أولاً ـ المشاكل السلوكية الفطرية:
ونقصد بهذا النوع من المشاكل تلك التي تنشأ أو تظهر لدى أبنائنا وبناتنا نتيجة لدوافع فطرية يطلق عليها عادة [الغرائز]، ولابد لنا قبل البحث في هذا النوع من المشاكل أن نستعرض تلك الغرائز البشرية لكي نقف على ما يمكن أن يسببه التعامل معها لأبنائنا من مشاكل سلوكيةومعالجتها، ذلك أن الغرائز البشرية هذه لا يمكن كبتها أومحوها أو تجاهلها على الإطلاق، ولكن يمكننا السمو بها وجعلها مصدر خير لأبنائنا ومجتمعنا، وبذلك نكون قد حققنا هدفنا في تنشئة أبنائنا نشأةً صالحة وجنبناهم الكثير من الشرور، ذلك أن الغرائز يمكن أن تكون مصدر شر وأذى إذا ما تركت وشأنها، ويمكن أن تكون مصدر خير إذا ما سمونا بها وسيطرنا عليها بشكل علمي وعقلاني دون اللجوء إلى القسر والقمع الذّين يمثلان نقيضاً للطبيعة البشرية التي لا يمكن قهرها.
أنواع الغرائز [ الدوافع ] (6)
1 ـ غريزة الخلاص .
2 ـ غريزة المقاتلة .
3 ـ غريزة حب الاستطلاع .
4 ـ غريزة الأبوة والأمومة .
5 ـ غريزة البحث عن الطعام .
6 ـ غريزة النفور
7 ـ غريزة الاستغاثة .
8 ـ غريزة السيطرة .
9 ـ غريزة الخضوع .
10 ـ غريزة حب التملك .
11 ـ غريزة حب الاجتماع .
12 ـ غريزة الهدم والبناء
13 ـ غريزة الجنس .
14 ـ غريزة الضحك .
ولابد لنا أن نشير ولو بشكل موجز إلى كل واحدة من هذه الغرائز، وما يمكن أن تسببه للإنسان من سلوك إيجابي أو سلبي، وكيف يمكن السمو بها وتوجيهها لما فيه خير أبنائنا وبناتنا .
1ـ غريزة الخلاص :
وتستثار هذه الغريزة عادة عند شعور الأطفال بخطر ما يجعلهم يلجئون إلى الهرب شعوراً منهم بالخوف، فلو فرضنا أن حريقاً شب في صف من الصفوف فإننا نجد الأطفال يتراكضون وقد تملكهم الرعب والفزع، لينجوا بأنفسهم من الحريق والموت، وهنا تظهر أيضاً انفعالات لغريزة أخرى هي غريزة [الاستغاثة ] فيعمد الأطفال إلى الصراخ وطلب النجدة، شعوراً منهم بالخطر، وقد يتحول الخوف إلى نوع من الهلع الحاد وينتاب الطفل مشاعر غريبة وفريدة إلى حد كبير.
ما هو موقفنا من هذه الغريزة ؟
إن من الطبيعي أن يكون موقفنا منها ذا شقين :
الشق الأول: تبيان مخاطر النار لأطفالنا، وما تسببه الحرائق من خسائر في الأرواح والممتلكات، كي نبعدهم عن اللعب والعبث بالنار، أو الاقتراب منها أو إشعالها، وأن نوضح لهم أن الحرائق تبدأ عادة بعود ثقاب، أو بشرارة نارية أو كهربائية، لكنها سرعان ما تشتد وتتسع بحيث يصعب السيطرة عليها بسهولة، وبدون خسائر مادية وبشرية كبيرة، وربما تكون كارثية.
