يرتبط الأصلاح التربوي بالأصلاح السياسي, وقد يبدو من العبث الحديث عن اصلاح العملية التربوية والتعليمية في العراق دون ان تسبقه خطوات جدية في اصلاح المنظومة السياسية العامة, والتي تنعكس بدورها في اصلاح العملية التربوبة والتعليمية عبر رسم ملامح فلسفة تربوية لقطاع التربية والتعليم, قوامها الاستجابة الأكيدة للمنجزات العلمية والتقنية التي تفرزها ظروف العصر المعلوماتي المتغير دون انقطاع الى جانب الاستجابة الماسة الى حيثيات التغير الجارية في المجتمع العراقي, من الحاجة الى صنوف التخصصات والمهارات العالية والوسطى والعمالة الماهرة الى جانب اعادة النظر في المنظومة القيمية والأخلاقية بعيدا عن قيم الدكتاتورية والعبادة الشخصية والتزلف والانتهازية الاخلاقية.
لقد اثار قدوم السلطات ” التربوية ” في العراق على التغير والعبث في المناهج الدراسية في مختلف المراحل التعليمية وفي مختلف المحافظات الكثير من الجدل والقلق المشروع لدى الأوساط المتخصصة التربوية منها والشعبية والحريصة على هذا القطاع وتطوره المستقبلي, حيث أن الشكوك تطال إلى آليات التغير ومحتواه, وعلى ما يبدو فان عمليات التغير تهدف إلى مزيدا من التخندق الطائفي والاثني والعرقي عبر نصوص وممارسات منحازة, تنح بقراءة مكررة ومعسولة للتاريخ بهدف إحياء الميت منه لأغراض تشديد قبضة الصراع الطائفي والعرقي, وأحياء للفكر و للحركات الماضوية التي عفي عليها الزمن, والتي لا يمكن القبول بها في بلد يطمح إلى بناء قيم التسامح والديمقراطية والتعددية, وإعادة بناء فكرة المواطنة على أسس معاصرة, بعد أن مسخها النظام السابق بفكرة الولاء للقائد أولا ثم الوطن في الآخر.
واستنادا إلى أهمية المنهج التربوي باعتباره العنصر الأساسي في العملية التربوية والتعليمية, والذي يقرر إلى درجة كبيرة محتوى هذه العملية وجودتها وكفاءة مخرجاتها من التلاميذ والطلبة في مختلف المراحل والقنوات التعليمية, فقد عكفت النظم العالمية والديمقراطية منها بشكل خاص على الاهتمام بتطوير المنهج وأغناء محتواه, لكي يستجيب لظروف الحياة المتغيرة في مختلف الحياة, الاقتصادية, والاجتماعية, والثقافية, والتكنولوجية وكل مستجدات عصرنا المتسارع بدون انقطاع , وخلق خريجين على مستوى عالمي من الجودة, وبالعكس من ذلك فقد قامت النظم المستبدة والمتخلفة على توظيف المنهج لأغراض فئوية ضيقة, سياسية ودينية وطائفية وشوفينية بهدف إعداد مواطن موالي لنظام سياسي أو لدين ما أو لطائفة بعينها أو لقومية دون أخرى, وخلق مواطن لا يفقه قيمة النقد للظواهر الحياتية المختلفة, تسهل قيادته بمختلف الاتجاهات, كما فعل النظام السابق المقبور عندما قاد البلد إلى مختلف الكوارث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحروب المدمرة, وقد اعتمد بذلك على تسييس المنهج الدراسي وتشويه محتواه بما يخدم أغراض توجه النظام وعدوانيته في الداخل والخارج, من خلال إعداد عقليات مطابقة لمنظومته القيمية الفاسدة.
أن المنهج الدراسي أو التربوي في سياق حديثنا لا يقصد به المفهوم التقليدي للمنهج, والذي يقصد به المقررات الدراسية ” الكتب ” التي تقدمها المدرسة أو الجامعة لدارسيها, بل المقصود به, وكما هو متعارفا عليه عالميا ومحليا ” بالمنهج الحديث, الذي يمكن تعريفه بأنه : ” مجموعة الخبرات التربوية التي تهيؤها المؤسسة التعليمية والتربوية لدارسيها سواء داخلها أو خارجها وذلك بغرض مساعدتهم على النمو الشامل المتكامل, أي النمو في كافة الجوانب العقلية والثقافية والدينية والاجتماعية والجسمية والنفسية والفنية نموا يؤدي إلى تعديل سلوكهم ويكفل تفاعلهم بنجاح مع بيئتهم ومجتمعهم وابتكارهم حلول لما يواجههم من مشكلات “.والمنهج بهذا المفهوم يعني ما يأتي :
1ـ إن المنهج يتضمن خبرات مربية وهي خبرات مفيدة تصمم تحت إشراف المدرسة لإكساب الدارس مجموعة من المعلومات والمهارات والاتجاهات والسلوكيات المرغوبة.
