بالأساس لست من موران ، لم نجد لك قيدا ً، ولا يشرفنا ان تبقى بيننا، لذلك سوف تُسفٌر! وهكذا سُفٌرت. طوفت في أماكن عديدة يكفي هذا، أن نقول، طالع العريفي لم يكن من مواطني موران
يقول المحقق لطالع في المعتقل الأول :
“- لدينا معلومات أكيدة أنك من الدواحس، وأنك مكلف بمهمة..” الرواية ص. 172
يورد المؤلف على لسان عادل الخالدي في القسم الأول الدهليز (كما تراوده رغبة العودة، لكن متسللا هذه المرة، لان موران بعد ان تعبت منه، كما اعتبرته من رعاية الدواحس وابعدته. وقرار العودة لا يتم، ولا يمكن أن يتخذه دون موافقة المسؤولين في الداخل.) ص: 24 يعني أنه من رعايا دولة أخرى واستخدام كلمة الدواحِس مقصودة، دواحِسُ : جمع داحِس .. داحِس: (اسم) .. فاعل من دَحِسَ .. دَحَسَ بين القوم دَحْساً : أَفسد بينهم ،و”الفساد في الأرض” هي التهمة الأكثر خطورة في ايران ويعاقب عليها بالإعدام.
يوحي إلى التهمة الموجهة لطالع العريفي في موران، وهذا تأكيد واضح ان طالع العريفي ليس من مواطني موران. تم طرده منها.
في القسم الثاني ـ حرائق الحضور والغياب ـ ورد في أوراق طالع العريفي الفقرات التالية :
“اكتب هذه الأوراق بعد أن رُحَلت من موران، وبعد انقضاء فترة طويلة نسبيا على مغادرتي لموران ومعنى ذلك أنني الآن اقل انفعالا، ربما أقل حقدا، واحاول قدر ما استطيع، ان ارسم صورة لما حصل منذ لحظة القبض علًي، وحتى إبعادي عن موران” ص. 163 بعد أن رُحَلت من موران، يعني اُجبرت على الرحيل من موران, وحتى إبعادي عن موران يعني الطرد من موران ويستخدم في العديد من الدول وفي لغة القوانين ايضا، عندما يجري إبعاد الأجانب عن البلاد وهذا يعني (صحيح أن اعتقالي لم يكن متوقعا، اذ لم اكن معروفاً لا بالاسم ولا بالهيئة ، خاصة اني حديث الإقامة في موران .! ) ص : 167
وورد ايضا.. ( ماذا لو انتهى هذا النظام وجاء نظام صديق؟ ولكني لم استرسل في هذا الوهم اكثر من لحظة، قلت لنفسي: ( الاصدقاء يتعاملون بطريقة مختلفة، وهؤلاء لا يزالون أعداء وسيبقون كذلك حتى النهاية ). لم يقول نظام جديد بل قال نظام صديق يؤكد مرة اخرى ان طالع العريفي اعتقل في بلد غير وطنه ولم يكن أية دولة عربية . ص: 197
وعن التحقيق يستذكر .. (تركزت المعركة الاولى حول أُمور محددة: من اكون، اين اسكن، لماذا أنا هنا في موران؟! ) ص: 169
المحقق الشهيري – إسمع .. اكون مجنونا إذا تصورت أنك تستطيع إقناعي من خلال الأوراق المهترئة التي تحملها، أنك من موران وانك متسبب ( من اين حصلت على هذه الأوراق؟ من ارسلك الى موران ؟ ما هي المهمات المكلف بها ؟ اريد ان تجيب على الاسئلة .. والا! ). ص : 170 و 171
فإنْ للموتى جوازات خاصة بهم، وباعتبار أن المومأ إليه سبق وان أُبعد من موران، ولا يتمتع رسميا و جدارة بجنسيتها، لذلك نبلغكم اعتذارنا من صرف جواز سفر متوفي للمذكور ص: 58. وامكن بعد تدخل وسطاء كثيرون، صرف جواز سفر متوفي لطالع العريفي من دولة صديقة. ص : 59
إن النص ليس في إمكانه قول كل شيء، و هو يفترض قارئا قادر على تحيين دلالاته. ص : 110 الانسان في رواية منيف ومن الفقرات المذكورة اعلاه ايضا، يؤكِّد لنا ان السجين طالع العريفي لم يكن مواطناً من موران.
