انتابت الشارع العراقي مخاوف كبيرة من عودة البلاد إلى التناحر الطائفي، بعد العملية التي نفذها تنظيم “داعش” في محافظة ديالى وتلتها عملية أخرى لمجهولين في قرية مجاورة.
وتركت العمليتان علامات استفهام كبيرة حول التوقيت وأسلوب التنفيذ وتأخر وصول القوات الأمنية للمنطقة، الأمر الذي أثار غضبا كبيرا بين المواطنين…فهل يجري استخدام التنظيم سياسيا؟.
تعليقا على العملية الأخيرة التي قام بها تنظيم داعش “المحظور في روسيا” في محافظة ديالى، يقول الدكتور معتز محيي عبد الحميد، مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية في العراق، أعتقد أن هناك مجاميع من تنظيم داعش تحاول أن توجد لها أرضية جديدة في تلك المناطق أو عودة ثانية، لأن تلك المناطق شهدت معارك ضارية في السابق، خصوصا قرى المقدادية بمحافظة ديالى باتجاه مناطق خانقين”.
أسلوب جديد
ويضيف في حديثه لـ”سبوتنيك“، “أن أغلب سكان تلك المناطق من الشيعة والقرى القريبة منها من المجاميع السنية، لهذا كانت العملية التي قام بها التنظيم في ديالى مثيرة للاستغراب من قبل المواطنين، لأن العملية استهدفت فقط القرية التي يسكنها فقط مواطنين من الشيعة، والمثير أيضا أن عناصر التنظيم لم يستخدموا السلاح الناري فقط في عمليات القتل، بل استخدموا أيضا “السكاكين” لإيقاع أكبر عدد من الضحايا، وهذا أسلوب جديد في القتل، فكما نعلم أن المسلح يستخدم السلاح بصورة سريعة لتنفيذ ما يريد ثم يلوذ بالفرار، وهذا الأمر يؤكد أن هناك مخطط قام بتسهيل عملية الدخول إلى تلك المنازل وقتل النساء والأطفال وأسر بعض الرجال واقتيادهم إلى مناطق نائية”.
الضعف الأمني
وحول إمكانية أن تكون جهات أخرى تهدف إلى إشعال الطائفية في العراق مجددا، يقول مدير المركز الجمهوري: “لا أعتقد أن جهات أخرى هي من فعلت ذلك، وبيان التنظيم اليوم أكد أنه هو من قام بتلك العملية، كما أن أسلوب القتل والترويع الذي تمت به العملية هو أسلوب التنظيم وليس أسلوب التطاحن الطائفي الذي كان سائدا في العام 2004 و2005، علاوة على أن الأرضية غير مهيأة للصراع الطائفي مجددا، بل على العكس شهدت تلك المناطق سلام مجتمعي ووئام بين كافة الطوائف القريبة من بعضها البعض، نعم القرى شهدت نزاعات، لكن منذ فترة طويلة لم تشهد خلافات عشائرية أدت إلى قتل أو تناحر طائفي”.
وأكد عبد الحميد “أن الضعف الأمني الحالي وعدم وجود قوة أمنية متمركزة منذ فترة طويلة، ساعد ذلك الدواعش على التسلل والقيام بهذه العملية، وأرى أن الخلل الأمني أحد الأسباب الرئيسية، ولذلك نجد رؤساء العشائر استقبلوا الوفد الحكومي الرسمي وكانت هناك حالة غضب عارمة من قبل المواطنين وأبناء المنطقة لعدم تمكن القوات الأمنية من الوصول السريع والقضاء على الدواعش قبل تنفيذ العملية أو منعهم على الأقل من سفك الكثير من الدماء البريئة”.
فكر التنظيم
وأوضح أن العراق انتصر على “داعش” عسكريا وحرر المدن من قبضة التنظيم، لكنه لم يقض على فكر التنظيم، لذا نجد أن فكر “داعش” موجود عند بعض الشباب وبعض الأشخاص الذين تضرروا من الحكومات والقوانين الحالية، والتهجير وعدم عودة أبنائهم إلى العمل، كما أثرت البطالة بصورة كبيرة جدا على الوضع الراهن، حيث لا يجد الشاب أرضية للعمل حتى يترك أو يتجنب هذا الفكر.
ولفت عبد الحميد إلى أن تنظيم “داعش” يمتلك ثروات طائلة من خلال سرقة البنوك، وتلك العملية الأخيرة أكدت أن التنظيم موجود، ومنذ أيام تم القبض على المسؤول المالي للتنظيم وأيضا تحتجز السلطات العراقية العديد من القيادات، هذا بخلاف من تم قتلهم منذ فبراير/شباط الماضي، ولو لم يكن هناك دعم مادي كبير لما استطاع التنظيم القيام بمثل تلك العمليات، أضف إلى ذلك الضعف الأمني وعدم التنسيق.
بندقية للإيجار
من جانبه يقول أمين عام اتحاد القبائل العراقية بالعراق، ثائر البياتي، إن التعريف الحقيقي لتنطيم “داعش” هو “بندقية للإيجار”، والجميع استفاد منها ونقصد بالجميع دوليا واقليميا ومحليا، لذا لا
نستغرب ظهور التنظيم مجددا في هذا الوقت بالذات بعد انتكاسة أتباع إيران في الانتخابات الأخيرة، والأهم من ذلك هو الضغط الدولي على طهران بما يخص أذرعها بالأخص في العراق، والجميع يعلم أن التوأم السيامي داعش والمليشيات يعيشان معا ويتنفسان معا، و بموت أحدهما يموت الآخر.
