هو عبداللطيف بن إبراهيم بن منديل من أسرة الفوزان الذين يرجعون للبدارين الدواسر من مدينة جلاجل إقليم سدير في نجد شمال الرياض نزح والده من سدير إلى الزبير (1837م) حيث مارس التجارة بين البصرة وبغداد والهند وبنى للنازحين من عشيرته دار للضيافة وأقام لأسرته مكانة إجتماعيةً مرموقة جنوب العراق وإكتسب أحد أبنائه الستة (يوسف) لقب الباشوية إبان العهد العثماني في العراق ثم حاز (عبداللطيف) اللقب أعقاب نجاحه بترتيب المحادثات بين إبن سعود والأتراك بعد إنضمام الأحساء إلى الحكم السعودي (1913م)
كان لوالده صلة وثيقة بالملك (عبدالعزيز) بوصفه أبرز معتمديه في ولاية البصرة وأهم ممثليه مع الأتراك والإنجليز إبّان فترة توحيد المملكة العربية السعودية (1902 – 1932م) وله دور سياسي في ولاية البصرة من خلال الإتصالات التي كان يُجريها مع الأتراك ثم الإنجليز وكيلا للسلطان عبدالعزيز
ولد عبداللطيف عام 1868م في الزبير حيث نزح أبوه إليها من نجد وحصلت العائلة على مكانة رفيعة في البصرة وحققت ثروة كبيرة وأصبح أبناء المنديل من أعيانها وقد درس على أساتذة خصوصيّين ثم عمل في تجارة والده وزراعته وأصبح وكيلاً لعبدالعزيز (سلطان نجد عندئذ) بعد وفاة شقيقه عبدالوهاب الذي كان يقوم بها منذ عهد عبدالرحمن (والد عبدالعزيز)
كانت علاقة المنديل إمتداداً لعلاقات عائلية قديمة منذ كان جده الأكبر (سويّد) أميراً لجلاجل أيام حكم فيصل بن تركي (جد عبدالعزيز) يُروى أنه حينما كان وكيلاً للملك عبدالعزيز كتب إليه الملك أثناء دخوله الأحساء (1913م) قائلاً: «إذا سألك الترك فقل لهم إني عثماني» وأشار عليه بذلك خشية أن يناله ضرر لكن المنديل لم يعمل بإشارة موكّله فلم ينكر للترك أنه نجدي ولم يُخفِ كونه وكيلاً للملك عبدالعزيز وقال للأتراك: «لقد جهلتم قدر هذا الرجل وها هو يعرّفكم بنفسه»
حضر المنديل مؤتمر «الصبيحة» جنوب الكويت الذي أسفر عن تحييد الأتراك وإعترافهم بسيادة عبدالعزيز في الأحساء ولما بدأ عبدالعزيز وضع أسس الدولة الحديثة وقواعدها إستقر المنديل في ميناء العقير لتطويره ولتنظيم شؤون الكمارك ومن مظاهر صحبته لآل سعود أطلق سنة 1934م إسم السعودية على أحد الأحياء التي تقع على ضفاف شط العرب في البصرة ودأب المنديل على تشجيع المشروعات الثقافية والخيرية ودعمها بالمال فمنحته الدولة العثمانية رتبة الباشوية سنة 1913م
كان له دور كبير في العراق وولاية البصرة بصورة خاصة إذ صار إبّان الحكم العثماني عضواً في مجلس ولاية البصرة وملحقاتها ثم عضواً في مجلس الأشراف خلال فترة الاحتلال البريطاني (1914 – 1919م) ومن الأعمال التي تذكر له تزويده البصرة بالكهرباء ومياه الشرب النقيّة (في أول مشروع لإسالة المياه في العراق) وإصلاح وسائل الزراعة وتنشيط التجارة فيها وإعمار المدينة
عُيّن عبداللطيف المنديل وزيراً للتجارة في أول وزارة عراقية برئاسة السيد عبدالرحمن النقيب سنة 1920م وثاني وزارة في 12 أيلول 1921م لكنه إستقال من أجل العناية بأموره الخاصة ثم عيّن وزيراً للأوقاف في وزارة عبدالمحسن السعدون الثانية (تشرين الثاني 1922م) وإنتخب لعضوية المجلس التأسيسي سنة 1924م عن البصرة ثم أصبح عضواً بمجلس الأعيان في سنة 1929م وإستقال سنة 1934م ليتفرغ لشؤونه الخاصة داهمه المرض منتصف الثلاثينات وساءت أحواله الصحية وأصيب بالشلل فتوفي في 2 كانون الأول 1940م ودفن بمقبرة الحسن البصري في مسقط رأسه «الزبير» وقد أطلقت العاصمة السعودية الرياض إسمه على أحد شوارعها عرفاناً بوفائه للملك المؤسس وبمكانته لديه
كان للملك فيصل الأول موقف من المنديل بحكم تعاطفه مع الملك عبدالعزيز وولائه المزدوج العلني له وقد إضطر المنديل بسبب ذلك الموقف لعدم الاستمرار بآخر منصب وزاري تقلّده مما نتج عن ذلك سقوط الوزارة بأكملها
قال عنه أمين الريحاني في كتابه «ملوك العرب» ج 2 «هو حر الكلمة سديد الرأي مخلص الودّ لآل سعود وخصوصاً للسلطان عبدالعزيز ومخلص العمل لوطنه الثاني العراق» ووصفه في صفحة أخرى أنه «صديق السلطان الحميم ووكيله في العراق وهو نجدي الأصل عراقي الإقامة ولا يزال للبداوة أثر في حديثه وفي سلوكه الحر»
وصفته الخاتون المس بيل (Miss Bell) في إحدى رسائلها قائلة «له الملامح الدقيقة البديعة التي يتسم بها العرب من قلب الجزيرة العربية ولعله أقوى شخصية في البلد (البصرة) بعد ذهاب السيد طالب النقيب وهو تاجر كبير» والمعروف أن جيرترود بيل (المتوفاة سنة 1926م) كانت باحثة وعالمة آثار بريطانية ومستشارة المندوب السامي بيرسي كوكس في العشرينات
كتب يعقوب الإبراهيم مقالاً وصف فيه القصر الشهير بـ «بيت الباشا» على شط العرب البصرة وهو القصر الذي بناه عبداللطيف المنديل سنة 1925م وتوفي فيه ذاكراً أنه تحفة معمارية نفيسة وواصفاً أدق التفاصيل التي جعلته يقف عبر العقود شاهداً على طابع التراث العمراني لمنازل البصرة آنذاك حيث يمتزج فيها الفن الهندي والفارسي والتركي (متمثّلاً بالشناشل الخارجية والطارمات) والأوروبي من الداخل (بالكاشان والبورسلان والزجاج المعشّق)
كان المنديل يرعى شاعر العراق الرصافي الذي مدحه بقصائد قال في إحداها:
أبا ماجد إني عهدتك مبصراً
خفايا أمور أعجزت كل مبصر
إذا خفيت يوماً عليك حقيقةٌ
نظرت إليها من ذكاءٍ بمجهر
وإن ليلةُ الخطب ادلهمّت كشفتها
بأوضاح صبحٍ من فعالك مسفر
ارشيف العراق