بطلي الرواية من بلد واحد ( العراق )
يحاول الكاتب من خلال بعض النصوص او الكلمات التي سعى لتمريرها، من اجل خلق اضافات دلالية بشكل غير مباشر واستغلالها في اثارة انتباه القارئ والوصول إلى معانيه .. ورد على لسان الخالدي: ( طالع العريفي مريض مثلي، جاء من موران للعلاج كما يحصل بين اثنين يتعارفان على ظهر باخرة أو في السجن تعارفنا ) ص: 14 ويسترسل الخالدي ( بدون ارتباك، وبكلمات قليلة قدم نفسه على أن من نزلاء المستشفى وانه يعرف التشيكية ويمكن أن يكون مفيدا لي إذا احتجت الى مساعدته، وقبل ان اجيب، تابع وهو يدور حول السرير:-
لدي بعض الكتب والمجلات يمكن ان اضعها تحت تصرفك. اعتبرت العرض الذي قدم إلي الآن سخيا وغير متوقعا، مما جعل رد فعلي موازيا لهذا السخاء، إذ رحبت بالزيارة، وبدر مني ما يشي بموقف ودي مبالغ، انتعش طالع كأنه لم يتوقع فقال بانفعال: (قلت لنفسى العرق دساس والدم أبداً ما يصير ماي ) ص: 15
يمكن أن تفسر هذه المقولة أنه يعرف الجيكية يمكن أن يترجم له إذا احتاج إليه، يعني أن طالع العريفي يتكلم العربية أو هو من مواطني البلدان العربية.
“العِرْق دَسَّاس” أي مثل شعبي يعني الطباع متشابه بينهم، كما في العائلة الواحدة يرث الابناء جينات الآباء يمكن ان يوحي الى أنهما من بلد واحد، والدم أبداً ما يصير ماي ” وهي مثل إماراتي و يستخدم في كثير من البلدان العربية ويفسر كلاهما يحمل نفس الفكر، أي أن اواصر العلاقات بين حاملي الفكر الواحد لا تتعكر، مهما بلغت الخلافات الفكرية بينهم، فإن في ساعة المحنة وشائج العلاقة تتقارب القلوب وتعطف على بعضها لما بينهما من أواصر تجمعهم في الفكر او اصل، والعائلة و البلد.
عند زيارة وزير نفط موران الى براغ منع طالع العريفي الخروج من الغرف و المستشفى وكذلك منع زيارته، و وضع شرطي على باب الغرفة، إلا أن الذي * استلم الحراسة الليلية كان طيبا ونبيلا *وسمح لعادل الخالدي بزيارته في تلك الليلة. ورد على لسان الشرطي ( – لا بد للسجناء والمرضى أن يجدوا وسيلة للترفيه وقتل الوقت، لذلك ليس لدي ما يمنع ان يزوره احد مواطنه، شرط أن يبقى الأمر بيننا! ورد على لسان عادل الخالدي* والاخت جوليا وافقت على هذه الديباجة كلها والشروط ركضت الى
غرفتي وطلبت ان ارافقها بسرعة. لقد كنت مرتبكا وأنا أسير الى الممر الطويل باتجاه غرفة طالع.* ص: 39
مواطن اسم فاعل من واطنَ أي مَنْ نشَأ معك في وطن واحد، هذه الكلمة توحي لنا انهما من وطن واحد، كما أن هناك إيحاءات من قبل المؤلف طالع العريفي ليس من موران.