2ـ إن هذه الخبرات تتنوع بتنوع الجوانب التي ترغب المدرسة في إحداث النمو فيها ولا تركز على جانب واحد فقط من جوانب النمو كما هو الحال في المنهج الكلاسيكي.
3ـ إن التعليم هنا يحدث من خلال مرور المتعلم بالخبرات المختلفة ومعايشته ومشاركته في مواقف تعليمية متنوعة, أي أن التعليم هنا هو تعليم خبري.
4 ـ أن بيئة التعلم لا تقتصر على حجرة الدراسة أو ما يدور داخل جدران المدرسة, في المعامل أو الملاعب أو الفناء, بل تمتد بيئة التعلم إلى خارج المدرسة فتشمل المصنع, والحقل والمعسكرات, وغيرها وهذا يتضمن تعرض الدارس للخبرات المتنوعة بنوعيها المباشر وغير المباشر.
5 ـ إن الهدف الذي يسعى إليه المنهج عن طريق هذه الخبرات هو النمو الشامل المتكامل للمتعلم والذي يؤدي إلى تعديل سلوكه أي إلى تعلمه, وحصيلة هذا التعلم تساعد على تفاعل المتعلم بنجاح مع البيئة والمجتمع.
6 ـ إن تفاعل المتعلم بنجاح مع البيئة والمجتمع يعني انه يتأثر بما يحدث فيها ويؤثر فيها أيضا والمقصود بتأثير الفرد في البيئة والمجتمع هو استخدام المتعلم لعقله في مواجهة التحديات والمشكلات التي توجد في بيئته ومجتمعه ومحاولة التغلب عليها وحلها, لذا أصبحت تنمية قدرة المتعلم على المشكلات هدفا مهما من أهداف المنهج.
7 ـ في عالم سريع التغير كعالمنا الذي نعيش فيه لا يكفي حل واحد للمشكلة المطروحة, بل هناك ضرورة لابتكار بدائل لهذا الحل لاختيار المناسب فيها وفق الظروف المتغيرة والأفكار المتاحة, لذا أصبح تنمية ابتكار المتعلم هدفا هاما من أهداف المنهج ينبغي إعطاءه الأولوية له من بين الأهداف الأخرى التي يسعى إليها المنهج.
ومن منطلق شمولية المنهج لأغلب جوانب الحياة, فأن الدول الديمقراطية تسعى بكل جهودها لتطوير المناهج في مختلف المجالات, والتركيز على فكرة بناء المواطن الصالح من خلال توعيته بفكرة المواطنة, من خلال تعريف الدارس المواطن بالمفاهيم الأساسية للمواطنة وخصائصها, مثل : مفهوم الوطن, والحكومة, والنظام السياسي, والمجتمع ومؤسساته المدنية, ومفهوم الديمقراطية الحق, والمشاركة السياسية وأهميتها, والمسؤولية الاجتماعية ومظاهرها, وضرورة الاحتماء بالقانون, واحترام الدستور, وضرورة الوعي بالحقوق والواجبات اتجاه الدولة والمجتمع, وغيرها من المفاهيم المعاصرة للمواطنة الصالحة وأسسها.وبالضد من ذلك فأن الحكومات القمعية والاستحواذية والطائفية والعرقية تسعى لتشويه فكرة المواطن والمواطنة, من خلال غرس قيم الولاء للحزب الحاكم, أو الولاء للطائفة أو للدين أو للقومية دون الوطن الذي يجمع كل هذه المكونات في بوتقة واحدة, فالوطن هو الحامي والحارس الأمين لكل هذه المكونات عبر تعزيز ثقافة التسامح والولاء للقانون وللدولة صاحبة الشأن في المجتمعات الديمقراطية, دون العبث بجغرافية وسياسة واثنية وأديان الوطن الكبير. وتشمل فكرة المواطنة من خلال المنهج الدراسي الحديث الأبعاد الآتية :
1ـ البعد المعرفي ـ الثقافي : حيث تمثل المعرفة عنصرا أساسيا وجوهريا في نوعية المواطن الذي تسعى إلى بناءه مؤسسات المجتمع السليم والمعافى, وهذا لا يعني أن المواطن الأمي ليس مواطنا يتحمل مسؤولياته ويدين بالولاء للوطن, ولكن المعرفة والثقافة والتعليم وسائل توفر للمواطن فرص لبناء مهاراته وكفاءاته التي يحتاجها في معترك الحياة, كما أن التربية الوطنية والتعليم تنطلق من ثقافة الناس مع الأخذ بنظر الاعتبار الخصوصيات في التنوع الثقافي للمجتمع.
