ردا على حسام عبد الكريم:
عن نايف حواتمه واسهاماته في النضال الفلسطيني
فتحي كليب / عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
نشرت إحدى الصحف اللبنانية بداية تشرين الثاني مقالا لكاتبه حسام عبد الكريم (معروف الهوية والإنتماء) بعنوان “عن نايف حواتمة واليسار الملتبس” تعرض فيه للخط السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وامينها العام نايف حواتمة بطريقة لا تفتقد الى المصداقية والموضوعية فقط، بل وتؤكد احدى امرين: إما انه تقصد الاساءة لتاريخ وفكر الجبهة الديمقراطية، الذي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، او انه يجهل الكثير عن ابجديات البرنامج الوطني المرحلي. وفي كلتا الحالتين وجب التوضيح:
اولا: بنى الكاتب مقاله على افتراض ان البرنامج الوطني المرحلي لم يكن برنامج الجبهة، بل قدم له من آخرين (الرئيس ياسر عرفات)، وهذا امر تكذبه عشرات الوثائق والمذكرات المنشورة وايضا العديد من النشريات اليومية، التي تؤكد جميعها ان الجبهة الديمقراطية هي ليست فقط ام الصبي، بل امه واباه واخيه واخته وكل عائلته، وهو لم يصنع الا في اطار الهيئات الحزبية للجبهة. ومن لديه ما يثبت عكس ذلك فليبرزه امام الرأي العام.. وبالامكان العودة الى كل الوثائق الفلسطينية بدءا من تاريخ آب 1973 ثم حزيران 1974 وصولا الى كانون الثاني 1979 عندما اصبح البرنامج الوطني المرحلي برنامجا لكل الشعب الفلسطيني، حين تم اقراره بموافقة جماعية من كل الفصائل.. وغير ذلك، فهو ليس سوى محض افتراء واكاذيب ليس لها وظيفته سوى تحريف وقائع التاريخ وتزييفه لأهداف ليست بوطنية..
ثانيا: لا يمكن قراءة البرنامج الا في اطار لحظته التاريخية، بعد ان ضاعت فلسطين وتفرق دمها بين قبائل العالم ولم يعد لفلسطين اي وجود على الخارطة، وتحولت من قضية شعب احتلت ارضه وحرم من حقوقه الى مجموعات بشرية همها البحث عن قضاياها المعيشية، خاصة في ظل الانتكاسة التي مني بها المشروع القومي العربي قبل وبعد العام 1967، ما دفع بالمقاربة المرحلية للمسألة الوطنية الفلسطينية كحركة تحرر وطني، لها خصوصيتها ان تتقدم الى الامام.. حيث كان البرنامج المرحلي إعادة صياغة للفكر السياسي الفلسطيني المتمحور حتى ذلك الحين حول خياري “المقاومة” و”التسوية”،..، وفي جميع الحالات فان هذا الامر لم يعد قضية نقاشية تحمل ترف الكتابة من وراء البحار، بعد ثبتت صحته في مجرى احداث عدة كان آخرها “معركة القدس” التي اكدت على راهنية البرنامج الوطني القائم على ثلاثية الدولة وعاصمتها القدس والعودة إلى الديار والممتلكات والمساواة القومية والقضاء على اشكال التمييز العنصري الصهيوني، وهو نفس البرنامج الذي وحد الشعب وحقوقه الوطنية، وشكل اهم رافعة وطنية لنضالاته.
ثالثا: باقرار البرنامج الوطني المرحلي، اصبح للشعب الفلسطيني هيئة تمثيلية تمتلك برنامجا سياسيا ومشروعا وطنيا في مقابل المشروع الصهيوني الذي بقي حاضرا لوحده خلال سنوات ما بعد النكبة. وخلال السنوات الثماني التي تلت اقرار البرنامج، شهد النضال الفلسطيني اهم فترات ازدهاره، يمكن لأي كان العودة اليها.. الا اذا كان الكاتب يرى بعين اخرى ويتقصد الاساءة ليس للجبهة الديمقراطية بل لتضحيات آلاف الشهداء الذين سقطوا تحت راية الدفاع عن هذا البرنامج..
رابعا: اشار الكاتب الى ان البرنامج المرحلي هو برنامج “سلامي”، وهذا وصف اقل ما يقال فيه انه تجني ليس على الجبهة وخطها السياسي بل وعلى التاريخ واساءة صريحة للشهداء وتضحياتهم، ونحن على يقين بأن من يقول مثل الكلام السابق فهو حتما لم يقرأ البرنامج المرحلي، وان قرأه فبالتأكيد لم يستوعب مضامينه. فالبرنامج الوطني في صيغته الاولى (آب 1974)، طرح، لأول مرة في تاريخ النضال الفلسطيني، فكرة الانتفاضة باعتبارها الشكل المميز من أشكال الحرب الشعبية، وهو شعار عادت وتبنته كل فصائل حركتنا الوطنية، كما ان الوحدة الوطنية لم تدخل قاموس الفكر السياسي الفلسطيني الا بعد ان طرحته الجبهة. وما يدحض مزاعم الكاتب هو تناسيه المتعمد، او جهله، بأن العمليات الكبرى التي نفذتها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حصلت خلال وبعد النقاشات الجدية للبرنامج المرحلي (عملية ترشيحا – معالوت الاولى 15/5/74، عملية طبريا 23/5/74، عملية مستعمرة هاو على شاطىء طبريا 23/5/74، عملية مستعمرة فشكول 28/9/74، عملية فسوطة 4/9/74، عملية بيسان 19/11/74، عملية مستعمرة شرشوف (صفد) 31/8/74، عملية القدس 13/10/75، عملية رامات مكشيميم 20/10/75، عملية معالوت الثانية 13/1/79 .. وغيرها).
هذا اضافة الى الدور الذي لعبته القوات المسلحة الثورية، الذراع العسكري للجبهة الديمقراطية في الدفاع عن الثورة والشعب. وبامكان الكاتب العودة الى كتاب “عاشوا من اجل فلسطين” ففيه ما يشفي غليله سواء بالعدد الكبير من الشهداء او بالقراءات التحليلة للمعارك الوطنية الكبرى التي خاضتها قوات الجبهة الديمقراطية الى جانب فصائل الثورة الفلسطينية الاخرى.
خامسا: يستنتج الكاتب بطريقة مزاجية ان البرنامج المرحلي سهل الوصول الى اتفاق اوسلو، وهنا ايضا مزج متعمد اما لجهل بالبرنامج او جهل باتفاق اوسلو. فشتان ما بين هذين البرنامجين: فالاول هو برنامج نضالي وحّد كل الشعب وجعل له برنامجا سياسيا يقارع البرنامج الصهيوني، اما الثاني فهو عكس ذلك تماما..
نختم بالقول: ان نايف حواتمة هو ليس فقط امينا عاما لفصيل فلسطيني انتخب بالارادة الحرة لجميع مناضليه الذين سيظلون ينظرون اليه باعتباره احدى ايقونات النضال الفلسطيني، التي نهتدي بنورها وفكرها التي تشع فكرا وطنيا، بل قائدا تاريخيا وشخصية مبادرة اسهمت في اغناء الفكر السياسي الفلسطيني والتحرري العالمي وقدم الحلول العلمية والعملية لجميع القضايا المستجدة في الساحة الفلسطينية.
مُرفقان (2)