في القسم الثالث وعلى لسان الخالدي” يفصح بالقول: عمورية منطقة موبوءة : إنها خليط من الثقافات والحضارات، …” الرواية ص. 379 ، كان العراق بلد الثقافات و الحضارات!
” استسلمت اخيرا، استجبت لما اراده عادل ومع ذلك سأسمع ما يمكن أن يقوله عن هذه الاوراق، سوف نناقش طويلا، وفي كل الأمور عندما تبدأ رحلة الجبل ” الرواية ص. 321
هذا مؤشر واضح ، كلاهما يعودان الى نفس البلد حيث يستقرون في الجبال في مهمة نضالية..
في هذه الفقرة يوحي الراوي.. ان الخالدي والعريفي ينتمون الى جهة واحدة ( … ولا يحق لك ان تنتقم مني يا طالع، فكلانا ضحية ومخدوع .) ص: 126 وورد على لسان طالع العريفي (… والان حان الوقت لكي نضرب بعضنا بعضا، ليس من أجل اقتسام المكاسب، فهذه غير موجودة، من اجل استمرار الوهم، .. وفي الصفحة 26 وعلى لسان طالع العريفي ( – قبل، وبعد فحص كامل، اكٌد لي الدكتور ميلان انني في حالة صحية جيدة ولن احتاج لأكثر من اسبوعين الى ثلاثة، لكي أٌغادر المستشفى إلى الجبال ) . على الأرجح يوحي الى جبال كردستان العراق حيث تواجد هناك قوات للأنصار الشيوعيين ، وبما أن طالع العريفي كان محسوب على الحزب الشيوعي ورد في الرواية على لسان الخالدي وهو يتجول في سجن الباستيل في باريس يذكر.. ان (سجون عمورية معظمها، كلها، تنفتح على الغرب والشمال .. وسرداب التعذيب في سجن عمورية المركزي أول ما يطالع “الزائر” وكذلك المشنقة” .الرواية ص.336 ” بعد ان اجتزت الباب الأول وصلنا الى الباحة الداخلية، كانت المشنقة ناحية اليمين، وكان درج السرداب ناحية اليسار وبينهما كان الباب الذي يؤدي الى السجن” الرواية ص. 337. ” وللنساء جناح خاص في السجن المركزي” الرواية ص. 241 الى “اليسار وسيؤدي الى به القسم السياسي ” الروايةً 242
عندما يصف عادل الخالدي في القسم الثالث من الرواية السجن المركزي.. ينطبق ما ورد في الرواية الى حد كبير على السجن المركزي في باب المعظم – بغداد.. والنص التالي يوحي لذلك :”في السجن المركزي أناس متدينون أقرب الى الدروشة، يفخرون انهم احفاد الرفاعي والبدوي وعبد القادر الكيلاني، دما وانتسابا… ولا يترددون جهدا من اجل اقناع أبي عبدالله دركل زعيم المتصوفة.. ” ودەركە له ” ناحية تقع في كردستان العراق وكل المؤشرات توحي ان عادل و طالع عراقيان.
