.
في مقابلة مع DW تحدثت المستشارة أنغيلا ميركل عن أهم التحديات التي واجهتها في منصبها، وكذلك عن موجة اللجوء إلى بلادها، وجائحة كورونا وتحديات المناخ. وكشفت عن شعورها بعد ترك منصبها وماذا ستفعل بعد ذلك.
مبتسمة، ومن الواضح أنها مرتاحة البال، هكذا قدمت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل نفسها، خلال المقابلة التي أجراها معها، في مكتب المستشارية في برلين، ماكس هوفمان، رئيس قطاع الأخبار بشبكة دويتشه فيله (DW). ولم تحتاج وقتا طويلا للتفكير في الإجابة على سؤال يتعلق بأصعب التحديات التي عايشتها كمستشارة ألا وهي موجة اللجوء إلى ألمانيا عام 2015 ومكافحة جائحة كورونا؛ “هذان الحدثان شكلا لي شخصيا تحد: العدد الكبير للاجئين الوافدين، والذي لا أرغب في وصفه بالأزمة، فالبشر هم البشر”، تقول ميركل. كان ضغط الهروب قوياً للغاية في ذلك الوقت، خاصة من سوريا والدول المجاورة، تقول المستشارة.
وبالنسبة لجائحة كورونا، منذ ربيع العام الماضي، تقول ميركل: “لقد رأينا مدى تأثيرها العميث على الناس بشكل مباشر، حيثما تعلق الأمر بالتعامل مع مصائر البشر”.
بعد 16 عاما ـ فقط رئيسة حكومة تسيير الأعمال
ومنذ فترة قصيرة لم تعد وظيفة صاحبة المدة الطويلة في رئاسة الحكومة سوى رئيسة حكومة تسيير الأعمال، فالبرلمان الألماني الجديد تشكل بالفعل. على مدار 16 عاما كان بإمكان ميركل إلقاء نظرة من مكتبها على مبنى “الرايخ تاغ”، مقر البرلمان. وفي الانتخابات البرلمان الاتحادية في نهاية سبتمبر/ أيلول هذا العام لم تترشح مرة أخرى لمنصب المستشار عن حزبها، حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي. وفاز الاشتراكيون الديمقراطيون بالانتخابات متفوقين على حزبي الاتحاد المسيحي: حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي (البافاري).
كان المستشار الألماني الأسبق، هيلموت كول، يطلق على أنغيلا ميركل، لقب “تلميذة”. لم تخرج ميركل من عباءته إلا بعد فترة طويلة في عام 2001، عندما كان الحزب المسيحي الديمقراطي CDU في المعارضة، وكانت ميركل زعيمة الحزب، غير أن فرصتها الكبيرة لم تأت إلا عام 2005.
مكافحة التغيرات المناخية “النتائج حتى الآن غير كافية”
وصفت ميركل التشكيك المتزايد من قبل الكثير من الناس حول العالم بنهج تعددية الأطراف الدولية (Multi-Lateralismus)، بأنه كان خلال فترة توليها منصب المستشارية بمثابة أزمة، وقالت “لقد كان هذا الأمر بالنسبة لي دائمًا مهمًا، وحاولت دائمًا تقوية المنظمات الدولية، صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية وغيرها”.
وفيما يتعلق بالقضية الملحة التي تفرض نفسها بشكل متزايد، والمتمثلة في مكافحة التغيرات المناخية، اعترفت المستشارة بأنه لم يتم بعد تحقيق ما يكفي.
وكانت ميركل قد تولت حقيبة وزارة البيئة قبل توليها منصب المستشارة، ورأست أول قمة مناخ تابعة للأمم المتحدة في برلين عام 2005. والآن قالت لـDW: “لقد أصبحنا أسرع. لكن لم يسبق قبل الآن أن اتسعت الفجوة بهذا الشكل مرة أخرى بيننا وبين التقديرات العلمية. وهذا يجب أن يتغير الآن في هذا العقد. وعلينا من جديد إتباع التقديرات العلمية، وهذا يعني أن نبقى على عدم زيادة درجة حرارة الأرض كثيرا عند 1.5 درجة مئوية”.
