ليس مستحبا ذكر التالي، رغم أنني أستبعدها، لكن في السياسة لا يوجد مكان لغير عرض كل الاحتمالات. كالتأويلات الممكنة استنتاجها من قول الرئيس جو بايدن لأردوغان (يجب علينا تجنب الكوارث)؟
هناك مؤشرات خطيرة على خلفية عودة أردوغان مباشرة من روما، وعدم حضوره مؤتمر البيئة في بريطانيا تحت حجج واهية، بعدما تمكن من الاجتماع مع جو بايدن، والتي لربما حصل على غايته، وهي السماح له بهجوم رابع على المنطقة الكوردية، علما أن التضارب بين تصريحات الطرفين رجحت احتماليات الرفض، لكن عدم التوضيح، ومن ثم الصمت، لها دلالات مقلقة للجانب الكوردي.
ومنها ماذا ستقدم عليه أمريكا، الأن وفي المستقبل، في حال اجتاحت تركيا منطقة عين عيسى وتل تمر؟ أم أن هناك جدلية عدم الاعتراض. كاحتمالية التماطل أو عدم الاعتراض الروسي على هجومها على تل رفعت ومنبج، لخلق ممر ما بين إدلب ومنطقة عفرين، مقابل التخلي للسلطة وروسيا عن جنوب إدلب، وفي حال حدوث أية هجرة منها، ستكون هناك ممرات نحو المناطق الجديدة المهيأة لقدومهم.
علما أن كلا العاملين، الداخلي، والخارجي، لتركيا، وأمريكا وروسيا، تتعارض وهذه الاحتمالية، ولأسباب منها:
1- التخلي الأمريكي عن شرق الفرات، سيزيد من رجحان نسبة المعارضين للحزب الديمقراطي وللرئيس جو بايدن خاصة ولا تزال إشكالية الانسحاب المفاجئ من أفغانستان مثارة في الأوساط السياسية، والتي أدت إلى تراجع شعبية الرئيس.
2- روسيا تدرك أن إخراج تركيا من المناطق التي تمركزت فيها ستكون من أحد الإشكاليات الكبرى في قادم سوريا، وبالتالي تعني تقسيمها على سوية قبرص، وبها ستخسر روسيا نصف جغرافية سوريا.
3- الداخل التركي له وجهين:
أولا، لا بد لأردوغان من خلق إشكاليات خارجية، تحت صفة الدفاع عن الوطن، للحفاظ على أسم تركيا المتصاعدة كدولة تحاول أن تكون بين القوى الكبرى عالميا، ومن ثم التغطية على التدهور المتصاعد لليرة التركية والتضخم الجاري لسعر السوق، وإيقاف تصاعد قوة المعارضة وتناقص شعبية العدالة والتنمية، إلى جانب محاولة القضاء على أي كيان يتحمل الصفة الكوردية وهي في المهد، ومنع تكرار تجربة كوردستان الفيدرالية في سوريا، والتي ستكون لها تداعياتها المستقبلية على الداخل التركي، وهو ما يرجح احتماليات الهجوم مع أو بدون موافقة روسية – أمريكية.
والثاني، وهو الوجه المعاكس، في حال غياب موافقة الدولتين، اجتياح المنطقة مغامرة قد تكون كارثية لقادمه، ونجاحاً لصالح المعارضة التركية، من حيث تفاقم مشاكل الدولة الخارجية، والمؤدية إلى تحجيم الشركات الرأسمالية العالمية من دعمها لها، وبالتالي سيزداد من تدهور ليرتها ومن ثم نموها الاقتصادي. إلى جانب احتماليات هجرة سورية جديدة نحو جغرافيتها، الإشكالية التي تحرص عليها حكومة أردوغان بشدة، ومثالا على ذلك، بعدما قامت جبهة تحرير الشام، قبل أسبوع، بعمليات لتصفية منظمتي، جند الله، التي يقودها أبو حنيفة الأذري، وجنود الإسلام، أو الشام، والتي يقودها الأخوين، موسى ومسلم الشيشاني، وبعد خسارتهما وهروبهما، قبضت عليهم القوات التركية على حدودها وسلمتهم إلى جبهة تحرير الشام، رغم أن الأخيرة مصنفة ضمن قائمة الإرهابيين، لكن تركيا أعطت رسالة للمنظمات العسكرية في إدلب أنه لا هجرة نحو تركيا.
ويظل السؤالين بدون جواب لدى جميع المحللين والمراقبين السياسيين، باستثناء قادة الأروقة السياسية في الدول المعنية:
1- هل حصل أردوغان على الموافقة أو عدم الاعتراض من بوتين وبايدن؟
2- في حال عدمها، هل سيغامر أردوغان بالهجوم، وهو السياسي الخبيث والمحنك؟
والحديث عن الأطراف الكوردية، وخاصة الإدارة الذاتية وقادة قوات قسد، وما هم قادمون عليه، وما يتوجب عليهم القيام به سياسيا ودبلوماسيا، الأن وفي حال تم الهجوم، وما هو مصير الطرفين المتخاصمين من الحراك الكوردي، ومن ثم المنطقة في حال تمت العملية، إشكالية يجب أن تدرس وبشكل جماعي.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
11/1/2021م