وعن سجن العفير ورد عن الخالدي:
(” وسجن العفير لم يكن سجنا، كان قلعة وسط الصحراء، كان مخفرا متقدما لمنع تهريب الأسلحة.. ثم سجنا للخطرين من الخصوم السياسيين”..” لذلك كان يرسل إليه السياسيون لكي يزوره ويقضوا فيه أياما أو ليبقوا فيه سنين متتالية .. إلى أن ينسوا ما كانوا يفكرون فيه وتختلط آلامهم مع يأسهم. وخلال ذلك ينساهم الناس أيضا ! ” ) الرواية ص. 373
هذا الوصف يتطابق مع سجن نقرة السلمان غرب العراق:
” كان السجن في نقرة السلمان يقع في منتصف الصحراء وتحيط به الذئاب وكان سابقا قلعة تبعد 160 كم من مدينة السماوة، وكان مقر بادية الشرطة الجنوبية. ثم تحول الى سجن للسياسيين، وكان الغرض من إنشاء هذا السجن لعزل السجناء السياسيين عن العالم الخارجي وتجريدهم من كافة حقوقهم كسجناء وتعريضهم للتعذيب الشنيع بحق كل من يصل الى هناك وانتهاك كرامتهم من قبل ادارة السجن”(16)
الاستنتاج
لا يمكن لأي قارئ او ناقد إلا ان يقف مبهوراً أمام قدرة الروائي الكبير عبد الرحمن منيف، خاصة فيما يتعلق بأدب السجون التي غاص في أعماقها لدرجة مدهشة وجعلها في سرده تحفة ادبية راقية تذكرنا بعارينا وذلنا مع ما يحدث في السجون من عذابات ألا انسانية .
فقد تمكن الكاتب القدير منيف على خلق التوازن بين السرد والحوار والانتقال بينهما بسلاسة، وإبراز مشاعر الشخصيتين على الورق وجذب القارئ للأجواء التي عاشوا فيها ليتضامن معهم كضحايا وبشر يعانون من الاضطهاد والظلم والعسف ..
ولا يتوقف هذا عند شخوصه الرئيسية والثانوية، وطرحه لعالمين، السجن المكان اللا إنساني، بوجود المحققين والجلادين والضحايا من المعتقلين.. والمشفى ببعدها الإنساني وما فيها من طاقم طبي ومرضى .. تبين الوقائع أنه من المثقفين و الحالمين بعالم افضل، يجمعهم تنظيم سياسي و غرف التعذيب والارادة الصلبة والصبر والصدق والافكار النيرة .. ( لا تظهر نتائجها بسرعة، حين تنفذ الى عقول الناس وقلوبهم و تستقر هناك وتكون قادرة على فعل الكثير ) الرواية ص: 20 .. بما فيها مقاومة الجلاد والانتصار عليه .. أن الإنسان يخلق الجلاد من خلال خوفه و رعبه قبل أن يدخل السجن وهذا ما يريده الجلادون ليقهروا المناضلين.. هذا ما وعاه ابطال الرواية في كفاحهم من اجل الحرية ومواجهة القمع ،على امتداد أحداث الرواية .. رغم بشاعة المعتقلات والجرائم التي ترتكب بحق الأبرياء فيها .. ابواب مقفلة وزنزانات مغلقة في قبو مظلم تحت الأرض.
في رواية الشرق المتوسط “يبدأ رجب مناضلا ويسجن فيصمد أولا ثم يضعف فيوقع على ورقة يستنكر فيها ماضيه” أما في رواية ” الآن .. هنا ” فطالع العريفي في الفصل الثاني ” حرائق الحضور والغياب ” وعادل الخالدي و رفاقه في هوامش ايامنا الحزينة بعكس رجب لهم مواقف بطولية رغم التعذيب البشع الذى مورس معهم في موران وعمورية .
يفكر رجب في كتابة رواية ويعيش هذا الهاجس، وخاصة أنه في لحظات معينة من عمره يؤمن بأن الكلمة سلاح يمكن للمرء أن يحارب بواسطتها ص الرواية ص: (146) لكنه ، في آخر أيام حياته، بعد التعذيب الرهيب الذي ذاقه على أيدي الجلاوزة ، يفكر في تمزيق أوراقه وعدم نشرها.. وفي رواية ” الآن .. هنا ” على لسان عادل الخالدي “حرضته وجعلته يفكر بالكتابة ” ص 17 و اما على لسان طالع العريفي – هل تعتقد أن الكلمة يمكن أن تواجه الرصاصة أو تحرير سجين؟ ص 19 و يجيب عادل الخالدي، وانا اقول لك و متأكد مما أقول، إن الكلمة الصادقة قد لا تظهر نتائجها بسرعة ، ولكن حين