يتواصل الخلاف بين القوى السياسية العراقية بشأن نتائج الانتخابات، وسط مخاوف من احتمال إعادة إنتاج حكومة شبيهة بسابقاتها من حيث الاعتماد على مبدأ “التوافق” والمحاصصة بين القوى التقليدية، خصوصا بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
ورغم أن الحديث لا يزال مبكرا بشأن الكتلة التي ستحظى بثقة البرلمان الجديد لتشكيل الحكومة، بدأت كتلة التيار الصدري الفائزة في الانتخابات تحركاتها بمجرد إعلان النتائج الأولية للانتخابات، وأعلن زعيمها مقتدى الصدر في أكثر من مناسبة حرصه على تشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تستبعد الخاسرين.
ومع نحو 20 مقعدا، سجلت القوى الموالية لطهران، والتي يعد تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري أبرز ممثليها في البرلمان، تراجعا قويا بحسب النتائج الأولية، بعدما كانت القوة الثانية (48 نائبا) في برلمان 2018.
وكان تحالف الصدر قد نال المركز الأول بأكثر من 70 مقعدا في البرلمان المقبل المكون من 329 مقعدا، بحسب النتائج الأولية.
لكن “محاولة الاغتيال الفاشلة” لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وما تبعها من محاولات للتهدئة “عقّد” مباحثات تشكيل الحكومة، وفقا لمراقبين.
بعد الهجوم الذي نفذ بطائرات مسيرة، بيومين عقد الإطار التنسيقي الذي يضم أحزابا تمتلك فصائل موالية لطهران، اجتماعا في منزل رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ضم، إضافة للكاظمي، رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان.
“لن تصمد الحكومة التوافقية”
اتفق المجتمعون على “خفض التوتر وإيقاف التصعيد الإعلامي من جميع الأطراف وإزالة جميع مظاهر الاستفزاز في الشارع والذهاب نحو تهدئة المخاوف لدى الناس وبعث رسائل اطمئنان لأبناء الشعب العراقي”، وفقا لبيان صادر عن الإطار التنسيقي.
يربط كثيرون بين الهجوم الذي لم تتبنه أي جهة، بالتطورات المرتبطة بنتائج الانتخابات التي تعترض عليها كتل سياسية ممثلة لفصائل موالية لإيران خسرت نحو ثلث مقاعدها في البرلمان الجديد.
يقول السياسي العراقي غيث التميمي، إنه “من الصعب على القوى الشيعية أن يمضي طرف في الحكم دون الأطراف الأخرى”، مضيفا أن “هذا الأمر لو تم فسيؤدي بالنهاية لمواجهة مسلحة”.
ويضيف التميمي في حديث لموقع “الحرة” أن ذهاب القوى الشيعية لتشكيل حكومة توافقية يعني أن العراق ماض باتجاه عدم الاستقرار، ولن يختلف الوضع كثيرا عما جرى مع حكومة عادل عبد المهدي”.
يتوقع التميمي أن “لا تتمكن أي حكومة توافقية تشكل في العراق في الوقت الحالي من الصمود أكثر من سنة قبل أن ينفرط عقدها”.
واضطرت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي إلى الاستقالة في نوفمبر 2019 تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في البلاد في أكتوبر من العام ذاته.
وخرجت الاحتجاجات في بغداد ومدن جنوبي العراق للمطالبة بإنهاء المحاصصة وتغيير الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والخضوع للنفوذ الإيراني.
“لا يأملون خيرا”
يقول الناشط في احتجاجات تشرين، حسام الكعبي، إن “المحتجين “لا يأملون خيرا من الأحزاب التقليدية سواء في حال شكلوا حكومة أغلبية أو حكومة توافقية”
ويضيف الكعبي أن “هذه الكتل لا تستطيع الخروج عن نظام المحاصصة لأنهم بنوا النظام الحالي على هذا الأساس”، مشيرا إلى أن “المحتجين كانوا يأملون أن تتغير طريقة تفكير تلك القوى بعد أحداث تشرين وتعطيهم دفعة من أجل تغيير أدائهم لكن يبدو أنها كانت مجرد أحلام”.