الشق الثاني: ينبغي لنا أن لا ندع الخوف والهلع يسيطر على أبنائنا فيسبب ما سبق أن ذكرنا من مضار ومخاطر، ذلك أن الخوف والهلع في المواقف هذه يفقد القدرة على التفكير والتصرف الصائب وينبغي علينا أن نستثير فيهم روح الشجاعة والأقدام والاتزان، وعدم الارتباك والتصرف الهادئ في مثل هذه المواقف.
2 ـ غريزة المقاتلة :
إن موقفنا من هذه الغريزة يجب أن يتصف بالحكمة والدقة. فلو أن أحد الأبناء تخاصم مع أحد زملائه لأنه وقف حائلاً أمام رغبته في تحقيق أمر ما، فعلينا أولاً وقبل كل شيء أن نتفهم السبب الحقيقي للنزاع، لكي نتعرف على ما إذا كان الموقف يستحق المقاتلة والخصام أم لا، وينبغي أن نفهمه أن اللجوء إلى المقاتلة قبل استنفاذ الوسائل السلمية أمر غير مقبول، وأن الواجب يقتضي منه مراجعة إدارة المدرسة إن كان متواجداً فيها، ومراجعة ذويه إن كان خارج المدرسة، إذ أن التسرع واللجوء إلى العنف يعرض النظام العام للانهيار فلا تستطيع المدرسة أن تؤدي عملها، و لذلك فعليه الاستعانة بإدارة المدرسة قبل اللجوء إلى استعمال القوة، وعلى إدارة المدرسة أن تأخذ المسألة بشكل جدي وتجري التحقيق اللازم في الأمر بشكل دقيق، ومعالجة المشكلة بشكل يجعل التلميذ يؤمن بأن مراجعته إدارة المدرسة يؤمن له حقه، إن كان على حقطبعاً، فلا يلجأ للقتال.
ولا شك أن الأطفال والمراهقين ذوي الاضطرابات الأخلاقية يمارسون أحياناً سلوكيات تتسم بالعدوان والاندفاع والتدمير، على الرغم من الجهود المضنية التي تبذل من قبل المربين لتعديل سلوكهم، وهم يمارسون عملية انتهاك حقوق الآخرين باستمرار، ولا يلتزمون بالمعايير الاجتماعية بما يتناسب مع عمرهم الزمني، و يستمرون بممارسة هذا السلوك على الرغم من تعرضهم مراراً وتكراراً للعقاب، ويصرون على ممارسة [السلوك العدواني والمواجهة البدنية] مع الآخرين، كما يتسمون [بالعناد وعدم الخضوع ] و[ والإخفاق في الأداء ] سواء في المنزل او المدرسة، و[ تكرار الإهمال ]، و[التهرب من البيت أو المدرسة ] و[تخريب الممتلكات العامة والخاصة ] و[الانحراف الجنسي ] و[السرقة ] وغيرها من الآفات الاجتماعية الأخرى التي قد تتضمن مواجهة جسدية عدوانية [ السرقة بالإكراه ] أو[ الاعتداء الجنسي العنيفوالاغتصاب ] وقد تمتد هذه السلوكيات إلى العراك مع الأقران، والاعتداء على الآخرين، والهجوم عليهم والاغتصاب والقتل. (7)
إن معالجة هذا النوع من السلوك المنحرف تتطلب جهوداً كبيرة، وأساليب معقدة، وصبراً وأناةً طويلين، ومتابعةً مستمرةً من قبل البيت والمدرسة معاً، وقد يتطلب ذلك علاجاً نفسياً وصحياً.
أن هناك البعض ممن يقف من المقاتلة موقفاً سلبياً بشكل مطلق فيسبب موقفهم هذا ببث روح المذلة والخنوع والانهزامية في نفوس الناشئة، فهناك مواقف ينبغي أن تتميز بالشجاعة والإقدام دفاعاً عن الحقوق المغتصبة، فالجندي الذي نطلب منه أن يدافع عن وطنه وشعبه ضد المعتدين لا يستطيع القيام بواجبه على الوجه الأكمل إذا قتلنا فيه صفات
الشجاعة والإقدام في المراحل الأولى من حياته.