2ـ البعد ألمهاراتي : ويقصد به المهارات الفكرية والعقلية مثل : التفكير النقدي والقدرة على ممارسة النقد والنقد الذاتي, والتحليل الموضوعي لمختلف الظواهر الاجتماعية والسياسية, والقدرة في المحاولة على حل المشكلات أو إدراك أولي لماهية الحلول, حيث أن المواطن الذي يتمتع بهذه المقدرة يستطيع التميز بين الطالح والصالح من الأمور ويكون أكثر عقلانية ومنطقية فيما يفعل أو يقول دون الانسياق وراء التجمعات أو الشلل التي تحول فردية الإنسان إلى حشد قطيعي, اقرب جدا إلى الحيوان منه إلى الإنسان .
3ـ البعد الاجتماعي : ويقصد به خلق الكفاءة الاجتماعية لدى الدارسين ـ المواطنين في التعايش مع الآخرين من مختلف الفئات الاجتماعية وتنمية روح التسامح ولغة التواصل مع مختلف المكونات القومية والاثنية في الوطن الواحد والتعايش معهم بسلام, بعيدا عن استخدام لغة الإكراه والتميز والإقصاء والفرقة والكراهية .
4 ـ البعد ألانتمائي : ويقصد به البعد الوطني وما يترتب عليه من غرس انتماء الدارسين لثقافتهم ولمجتمعهم ولوطنهم, وتعزيز ثقافة المصلحة العليا للوطن بعيدا عن التشرذم الجغرافي ـ الطائفي والقومي والديني, وإحلال ثقافة المسؤولية العليا اتجاه الوطني ومصيره, وحمايته من التدخلات الخارجية وأخلاق التفكك الداخلي.
5ـ البعد ألقيمي والديني, مثل : إشاعة قيم التسامح والعدالة والمساواة والحرية والديمقراطية بين مختلف الأديان السماوية وغير السماوية, وتكريس مبادئ عدم المساس بمقدسات الأقلية الدينية وتوفير الفرص اللازمة للتعبير عن نفسها في إطار وجودها الجغرافي دون إرهاب أو ابتزاز أو ارتهان أو عمليات إرهابية جبانة تطال هؤلاء بفعل ضعف إمكانيتهم في الدفاع عن أنفسهم.
6 ـ البعد الجغرافي ـ المكاني : وهو الإطار المادي والإنساني الذي يعيش فيه المواطن, أي البيئة المحلية يتعلم فيها ويتعامل مع أفرادها, وليست فقط من خلال النصائح والمواعظ داخل غرفة الصف, بل من خلال المشاركة التي تحصل في البيئة المحلية والتطوع في العمل البيئي, ومن خلال ربط هذه النشاطات بالبيئة الأكبر ” الوطن ” من ناحية القيم والأهداف المرجوة من كل نشاط , وعدم الاعتكاف فقط في البيئة الأصغر التي تحجر عقل الدارس وتسهل مراوحته كالصنم في محل إقامته.
وتحتل عملية تطوير المناهج الدراسية في العراق أهمية استثنائية في ظروف التغير المنشود بعد 2003 وخاصة في نطاق المناهج الإنسانية, بعد ما أصاب المنظومة القيمية والتربوية والاجتماعية من تدهور وتحلل وتفسخ في ظل النظام السابق, ساق شعبنا إلى مختلف الكوارث الإنسانية والحروب, تلتها سنوات من التمترس الطائفي والديني والعرقي, أدت إلى أن يكون الوطن ضحية لجلاديه في الداخل والخارج, وكأن شعار العداء للوطن أولا هو محك الولاء للمواطنة البغضاء, ومن هنا نذكر الحريصين على العراق ولحمته, و لكي يكون العراق وطنا صالحا للجميع, وليست أرضا خصبة للإرهاب والتهجير والهجرة, اليوم وغدا, ولكي نمنع من ولادة أجيال قادمة من الإرهابيين, فأن البدء بإصلاح وتطوير المناهج الدراسية هو المدخل الأساسي وصمام الأمان لأجيالنا القادمة وللحفاظ على الديمقراطية الناشئة التي هي وقف التنفيذ, وبعيدا عن الارتجال والتحزب والطائفية والعرقية, ومن هنا تأتي أهمية الحفاظ على أجيالنا عبر اعتماد الأسس العلمية والمهنية والمعتمدة عالميا في تطوير المناهج الدراسية, ولعل أبرزها ما يأتي :
1ـ التكامل بين مؤسسات المجتمع المعاصر:
إن التطوير الشامل والمستمر للمنهج يستدعي التكامل بين مؤسسات المجتمع, بما تتضمنه من موارد بشرية ومادية متنوعة , ولكي تتكامل مؤسسات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية, ومن ثم تسهم في دفع عجلة التنمية بالمجتمع, في بلد توقفت فيه التنمية منذ عقود كالعراق, فأن هذه المؤسسات مطالبة وبحكم ارتباطها بما يجري حولها في المجتمع, بتقديم خبراتها وتوجيهاتها العلمية والفنية ووجهات نظرها حول تحديث المناهج وتطويرها بصورة علمية, والابتعاد عن الارتجال الذي يعبث في المنهج ويحصره بأهداف أنانية ضيقة, فأن العمل الجماعي كفيل بدفع عجلة التنمية في المجتمع بعد وضوح الأهداف من التطوير.
