تحالف رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر نال المركز الأول في الانتخابات بأكثر من 70 مقعدا في البرلمان المقبل.
خطاب “تصعيدي” وجهه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الخميس، للقوى الخاسرة في الانتخابات العراقية، التي جرت الشهر الماضي. وبحسب مراقبين، فإن رسالة الزعيم الشيعي الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان العراقي المقبل، تنطوي على “تحذير واضح”.
ودعا الصدر الفصائل الشيعية العراقية المسلحة الموالية لإيران إلى حل نفسها إن أرادت الانضمام لحكومته المقبلة، وطالبها أيضا بتسليم أسلحتها لقوات الحشد الشعبي، التابعة للحكومة، عبر القائد العام للقوات المسلحة.
وطلب الصدر من قوات الحشد الشعبي “تطهير” صفوفها من “العناصر غير المنضبطة” وتسليم “الأفراد الفاسدين” إلى القضاء.
وهذا هو الظهور العلني الثاني للصدر منذ إجراء الانتخابات في العاشر من أكتوبر الماضي، بعد ظهوره في خطاب في 11 أكتوبر، أعلن فيه فوز كتلته بأكبر عدد من المقاعد خلال انتخابات البرلمان العراقي الأخيرة.
خلال خطابه الأول تطرق الصدر أيضا لوجود الفصائل المسلحة ولو بشكل غير مباشر عندما دعا “لحصر السلاح بيد الدولة، ويمنع استخدامه خارج هذا الإطار، وإن كان ممن يدعون المقاومة”.
يرى مراقبون أن تصريحات الصدر، الخميس، تشير بما لا يقبل الشك إلى اتجاهه لـ”التصعيد” مع الفصائل الموالية لإيران والتي من المؤكد أنها سترفض مطالب زعيم التيار الصدري.
يصف الكاتب والمحلل السياسي المقيم في ولاية فيرجينيا عقيل عباس كلام الصدر بأنه “جريء جدا”، ويشير إلى أنه يتضمن “دلالات” على التصعيد.
يقول عباس لموقع “الحرة” إن الصدر أبدى هذا الموقف بعد أن “أحس أن القوى الرافضة لنتائج الانتخابات بدأت توصل رسائل بأنها مستعدة للضغط على الزناد في حال لم يتم النزول عند مطالبها”.
ترفض الكتل السياسية الممثلة للحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل شيعية موالية لإيران ومنضوية في القوات المسلحة، النتائج الأولية التي بينت تراجع عدد مقاعدها.
ويقيم مناصرون للفصائل اعتصاما أمام بوابات الخضراء منذ نحو ثلاثة أسابيع، احتجاجا على “تزوير” يقولون إنه شاب الانتخابات التشريعية المبكرة، ويطالبون بفرز كامل للأصوات.
وخلال الأسبوعين الماضيين وقعت صدامات بين المعتصمين التابعين لتلك الفصائل، وقوات الأمن إثر تصديها لمحاولاتهم اقتحام المنطقة الخضراء حيث المقرات الحكومية وسفارات أجنبية، منها السفارة الأميركية.
ومع نحو 20 مقعدا، سجلت القوى الموالية لطهران، والتي يعد تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري أبرز ممثليها في البرلمان، تراجعا قويا بحسب النتائج الأولية، بعدما كانت القوة الثانية (48 نائبا) في برلمان 2018.
في المقابل نال تحالف رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المركز الأول في الانتخابات بأكثر من 70 مقعدا في البرلمان المقبل المكون من 329 مقعدا، بحسب النتائج الأولية.
يشير عباس إلى أن “الصدر حاول أن يرسل رسالة مبطنة لهؤلاء وأخرى داعمة للحكومة مفادها، إذا تحركتم عسكريا فبإمكان الجيش العراقي مواجهتكم”.
ويبين عباس أن هناك مخاوف داخل الأوساط الإقليمية والدولية والداخلية من أن هؤلاء سيلجؤون للتصعيد العسكري في حال لم تنفذ مطالبهم”.
“ظهور الصدر اليوم يقول لهم إن هناك قوى أكبر منكم عسكريا”، وفقا لعباس.
ولم يصدر حتى الآن أي رد رسمي سواء من قوى الإطار التنسيقي، الذي يضم أحزابا وتيارات شيعية معترضة على الانتخابات، ولا حتى من تلك الجهات بشكل منفرد.
ويقول رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية، عدنان السراج، إن “شروط الصدر قاسية وصعبة ومن المؤكد أن قوى الإطار التنسيقي لن تقبل بها.
ويضيف السراج في حديث لموقع “الحرة” أن الشروط التي حددها زعيم التيار الصدري “تعجيزية ولا يمكن تطبيقها وبعضها خارج صلاحيات الإطار التنسيقي وبعضها تتعلق بالوضع الإقليمي والدولي والمحلي ولا يمكن حسمها بليلة وضحاها”.
يصف السراج ما جاء على لسان الصدر بأنه “تصعيد، ليس بهدف التصعيد وانما الغرض منه تليين المواقف واستغلاله في إطار مفاوضات تشكيل الحكومة”.
وتسعى كتلة الصدر إلى ضم شركاء آخرين من الفائزين في الانتخابات في ائتلاف حاكم وتسمية، رئيس الوزراء المقبل وتشكيل حكومة “أغلبية”.
ويؤكد مراقبون أن الاحتجاجات التي خرج بها أنصار المليشيات المتشددة الموالية لإيران هدفها الضغط على الصدر لضمان حجز مقعد لها في الحكومة المقبلة عبر تشكيل حكومة توافقية تضم الجميع.
لكن الصدر جدد الخميس التأكيد على خيار واحد وهو أما تشكيل حكومة “أغلبية” كما وعد قبل الانتخابات أو الذهاب للمعارضة، وهذا يعني عمليا أنه سيستبعد القوى الخاسرة، أو معظمها، من التشكيلة الحكومية المقبلة.
ومع ذلك يرى عقيل عباس أنه “حتى لو وافق الصدر على تشكيل حكومة توافقية، فإنه سيصر على إعادة هيكلة الحشد الشعبي، وهذا سيشكل ضربة كبيرة وقوية” للفصائل الموالية لإيران.
ويشير عباس إلى أن “تطبيق الشروط التي وضعها الصدر مستحيل بالنسبة للطرف الآخر، الذي وضع في زاوية حرجة”.
ويؤكد عباس “هم حاليا في حيرة شديدة كيف سيردون. أنا أشك في أنهم سيتحدون الصدر، لأنه ذلك يعني الانتحار بالنسبة لهم”.
من جهته، يقول المحلل السياسي عصام الفيلي إن الصدر “يمتلك من الأدوات الكثيرة لمواجهة الفصائل المسلحة، ومنها امتلاكه لقواعد شعبية وجماهيرية قادرة على المواجهة”.
ويضيف الفيلي أن “الصدر يريد أن يرى دولة حقيقية خالية من السلاح المنفلت الذي يشكل تهديدا للسلم الأهلي”.
وتضم قوات الحشد الشعبي فصائل معظمها شيعية تعمل رسميا بتخويل من رئيس الوزراء، تأسست أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المتطرف في 2014.
وهزم التنظيم في النهاية، لكن الجماعات المكونة من آلاف المقاتلين شبه العسكريين، وأغلبهم من الشيعة، لم تحل، كما لم يسلم أي منهم أسلحته.