الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالاتكاظم حبيب توحش السياسات النيولبرالية الترامپية ومخاطر العالم المتفاقمة القسم الثالث والأخير

كاظم حبيب توحش السياسات النيولبرالية الترامپية ومخاطر العالم المتفاقمة القسم الثالث والأخير

ليس ترامپ هو الرئيس الوحيد الذي يمتلك مثل هذه السمات السيئة في العالم، بل هناك الكثير من رؤساء الدول والسياسيين الذين لا يختلفون عنه قيد أنملة ويتجاوزونه في ذلك ويزيدون عليها. إلا إن الفارق الكبير بين ترامپ وهؤلاء الرؤساء يكمن في بعض المسائل المهمة، منها بشكل خاص:

** التزامه الثابت بالإيديولوجية النيولبرالية الأكثر إمعاناً في استغلال المجتمع والأكثر قهراً للفرد والأكثر تطرفاً في توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء على المستويين السياسي والاقتصادي وعلى الصعيدين الداخلي والدولي، وفي بقية المجالات الأخرى، وبشكل خاص المجالات العسكرية والبيئية والثقافية.

** وأن ظهور مثل هؤلاء القادة السياسيون الذين يتسمون بالفردية والاستبداد واحتقار فعلي للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان يعتبر نتيجة منطقية لأزمة الديمقراطية التي يمرّ بها المجتمع الأمريكي، والتي تعتبر جزءاً من التناقض المتفاقم بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج الرأسمالية. ويمكن أن يلاحظ المتتبع هذه الظاهرة في دول الاتحاد الأوروبي أيضاً والتي في تنامي مستمر وخطير.

** كما إن الصلاحيات الكبيرة التي يمنحها دستور الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس الأمريكي على المستويين الداخلي والخارجي يمكن أن تقود إلى إساءة في استخدامها وإلى تفريخ مشكلات جديدة وكبيرة.

** ولأن ترامپ يقف على رأس أقوى دولة عسكرياً وأغنى دولة اقتصادياً، ويلعب دور القائد الفعلي للعالم الرأسمالي الأكثر تقدماً، ويقود ويشرف ويمول أقوى وأوسع حلف عسكري هو حلف الشمال الأطلسي، تبدو الصورة أكثر قتامة وخطراً.

** كما يمسك ترامپ بيديه مفتاح الحقيبة النووية الأمريكية، وله الحق في إرسال قوات عسكرية إلى مناطق مختلفة ولمدة ثلاثين يوماً دون موافقة الكونغرس، على أن يعرض فيما بعد لاستحصال الموافقة.

** إضافة إلى اعتبار ترامپ الدولة التي لا تقف مع أمريكا عدوة لها، فأن من لا يقف إلى جانبه ويؤيده فهو عدو له، سواء أكان من السياسيين المحليين، أم على الصعيد الدولي، وعلى وفق معاييره المشوهة لمفهوم الصداقة.

** ومن الصعوبة بمكان أن تقدر ما يمكن أن يقوم به ترامپ كرد فعل عن سياسة أو موقف محدد على الصعيدين الداخلي والخارجي، فهو شخصية غير محسوبة الإجراءات والعواقب، شخصية فردية معقدة ومتداخلة وجشعة.