2 ـ الاستفادة من التقدم العلمي التكنولوجي الحديث:
لقد حقق التقدم التكنولوجي والعلمي الكثير من الانجازات وأضاف الكثير من الوسائل التكنولوجية الحديثة, التي يمكن الاستفادة منها في إعداد وتخريج مواطنين على مستوى عالي من الجودة والكفاءة والتأهيل لمواجهة تحديات العصر, ومن هذه الوسائل : الإذاعة, والتلفاز, والأقمار الصناعية, وشبكة الانترنت, والكمبيوتر, وهذه وسائل وأدوات تكنولوجية تساعد في الحصول على البيانات والإحصاءات والمعلومات من مصادرها الأولى والمتنوعة. ومن الوسائل التكنولوجية التي يمكن الاستفادة منها في العملية التربوية والتعليمية ولتطوير المنهج هي : استخدام التلفزيون التربوي, المواد المطبوعة, وأشرطة سمعية, وشرائح ضوئية, وأفلام ثابتة, وبرامج الحاسوب الآلي, وهذه الوسائل إن أحسن إتقانها واستخدامها والإفادة منها فسوف ترفع من مستويات الأداء والكفاءة لدى الدارسين والكادر التربوي والتدريسي بشكل عام, وتسهم في معالجة الكثير من المشكلات التعليمية. وفي ظروف العملية التربوية في العراق حيث حرم قطاع التربية والتعليم كما هو الحال في مختلف مجالات الحياة من ثمرة التقدم العلمي والتكنولوجي واستخدامه لأغراض سلمية, فنحن اليوم بأمس الحاجة لتضمين العملية التربوية والتعليمية بهذه المنجزات التي لا يمكن الاستغناء عنها.
3 ـ الاستفادة من التدفق ألمعلوماتي في مختلف المجالات:
لقد حرم العراق ولعقود من التدفق ألمعلوماتي السلس, ومن كل جديد في العملية التربوية نتيجة لعزلة النظام السابق عن العالم ومخاوفه من الانفتاح المعرفي والمعلوماتي على العالم, مما أوقع البيئة التربوية في نمطية مستديمة, وهو بالضد من النمو السريع لوسائل الاتصال, والتوسع في استخدامها, وتقدم تكنولوجيا المعلومات, ولهذا فمن الضروري عند تطوير المناهج الاستفادة من التدفق ألمعلوماتي في المجالات المختلفة والأخذ بسمات العصر وانجازاته المتعددة لكي يستطيع المنهج استيعابها وترجمتها إلى أهداف تربوية تستجيب لظروف الحياة المتجددة والتخلص من الأمية الحضارية.
4 ـ الاستثمار الأمثل للموارد المالية :
إن عملية تطوير المناهج تتطلب المزيد من الموارد المالية, وهذه الموارد يمكن الاستفادة منها في العديد من المجالات, مثل إقامة المباني المدرسية الحديثة والمتطورة وتجهيزها بأحدث الأجهزة والمعدات, وتأليف الكتب الدراسية الحديثة وطبعها, ونشر شبكة المكتبات المدرسية قي مختلف أنحاء العراق, في المدن والأرياف والقصبات, وتزويدها بكل ما يلزمها من كتب ومراجع ودوريات علمية وتربوية ووسائل تقنية وغيرها, ولا يعقل أن في العراق اليوم الآلاف من مدارس الطين والقصب في ظل إمكانيات نفطية ـ مالية يسرق منها العدو والصديق, والعمل كذلك على زيادة الرواتب والحوافز المادية للقائمين على العملية التربوية من قيادات وكادر تدريسي, والإنفاق على الدورات التدريبية وإعادة التأهيل للكادر التربوي وتنميته مهنيا وتربويا, ولذا فأن عملية تطوير المناهج تستدعي مزيدا من الإنفاق على قطاع التربية والتعليم, شريطة أن يرتبط ذلك بتجفيف مصادر الفساد وسرقة المال العام ووضع حد للتزوير الذي فاق التصورات في هذا القطاع.
