أثار منشور على مواقع التواصل الاجتماعي من حساب الصفحة الرسمية للعميد غالب العطية، مدير الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية العراقية، جدلا واسعا حول ظاهرة استغلال القاصرات في البلاد.
وجاء فيه، أن الشرطة المجتمعية في دائرة العلاقات والإعلام، توصلت إلى حقيقة مقطع فيديو نُشر مؤخرا، يظهر امرأة تقول إن “طليقها والد ابنتها البالغة 12 عاما، زوجها، بالإكراه خارج المحكمة دون رضى الفتاة، وقد كانت تحت رعايتها بعد طلاقها”.
وبين العطية أنه شكل فريق عمل مشتركا “من شعبتي الشؤون النسوية وشؤون العشائر التابعة للشرطة المجتمعية للوقوف على حقيقة الأمر”.
وكانت النتيجة، بعد لقاء الفريق بالفتاة ووالدها وزوجها وشقيقها “تأكيدها أن الزواج تمّ برضاها، وهي سعيدة به، دون إكراه أو إجبار من أحد”.
كما اطلع فريق الشرطة على العقد الشرعي الذي تم بموجبه زواج الفتاة القاصر، وقال العطية إن “الشرع والقانون يجيزان زواج القاصر بوكالة ولي أمرها (الوالد)”.
وأضاف أن “الشرطة المجتمعية نفذت أكثر من حملة توعوية للحد من حالات زواج القاصرات في أغلب محافظات البلاد”.
“وستستمر الشرطة المجتمعية بحملتها التوعوية للحد من هذا الزواج، وتتابع القضايا التي يثبت فيها إجبار القاصرات على ذلك، وتتخذ بحق المتورطين الإجراءات القانونية”، تابع العطية.
وأكد أن الشرطة “جادة في معالجة المشاكل الاجتماعية بالتعاون مع الجهات المختصة ومنظمات المجتمع المدني ووعي المواطنين”.
“طفلتي غير متزوجة”
“ارفع صوتك” أجرى مقابلة مع حنان صاحبة الفيديو، ووالدة الطفلة، التي أكدت “إجبار ابنتها القاصر على قول ما قالته للشرطة المجتمعية”.
تقول حنان “منذ فترة قصيرة، سافرتُ لجلب بضاعة جديدة، لأنني أبيع الألبسة إلكترونيا عبر صفحات متعددة في مواقع التواصل، وقمت بترك ابني وابنتي عند أمي لترعاهما أثناء غيابي”.
والطفلة مواليد عام 2009، نجحت حتى الصف السادس الابتدائي، أما طفلها الآخر فهو من مواليد 2007، ما زال في الثالث ابتدائي.
وخلال سفر حنان، اتصلت بها أمها لتخبرها أن طليقها “أتى مع زوجته، وأخذ الطفلين معه لمنزله الذي يسكن فيه”.
توضح حنان، التي انفصلت عن زوجها قبل سنوات وتحتفظ بحضانة الطفلين، أنها لم تشغل بالها كثيرا، لأن هذا يحدث عادة، فليست أول مرة، حتى حدث شيء مختلف.
تقول “اتصل بي طليقي بعد يومين، وأخبرني أن طفلي لا يريدان العيش معي، ويفضلان العيش معه، وإذا كان لدي أي اعتراض، ستكون المحاكم بيننا”.
وتؤكد حنان أنها “لا ترغب باللجوء إلى المحاكم إذا كان طفلاها بالفعل يريدان ذلك، بشرط ألا يترك الولد مقاعد الدراسة وألا يتم تزويج البنت”.
وما استجد، أن الطفلة في مكالماتها الهاتفية مع أمها، أخبرتها أن”والدها يضغط عليها لتزويجها” وفق ما تقول حنان، التي “ما زالت تحتفظ برسائل من طفلتها تؤكد ذلك”.
وتبين لـ”ارفع صوتك”، أنها حاولت لقاء ابنتها، ولجأت إلى المحكمة لرفع دعوى أنها “قاصر ويريد والدها تزويجها قسرا” ضد الأب، لكنه لم يمتثل أمام القاضية إلا بعد الاستقدام الثاني، ليخبر القاضية شفوياً أن “ابنته متزوجة بعقد شرعي”.
“القاضية لم تفعل شيئا غير الإفراج عنه بكفالة مالية، حتى من دون أن تحضر الطفلة وتتحدث معها”، تتابع حنان.
وتشير إلى أن طفلتها “تعرضت للاستغلال والتخويف بغرض تزويجها”، بالتالي لا تريد لها أن تبقى مع أبيها.
وتنفي حنان أن تكون ابنتها متزوجة، موضحة “كيف زوجوها بعقد شرعي خارج المحكمة من دون أوراقها الرسمية؟ فكافة أوراقها الثبوتية في حوزتي”.
وكانت حنان قد انفصلت عن زوجها عن طريق الخلع القانوني، حيث تنازلت عن حقوقها كافة مقابل الطلاق، وذلك “بسبب تعرضها لتحرش جنسي واعتداء من قبل والد الزوج”، وفق قولها.
كما تخلت حنان بعد تقدمها ببلاغ رسمي لأحد مراكز الشرطة في بغداد عن “قضية التحرش حينذاك، وقبلت بالتنازل، لأنها تعرضت لتهديدات بالقتل”.
وتشير إلى أنها “أعادت تحريك قضية التحرش مجددا في المحكمة”.
وحاول موقع إرفع صوتك التواصل مع والد الطفلة للحصول على رد، لكن من دون جدوى.
المجتمع والقانون
من جهتها، لا تستغرب المحامية عواطف حسون، من أن يتم “تقبل تزويج طفلة بعمر 12 عاما، رغم أن القانون تساهل في زواج من أكمل الخامسة عشرة من العمر”.
وتؤكد لـ”ارفع صوتك”: “القانون لم يصل لهذا العمر حتى نتجاوز القضية”.
ويشترط قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1959 المعدل، إكمال 18 عاما للزواج، حسب (المادة 7 الفقرة 1)، بينما (المادة 8) من القانون ذاته في الفقرة (1 و 2) تنص على:
1 – إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج، فللقاضي أن يأذن بذلك، إذا ثبتت له أهليته وقابليته البدنية، بعد موافقة وليه الشرعي، فإذا امتنع الولي، طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار، أذن القاضي بالزواج.
2 – للقاضي أن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك، ويشترط لإعطاء الإذن، تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية.
تضيف المحامية حسون “مشكلتنا بالأساس تتعلق بالمجتمع والقانون”، موضحة “لو كان لدينا قانون مناهضة العنف الأسري لما تمكن الأب من اختطاف طفلته من حضانة أمها، كذلك لكان حريصا أيضا على عدم تزويجها وهي قاصر؛ لأن القانون يحاسب تزويج الطفلات”.