ينبغي أن يكون موقفنا من هذه الغريزة موقفاً إيجابياً قائماً على أساس سيادة القانون والنظام أولاً، والدفاع عن الحقوق والكرامة ثانياً، فلا اعتداء على الأخوان والأصدقاء والزملاء والجيران، ولا خنوع وخضوع وجبن أمام المعتدين.
3 ـ غريزة الأبوة والأمومة :
تستثار هذه الغريزة في المراحل الأولى من حياة أبنائنا وبناتنا عند تعرض الآخرين لحادث ما، فيلجأؤن إلى مساعدتهم. وطبيعي أن هذه الغريزة تحمل جانباً خيراً بشكل عام، فعندما يسقط أحدهم ويصاب بجرح أو كسر في يده أو رجله نجد زملائه يسارعون إليه بحنو وعاطفة ليقدموا له المساعدة، وقد بدت عليهم علامات الحزن والأسى.
إن هذه الغريزة لها أهمية قصوى في تربية أبنائنا على روح المحبة والتعاون، حيث أن المحبة والتعاون ركنان أساسيان من الأركان التي يبنى على أساسها المجتمع، وهي السبيل لتقدمه ورقيه وتطوره، ورفاهه.
أما في مرحلة النضوج فمعروف أن هذه الغريزة هي الأساس في بقاء وتطور المجتمعات حيث يطمح الأبناء والبنات البالغون في تكوين الأسرة، وإنجاب الأطفال وتربيتم في جو من الحنان والحب يصل إلى درجة التضحية بالنفس في سبيلهم، فنراهم يكدون ويتعبون طوال النهار من أجل تأمين الحياة السعيدة والعيش الهانئ لأبنائهم. ولولا هذه الغريزة لما تحملت الأم ولا تحمل الأب تبعات المصاعب والمشاق التي يصادفونها في تربيتهم ومساعدتهم في بناء مستقبل يليق بهم .
4 ـ غريزة حب الاستطلاع :
تستثار هذه الغريزة لدى أبنائنا عندما يكون الأبناء أمام أمرٍ يهمهم معرفته، وقد يكون لهم معرفة بجزء منه، وهذه الغريزة ذات أهمية كبيرة بالنسبة للناشئة لأن استثارتها تدفعهم إلى اكتشاف الحقائق بأنفسهم، والحصول على الخبرات التي يحتاجونها في حياتهم ، كما تدفعهم إلى الدراسة والتتبع باستمرار، حتى في الكبر، بغية الوقوف على كل ما يجري من تطور وتغير في فيما يحيط بهم .
وهناك نقطة هامة ينبغي أن لا تغيب عن أذهاننا هي أن هذه الغريزة يمكن أن يكون لها تأثير سلبي ضار في بعض الحالات، وينبغي أن ننبه أبنائنا بأخطارها، وسأورد هنا مثالاً على ذلك :
في أحد دروس العلوم شرح المعلم لتلاميذه كيف يمكن ممغطنة قطعة من الحديد، وذلك عن طريق لفها بسلك وربطها بتيار كهربائي.
وعندما عاد التلاميذ من المدرسة حاول أحدهم أن يقوم بالتجربة بنفسه، فأخذ قطعة الحديد ولفها بسلك ووصلها بالتيار الكهربائي بشكل غير صحيح فكانت النتيجة أن صعقه التيار الكهربائي وسبب له الوفاة.
لقد كان الواجب على المعلم أن يجري التجربة أمام التلاميذ بشكل يؤمن السلامة، و يحذرهم من خطورة الكهرباء إذا ما تمت التجربة بشكل خاطئ.