مؤشرات العودة
ويضيف في حديثه لـ”سبوتنيك“، “أن مؤشرات لعودة “داعش” ظهرت منذ أشهر، بعد أن تم نقلهم من سوريا إلى العراق عبر ممرات وطرق حدودية تسيطر عليها الميليشيات، بشكل خاص في منطقة جزيرة الموصل، ومن خلال المصادر تبين أن هناك عمل كبير وإعادة هيكلة التنظيم وتوحيد مجاميعه و مبارزه المنتشرة في أطراف المدن في ديالى والأنبار وصلاح الدين والموصل، من أجل تنفيذ أجندة جديدة وتسليحه كان من ضمن مهام مليشيات الفتح المبين وهو جهاز استخبارات منظمة بدر وسرايا الخرساني المرتبطة بالحرس الثوري بشكل مباشر.
استخدام مدروس
وأكد البياتي أن استخدام “داعش” الآن كان مدروس، بعد أن فشلت كل محاولات الأحزاب الولائية الخاسرة بإعادة الانتخابات وتعديل النتائج فلم يتبقى أمامها إلا خيارين “الموت السريع والموت البطيء”، والموت السريع هو تنفيذ تهديداتها بالاقتصاص من مفوضية الانتخابات والكاظمي والدخول للمنطقة الخضراء والسيطرة عليها، ولكن تأجل هذا الخيار بسبب الضغوط الأمريكية وتهديدها المباشر لكل من يتخطى الخطوط الحمراء، مع صفعه الاعتراف الدولي بالانتخابات ونتائجها، وفوز الصدر بأغلبية ساحقة مما مكنته من تصدر المشهد وتشكيل الحكومة القادمة، والذي أعلن عداءه للمليشيات الولائية وحزب الدعوة بقيادة المالكي، الذي يعتبره الصدر سبب دمار العراق، ولم ينسى صولة الفرسان التي أسقطت جيش المهدي في البصرة، والأهم أن أغلب قيادات المليشيات الولائية خرجت من تحت عباءته وانشقت عنه.
الموت البطيء
وتابع أمين اتحاد القبائل، الخيار الثاني أمام القوى الخاسرة والمتمثل في الموت البطيء، وهو القبول بنتائج الانتخابات مما سيمكن الصدر من أن تكون تحت يده أداتين قويتين، من خلال الحكومة القادمة والبرلمان لإصدار قوانين وقرارات، تنهي نفوذ الميليشيات والدولة العميقة التي أسسها المالكي ومن خلفه إيران داخل الدولة العراقية، لهذا لم يتبق أمام الخاسرين ومن خلفهم، إلا خلط الأوراق ومحاولة اللعب على وتر الطائفية مرة أخرى، من خلال عمليات “داعش” وضربها أهداف منتخبة ومناطق مختلفة، وعملية ديالى لن تكون الأخيرة بل ستتبعها عمليات أخرى وفي مناطق عديدة، لكن نسبة نجاح تحقيق الهدف غير مضمونه وترجيح فشلها بسبب التغييرات المجتمعية ووعي الناس، إضافة إلى سقوط الأحزاب وتحميلها مسؤولية كل الفشل والكوارث والفساد الذي ضرب العراق من الشمال إلى الجنوب.
ويقول البياتي: “إننا على يقين بأن هذه الخطوة لن تنجح في تحقيق هدفها لكنها من وسائل الضغط وكسب الوقت، والسؤال..هل سينجح الصدر في رد الفتنة التي يريدون إشعالها وسحب البساط من تحت أقدام الولائيين، نعتقد نعم، لكن سيأخذ وقت”.
أصدرت هيئة الحشد الشعبي، أمس الأربعاء، بيانا رسميا على خلفية الأحداث الإرهابية التي شهدتها قرية الرشاد التابعة لقضاء المقدادية بمحافظة ديالى.
وقال البيان: “تعلن قيادة الحشد الشعبي أنها بكامل جهوزيتها للتحرك على أي منطقة تشهد خرقا أمنيا وتضع كافة إمكانياتها العسكرية والأمنية تحت إمرة قيادة العمليات المشتركة لمعالجة أي خرق ولدعم قواتنا المسلحة البطلة”.
وأضاف البيان: “وفي ذات الوقت تنفي عمليات الحشد الشعبي ما يتم تداوله في بعض مواقع التواصل الاجتماعي بأن قرية الرشاد في قضاء المقدادية التي حصل فيها الخرق الإرهابي هي ضمن مسؤولية أبطال الحشد الشعبي، ورغم ذلك بعد الحادث مباشرة تم إرسال تعزيزات من قبل عمليات ديالى الحشد الشعبي لمكان الجريمة”.
أفاد مصدر أمني عراقي، أمس الأربعاء، بمقتل 7 أشخاص في هجوم لمسلحين مجهولين على قرية نهر الإمام، المجاورة لقرية الرشاد التي شهدت هجوم مجزرة الثلاثاء الماضي في محافظة ديالى شرقي البلاد.
ويأتي هذا الهجوم الإرهابي بعد نحو أسبوعين من الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، والتي أظهرت نتائجها حصول التيار الصدري، بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، على العدد الأكبر من المقاعد.
سبوتنيك عربي.