5 ـ الاستفادة من التجارب العالمية المعاصرة :
عند تطوير المناهج الدراسية يجب الأخذ بنظر الاعتبار إن النظام التربوي في العراق لا يسبح في فضاء منعزل عن التجارب التربوية والخبرات العالمية, خاصة ونحن في الألفية الثالثة وفي ظروف الانفتاح والعولمة وما يصاحبها من تداعيات اقتصادية, وثقافية, واجتماعية, وإيديولوجية, لم يعد العالم كما عهدناه فيما مضى, شئنا أم أبينا, مغلق بحدوده الجغرافية, فالعراق اليوم منفتح على العالم الخارجي أكثر من أي وقت مضى, وعليه الاستجابة المرنة لأفضل ما ينتجه العالم من نظريات وأفكار جديدة في ميادين التربية والتعليم لاحتوائها عند تطوير المنهج, مع الأخذ بنظر الاعتبار خصوصية العراق وأهدافه الوطنية الكبرى في قطاع التربية والتعليم.
6 ـ الاستثمار الأقصى للموارد البشرية :
إن عملية تطوير المناهج الدراسية تستدعي المشاركة الفعالة من قبل جميع الأفراد ذوي الصلة في عمليات التطوير, من خبراء, ومتخصصين, وقيادات تربوية, ومربين, وفنيين, ودارسين, وحتى مواطنين عاديين وغيرهم, فالخبراء والمتخصصون هم الفئة التي تقود عمليات التطوير وتقوم بالدور الرئيسي فيها, وهؤلاء يعملون في تخطيط المناهج والبرامج, وفي تقويم الجوانب المختلفة للعملية التربوية, وفي تأليف الكتب الدراسية, وفي إعداد المربي وتدريبه, وفي إجراء البحوث اللازمة, إلى جانب القياديين التربويين بمختلف مستوياتهم فهم يلعبون دورا رئيسيا في إنجاح عمليات التطوير, وكذلك المربين باعتبارهم طرف مهم في العملية التربوية, إلى جانب الدارسين وهم المستهدفين من عمليات التطوير جملة وتفصيلا, والفنيين الذين يقررون كفاءة الأجهزة التعليمية المختلفة, وكلفتها, وصيانتها, وإصلاحها, وتشغيلها وكذلك المواطن العادي الذي قد تكن لديه آراء مختلفة عن العملية التربوية, وهذه الآراء يجب دراستها وتمحيصها وإفراز الصالح منها في ضوء أهداف العملية التربوية. إن العراق اليوم محتاج إلى هذا الجهد الجماعي الكبير بعد سنوات الإهمال في تطوير المنهج, بعيدا عن الانفراد والاستحواذ من قبل الجهات السياسية التي تسيطر على مركز القرار, والتي ترغب في” تطوير ” المناهج على خلفية مزاج ديني أو طائفي أو اثني بعيدا عن الفهم الصحيح والعلمي لمفهوم تطوير المنهج والارتقاء به.
قد تكون ملاحظاتي هذه هي ملاحظات رؤوس اقلام في بلد لازال بعيدا عن الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي, في بلد لم تستقر فيه العملية السياسية على أسس واضحة, وفي بلد تتجاذبه الصراعات الدينية والطائفية والاثنية, وفي خضم تلك الصراعات تتهاوى افضل فلسفات الاصلاح التربوي والتعليمي. ان استقرار العراق سياسيا وتعزيز الديمقراطية السياسية كوسيلة لتداول الحكم وبما يفرز نهجا واضحا في الحكم والمعارضة تتنوع فيه الرؤى الفلسفية الاصلاحية في كافة الميادين بما يسهم اخراج العراق من ازمته بما فيه ازمة قطاع التربية والتعليم, وعدا ذلك فأن الحديث عن الاصلاح يبقى في اطار المتعة العقلية والمعرفية لألتماس افق المستقبل نظريا, ولعل في محاولاتنا أن تلقى آذانا صاغية من قيادات البلد المشحون بصراعات المصالح الشخصية بعيدا عن مصلحة الوطن.