من هنا تبرز مخاطر السياسات الرأسمالية النيولبرالية المتوحشة والأكثر عدوانية التي بدأ بتنفيذها ترامپ منذ توليه إدارة البيت الأبيض وسيستمر بها خلال السنتين القادمتين، وربما لولاية ثانية، والتي تتناغم مع طبيعته وسماته الشخصية. لم يكن اختيار الحزب الجمهوري لترامپ من بين عدد من المرشحين السياسيين الجمهوريين البارزين عبثياً، بل لمعرفتهم بطبيعته وسلوكياته، ولكونه يمتلك القدرة على تنفيذ ما يسعون إلى تحقيقه. إذ لم تكن الوعود التي أطلقها دونالد ترامپ أثناء حملته الانتخابية جزافاً، بل كانت نابعة من الرؤية التي استقرت في أذهان الجماعات الأكثر تطرفاً والأكثر شراسة في الحزب الجمهوري وفي المجتمع الأمريكي لتطبيق اللبرالية الجديدة لا على صعيد السياسات الاقتصادية والاجتماعية والموقف من الأجانب واللجوء وفي مجمل السياسات الداخلية فحسب، بل على الصعيد العالمي، ولاسيما على صعيدي العلاقات الاقتصادية والعسكرية والبيئة. وقد وجد هذا تعبيره في الموقف من البطالة الواسعة والتشغيل والسياسة الجمركية والسياسة الضريبية ومن قانون الرعاية الصحية، وتنشيط قوى اليمين المحافظ والمتطرف، حيث تلتقي فيه قوى البيض العنصرية والقوى المناهضة للسامية والمعادية للأجانب، وضد اللجوء بمختلف أشكاله، وبناء السور مع المكسيك، وقانون الجنسية، والإصرار على حق اقتناء السلاح لكل مواطن ومواطنة في أمريكا وحمله…الخ، في الداخل، أما نحو الخارج فقد برز في الدعوة للخروج من الاتفاقية النووية مع إيران، وتشديد الصراع ضد كوريا الشمالية، والتدخل العسكري المباشر في سوريا وفي اليمن، وتأييد مطلق وغير مقيد لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس ورفض وجود دولتين على الأرض الفلسطينية السابقة عملياً فيما يطلق عليه بـ “صفقة القرن”، وكذلك التدخل الفظ في شؤون أمريكا الجنوبية، ولاسيما فنزويلا، وتأييد القوى اليمينية الأكثر تطرفاً في البرازيل، والعودة إلى مقاطعة كوبا، وتشديد العمل بالعقوبات الاقتصادية وتوسيع دائرة ممارستها، ضد إيران وروسيا،إضافة إلى البدء بدعم التوظيفات الجديدة في الإنتاج العسكري التقليدي والحديث وتطوير أجيال جديدة منها والدفع باتجاه سباق التسلح على صعيد الدول الكبرى والعالم من خلال تشديد التوترات والصراع والاستفزاز، بما يمكن أن يقود إلى خلق بؤر لمشكلات مستعصية ومصاعب مالية لكل من روسيا والصين على نحو خاص، إضافة إلى محاولة بناء قواعد عسكرية في الدول المجاورة لروسيا، ولاسيما دول البلطيق واكرانيا وغيرها، وإجراء المناورات العسكرية الواسعة مع دول حلف الأطلسي على الحدود الروسية. هذا النهج الموغل بالتشدد والعدوانية المباشرة والصريحة من جانب القوى المساندة والداعمة لدونالد ترامپ اقترنت بشعور كاسح لدى هذه القوى بأن الولايات المتحدة قد فقدت قدرتها على قيادة العالم وعلى الدفاع عن مصالحها وأنها لم تعد البعبع الذي كان يرعب شعوب العالم، وأن الولايات المتحدة تقدم الكثير من الأموال وتبني الكثير من القواعد العسكرية وتنشر الكثير من الجنود والأسلحة في العالم دفاعاً عن العالم الرأسمالي، في حين لا تشارك الدول الأخرى، ولاسيما دول الاتحاد الأوروبي وخاصة المانيا وفرنسا، بما ينبغي عليهما من زيادة الأموال المخصصة للتسلح ودعم قوات حلف الأطلسي، وأن الصين وروسيا بدأتا بلعب دور أكبر في السياسة والاقتصاد في العالم لا بد من إيقافهما.

كل هذه الأفكار دأب ترامپ على نشرها أثناء حملته الانتخابية. وما أن تسلم إدارة البيت الأبيض حتى بدأ بتطبيق ما وعد به فعلياً، وحقق بعض المكاسب، كما في موضوع تقليص البطالة وزيادة التشغيل، مما رفع من رصيده لدى مسانديه وداعمي سياساته، ولكنه حصد من جانب آخر رفض قوى مجتمعية جديدة ضده، ولاسيما في صفوف النساء، بسبب مواقفه وفضائحه النسائية وتصريحاته المخلة. لقد أدت سياسات ترامپ إلى بروز شرخ أكبر وأوسع من السابق في المجتمع الأمريكي، إلى جانب شروخ أخرى، مثل تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وبين السود والبيض، وبين من هم من أصل أوروبي ومن هم من أصل اسيوي. وهي التي قادت إلى خسارة الحزب الجمهوري للأكثرية في مجلس النواب، رغم تحسن مواقعه في مجلس الشيوخفي الانتخابات النصفية الأخيرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2018. وتشير استطلاعات الرأي إلى انخفاض شعبية ترامپ إلى نسبة تتراوح بين 40-43%، ولكنه لا يزال يحتفظ بتأييد واسع لدى من صوت له.