5 ـ غريزة البحث عن الطعام :
وهي من الغرائز الهامة لبقاء الحياة واستمرارها، وتظهر بعد الولادة مباشرة، فلا يستطيع الإنسان أن يعيش بدون الطعام، وغالباً ما تستثار هذه الغريزة عند ما نشم رائحة الطعام الشهي أو تقع أبصارنا على الحلويات وغيرها، ويشعر الإنسان، عن طريق حاسة الذوق، بلذة كبيرة وهو يتناول ما يشتهيه من تلك الأطعمة والحلويات.
إن هذه الغريزة تفعل فعلها لدى الكبار والصغار على حد سواء، ورغم أن الإنسان لا يستطيع الاستغناء عن الطعام لكي يبقى على قيد الحياة، فأن تناول الطعام بغير اعتدال يعطي نتائج سلبية على صحة الإنسان، حيث يسبب السمنة والتي بدورها تسبب العديد من الأمراض الخطيرة كالسكري وأمراض القلب، وتسوس الأسنان، وغيرها من الأمراض الأخرى، مما يتطلب منا تعويد أبنائنا على العادات الغذائية الصحيحة .
كما أن هذه الغريزة تدفع بالكثير من الصبيان الذين لا يجدون لديهم النقود لشراء الحلويات إلى السرقة من المحلات لإشباع هذه الغريزة، ولذلك يجب على الآباء والأمهات إشباع هذه الرغبة لدى الأبناء، وعدم التقتير عليهم، لكي لا يتجهوا نحو السرقة التي يمكن أن تتأصل لديهم إذا ما استمروا عليها لفترة من الزمن .
6 ـ غريزة النفور :
هذه الغريزة نجدها لدى الصغار والكبار على حد سواء حيث أن الإنسان بطبيعته يتحسس الروائح أو المشاهد المختلفة، فنراهم ينفرون وتتقزز نفوسهم من الروائح الكريهة، أو من المشاهد المؤلمة، وعلى العكس نجدهم يتمتعون برؤية المشاهد الجميلة والمسرة، ويستمتعون بشم الروائح العطرة ولذلك نجد الأبناء، وخاصة المراهقين منهم يسعون إلى الاهتمام بمظهرهم ورائحتهم من أجل لفت انتباه الآخرين وخاصة من الجنس الآخر.
وهناك جانب آخر من النفور نجده لدى البعض تجاه البعض الآخر، وخاصة في صفوف المراهقين بسبب لون البشرة، أو القومية أو الدين، أو غيرها من المبررات، وهو يمثل جانباً خطيراً يهدد سلامة المجتمع ويعمل على تمزيقه، وخلق استقطاب وتنافر وصراع يصعب معالجته إذا ما استمر وتوسع، دون أن يواجه على المستويين الرسمي والشعبي. ولاشك أننا نشهد اليوم تصاعد موجة معاداة الأجانب من قبل العديد مـن المراهقين في مختلف البلدان الأوربية، بسبب لون بشرتهم أو جنسهم، ووقوع الاعتداءات البدنية الشديدة التي وصلت في بعض الأحيان إلى القتل، مما يستدعي الواجب من الحكومات والمجتمع أن يعطيا هذه المشكلة أهمية كبيرة، حيث يقيم في المجتمعات الغربية أعداد كبيرة من المهاجرين، والعمل على استنفاذ كل الوسائل والسبل لخلق روح من الألفة والمحبة والتسامح والتعاون بين أبناء هذه المجتمعات والمهاجرين، ومحاولة ربط جسور من الروابط التي تجعل التعايش فيما بينهم أمرٌ طبيعي بكل ما تعنيه الكلمة، ولاشك أن المسألة تتوقف علينا جميعاً ،كباراً وصغار، سواء كنا مواطنين أو مهاجرين، مسؤولين وغير مسؤولين ،أن نبذل أقصى ما يمكن من الجهود لمعالجة الوضع، فإذا ما تكاتفت الجهود الصادقة أمكننا تحقيق الهدف المنشود في خلق مجتمع تسوده المحبة والمودة والسلام.