يرى الكعبي أن “قدوم قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني، للعراق بعد الهجوم على منزل الكاظمي ولقاءه بقوى سياسية عراقية ومسؤولين يعيد للأذهان مرة أخرى سيناريو سلفه قاسم سليماني عندما زار العراق وساعد في تشكيل حكومة عبد المهدي”
وكانت وسائل إعلام إيرانية أفادت بأن قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني زار بغداد، الاثنين، والتقى بالكاظمي ورئيس الجمهورية ومسؤولين آخرين.
وجاءت زيارة قآني بعد يوم واحد فقط من تعرض الكاظمي لمحاولة اغتيال وأعقبها مباشرة بيوم واحد انعقاد اللقاء بين قوى الإطار التنسيقي من جهة وصالح والكاظمي من جهة أخرى.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من السطات العراقية بشأن زيارة قآني.
“العراق غادر موضوع التوافق”
ويرى المحلل السياسي رعد هاشم أن “العراق غادر موضوع التوافق بشكل لا رجعة فيه نظرا للنتائج التي أفرزت كتلا فائزة وأخرى خاسرة لا يوجد تقارب فيما بينها”.
يقول هاشم في حديث لموقع “الحرة” إن “الوضع سائر باتجاه تشكيل حكومة تفاهمات سياسية، تشكل من خلالها الكتل الفائزة حكومة جديدة لكن بالتنسيق والتعاون مع باقي القوى السياسية سواء تلك الفائزة أو الخاسرة”.
ومع ذلك يتوقع هاشم أن تتجه الأوضاع في العراق إلى التأزم “نظرا لأن القوى المتخاصمة لا تمتلك تفاهمات راسخة، فضلا عن غياب الثقة فيما بينهم”.
ويرى هاشم أن “الجميع يدعون إلى التهدئة، لكنها تهدئة محفوفة بمخاطر الانهيار بين لحظة وأخرى”.
ودأبت القوى السياسية العراقية خلال تشكيل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 على اعتماد مبدأ التوافق أو “المحاصصة” من خلال توزيع المناصب السيادية والوزارات على أسس طائفية وحزبية، وإشراك جميع القوى الفائزة في الانتخابات في الحكومة.
وقبل الهجوم على منزل رئيس الحكومة، وقعت صدامات بين معتصمين تابعين لفصائل موالية لإيران مطالبين بإعادة فرز الأصوات وقوات الأمن إثر تصديها لمحاولاتهم اقتحام المنطقة الخضراء حيث المقرات الحكومية وسفارات أجنبية منها السفارة الأميركية.
وترفض الكتل السياسية الممثلة للحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل شيعية موالية لإيران ومنضوية في القوات المسلحة، النتائج الأولية التي بينت تراجع عدد مقاعدها.
وحاز تحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي المدعوم من إيران، على نحو 15 مقعدا فقط في الانتخابات، بحسب النتائج الأولية. وكان عدد أفراد كتلته في البرلمان المنتهية ولايته 48. وندد قياديون في التحالف بـ”تزوير” في العملية الانتخابية.
وحتى الآن لم تعلن مفوضية الانتخابات النتائج النهائية للانتخابات بانتظار الانتهاء من النظر في الطعون التي قدمتها الكتل الخاسرة.
ويقول رعد هاشم إنه “بمجرد إعلان النتائج النهائية وفي حال لم يتغير حجم المقاعد في البرلمان، ستحاول الأطراف الخاسرة إدخال البلد في أزمة جديدة لتعطيل عملية تشكيل الحكومة”.
ويتابع “سيعملون على تأخير عملية تشكيل الحكومة لأطول فترة ممكنة مع اختلاق أزمات أمنية وفوضى من أجل الضغط للحصول على مكاسب سياسية تفضي لتشكيل حكومة توافقية”.
الذهاب لخيار حكومة التوافق التي يشارك فيها الجميع سيجعل قوى الاحتجاج أمام خيار واحد فقط، وفقا لحسام الكعبي، “إذا لمسنا تشكيل حكومة محاصصة طائفية وحزبية كما في 2018، فليس أمامنا خيار سوى النزول للشارع”.