لكن هذا لم يكن اعترافا من ميركل بالفشل الشخصي في سياسة المناخ، فقد واصلت ميركل حديثها قائلة إنه يجب أن يحصل المرء على أغلبية لكل إجراء لحماية المناخ، وهناك مخاوف كثيرة من العواقب الاجتماعية للتقليصات الصعبة، على سبيل المثال ما يتعلق بالاستهلاك الشخصي.
وكانت ميركل قد حضرت لآخر مرة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ هذا العام، والذي يواصل فعالياته في غلاسكو بإسكتلندا حتى 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. في هذا السياق قالت ميركل: “لقد حقق مؤتمر غلاسكو بالفعل بعض النتائج، لكن من وجهة نظر الشباب لا تزال بطيئة للغاية”. وأضافت بوضوح مفاجئ: “وبعد ذلك أقول للشباب: عليكم أن تمارسوا الضغط”. أما بالنسبة لتحذيرات العلماء بإصرار وبشكل متزايد من أضرار الفيضانات والجفاف في أنحاء العالم، فقد وصفته ميركل ذلك حرفيا بـ “المرعب”.
“أعرف أن هناك أناس غير راضيين عن سياستي”
في الآونة الأخيرة، التقت ميركل العديد من رؤساء الدول والحكومات في زيارات وداع؛ فعلى سبيل المثال، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المستشارة لزيارة بلدة بيون في منطقة بورغوني وقدم لها لاحقًا “وسام جوقة الشرف”، أرفع وسام في فرنسا.
وفي مقابلتها مع DW قالت ميركل بصراحة إن ذلك أثر فيها. وأوضحت “أعرف طبعا أن هناك أيضا أشخاصا غير راضين عن سياستي، لكن عندما كنت الآن في فرنسا، التي تاريخيا لم يكن لدينا طبعا في كثير من الأحيان مثل هذه المشاعر الودية تجاه بعضنا البعض، كنت سعيدة لأن الكثير من الناس جاءوا لتحية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتحيتي أنا. وكان ذلك حدثا رائعا، ولا بد لي من قول ذلك”.
ظهور ميركل مع خليفتها المحتمل “إشارة جيدة في عالم مضطرب”
في اجتماع مجموعة العشرين في إيطاليا قبل أسبوع، ظهرت ميركل عدة مرات مع خليفتها المحتمل، أولاف شولتس من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي لايزال يشغل منصب وزير المالية في الحكومة التي لا تزال تمارس مهام تسيير الأعمال.
وفي برلين، يتفاوض شولتس حاليا مع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) بشأن حكومة جديدة تحت قيادته.
ميركل قالت عن ظهروها المشترك مع خليفتها المحتمل خلال قمة مجموعة العشرين في إيطاليا، إن الرسالة الموجهة إلى الشعب كانت مهمة بالنسبة لها: “عندما يكون لديك شعور بأن هناك اتصالا جيدا هنا بين رئيس الحكومة الحالي ورئيس الحكومة المستقبلي المحتمل، فإن هذه إذن إشارة مطمئنة في عالم مضطرب نوعا ما. وأعتقد أن ذلك كان صحيحًا”.
عن الوداع: سوف يتعودون عليه!
عندما سألها ماكس هوفمان رئيس قطاع الأخبار في DW عما ستفعله بعد مغادرتها السلطة قريبا، قالت ميركل: “لا أعرف حتى الآن ماذا سأفعل بعد ذلك”. وتابعت “نعم لقد قلت سآخذ قسطا من الراحة أولا وأرى ما يدور في رأسي، وسوف أقرأ كثيرا وأنام كثيرا”.
وكانت ميركل قد أكدت مرارا وتكرارا أنها تعتقد أنه يمكنها أن تودع السلطة بسهولة، وهو ما كررته الآن أيضا في حوارها مع دويتشه فيله، وقالت: “من ناحية أنا سعيدة، لكن من المحتمل أشعر بشيء من الحزن”.
وتعليقا على قول هوفمان بأن هناك من لا يمكنه أن يتخيل أنه بعد 16 عاما لن تتواجد ميركل في (مبنى) المستشارية، أجابت السيدة، التي ما تزال رئيسة للحكومة، بطريقتها الرصينة، التي يجرى الحديث عنها كثيرا: “سوف يتعودون على ذلك”.