إن المخاطر الكبيرة المتزايدة على الأمن والسلام في العالم في فترة رئاسة ترامپ للبيت الأبيض تأتي من النواحي التالية:

أولاً: البدء بإلغاء الاتفاقية المعقودة مع (الاتحاد السوفييتي سابقاً) روسيا في مجال الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى من جانب الولايات المتحدة، بدعوى عدم التزام روسيا ببنود هذه الاتفاقية. ثم خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية للدول الخمس + واحد مع إيران.

ثانياً: إن هذا الموقف من جانب الولايات المتحدة يقود إلى تصعيد غير مسبوق لسباق التسلح، لا بين روسيا والولايات المتحدة فحسب، بل وعلى الصعيد العالمي وفي منطقة الشرق الأوسط.

ثالثاً: إن منطقة الشرق الأوسط المليئة بمشاكل قديمة وجديدة متراكمة يمكن أن تتفجر فيها حروب إقليمية جديدة لعدة أسباب:

  1. الموقف المتشدد من قبل إسرائيل والولايات المتحدة إزاء إيران في موضوع الاتفاقية النووية والصواريخ التي تقوم إيران بتطويرها وإنتاجها باستمرار. كما إن فرض العقوبات الاقتصادية والمالية القاسية جداً على إيران سيزيد من التوتر في المنطقة، رغم إنه لن يلحق ضرراً بالفئات الحاكمة، بل سيكون الشعب الإيراني ضحية هذه المقاطعة.
  2. التدخل الإيراني المستمر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة باتجاه تصدير الثورة “الإسلامية” “الشيعية” الإيرانية إلى دول منطقة الشرق الأوسط والعواقب الوخيمة الناجمة عن هذه السياسة المجنونة وتصادمها المصلحي مع مصالح تركيا والسعودية ودول الخليج الأخرى. ولا شك في أن العراق واحد من الدول التي تعاني من سياسة التدخل الإيراني الفظ والواسع في الشأن العراقي، على سبيل المثال لا الحصر.
  3. النهج السياسي العسكري السعودي الجديد ليس في التصدي لإيران فحسب، بل وفي محاولتها الهيمنة على سياسة الدول العربية، بما لديها من أموال وما تجده من تأييد أمريكي-إسرائيلي، وما تقتنيه من أسلحة ليست دفاعية فقط، بل وهجومية ايضاً، كما يلاحظ استخدام ذلك في الحرب في اليمن.
  4. الوضع المتوتر دوماً بسبب رغبة إسرائيل الجامحة باتجاهين هما: رفض عملي لقيام دولة فلسطين والعمل على تآكلها التدريجي، والتوسع في بناء المستوطنات الصهيونية الجديدة في الضفة الغربية، مما يشدد من التوتر والصراع، بما يقود إلى معارك جديدة، لاسيما وأن دونالد ترامپ هو الأكثر تأييداً لإسرائيل في سياستها التوسعية في القدس والضفة الغربية.
  5. استمرار الولايات المتحدة الأمريكية ببيع المزيد من الأسلحة التقليدية المتطورة إلى دول منطقة الشرق الأوسط، مما دفع ويدفع الدول الأخرى المنتجة للأسلحة ببيع المزيد من الأسلحة إلى دول في المنطقة، كما هو الحال مع روسيا وبريطانيا وفرنسا، والتي تخلق أجواء متوترة قابلة للاشتعال في كل لحظة وفي كل زاوية من منطقة الشرق الأوسط، كما هو الحال في اليمن وسوريا، أو حتى العراق وغزة. إضافة إلى العواقب الوخيمة لمثل هذه السياسة على التنمية الاقتصادية وعلى مستوى معيشة الغالبية العظمة من السكان ومن الخدمات المقمة لها.

رابعاً: إن السياسة التي تمارسها الولايات المتحدة حالياً إزاء الكثير من الدول، ولاسيما إزاء روسيا والصين، بدأت بتنشيط الحرب الباردة مجدداً وستقود إلى تنشيط تشكيل الأحلاف العسكرية والتكتلات الاقتصادية في غير صالح شعوب العالم.

خامساً: كما أن سياسة الولايات المتحدة في مجال البيئة وخروجها من اتفاقية باريس للتغير المناخي والعواقب الوخيمة لهذه النهج الخطير الذي يقود إلى المزيد من التلوث وتدهور البيئة والمناخ في العالم، وما يصاحب ذلك من مشكلات جديدة بما فيها نزوح المزيد من البشر من مناطق سكناهم، والمزيد من الأمراض والأوبئة والكوارث الطبيعية، وما يقترن بكل ذلك من عواقب وخيمة على البشر والعلاقات بين الدول.

سادساً: ورغم ادعاء ترامپ بكونه ضد العولمة الجارية، فأن العولمة الرأسمالية الجارية هي عملية موضوعية مرتبطة بمستوى تطور الاقتصاد الدولي والتشابكات الجارية فيه وتطور العلوم والتقنيات، فأنه يعمل من أجل أن تكون الولايات المتحدة هي المستفيدة هي المستفيدة الأولى اساساً من العولمة الرأسمالية في ظل النهج النيولبرالي المتشدد، والذي تجلى في إجراءاتترامپ في مجال السياسة الجمركية والمالية والعقوبات الاقتصادية، مما سيقود إلى صراع لا بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى فحسب، بل وبين الولايات المتحدة وبين ودول الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا وغيرها من الدول الرأسمالية المتقدمة والحليفة لأمريكا. وفي هذا عواقب كثيرة مخلة على الاقتصاد العالمي وعلى حياة ومعيشة شعوب كثيرة ولاسيما شعوب الدول النامية.

نحن أمام سياسات تكتيكية جديدة لولايات المتحدة ذات نهج نيولبرالي متوحش بكل معنى الكلمة وجامح يقود إلى تعميق الانقسام في العالم بين الدول الغنية والفقيرة، بين الدول المتقدمة والمتخلفة اقتصادياً، وكذلك في كل بلد من هذه البلدان. وتقدم الكثير من الدراسات الراهنة لوحة قاتمة عن الفجوة المتسعة بين الأغنياء والفقراء في العالم وعلى صعيد كل دولة من الدول الرأسمالية المتقدمة وعدد أصحاب المليارديرات من جهة، ونسبة الفقراء المتسعة في هذه الدول وعلى الصعيد العالمي. إنها كارثة حقيقية حين نعلم، على وفق تقرير لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، بـ “أن الفجوة بين الفقراء والأغنياء تستمر في الاتساع. وفي دول المنظمة الأعضاء، البالغ عددها 34، يحصل أغنى عشرة في المئة من السكان على 9.6 أضعاف ما يحصل عليه أفقر عشرة في المئة.” (راجع: أنتوني روبن رئيس قسم الإحصاء في بي بي سي، فجوة بين الأغنياء والفقراء تستمر في الاتساع، 5 أيار/مايو 2015). كما إن حالة ألمانيا هي الأخرى تشير إلى مخاطر من هذا النوع “فقد حذَّرَت جمعيات اجتماعية كثيرة من عواقب عدم معالجة تفاقم الفقر والعوز، فنسبته ارتفعت عام 2015 إلى 15.7 في المائة (أي 13.4 مليون شخص، من إجمالي 82 مليون نسمة، عدد سكان ألمانيا) وعلى كل واحد من خمسة اليوم (أي 16.1 مليون) أن يقلق لأن الفقر يهدده لأسباب كثيرة، منها التسريح من العمل. وتعريف الفقر في ألمانيا هو أن يكون دخل الشخص أقل من 11.53 يورو يومياً، مع العلم أنه طرأ في السنوات الثلاثة الماضية ارتفاع على أسعار المواد الغذائية الأساسية والكهرباء والماء والمواصلات وبدل الإيجارات بنسب متفاوتة.” (راجع: عدالة سلامة، الفقر والغنى ينموان في ألمانيا، الشرق الأوسط، 18 مارس 2017). علماً بأن التقارير الأخيرة تشير إلى أن النسبة ارتفعت إلى 17% ممن يتهددهم الفقر في المانيا. أما كيوساكي فيشير “إلى أنه في الولايات المتحدة على سبيل المثال وخلال الأعوام الأخيرة واصلت ثروة الـ5% الأغنى النمو بينما انخفضت القيمة الحقيقية لمدخرات واستثمارات بقية الأمريكيين.” (راجع: روبرت كيوساكي، لماذا يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرًا؟ وما هو الحل؟، موقع أرقام، 23/03/2018). إن المشكلة ليست في واقع تنامي عدد الفقراء من جهة وتزايد ثروة الأغنياء من جهة أخرى في العالم فحسب، بل في طبيعة العلاقات الإنتاجية السائدة ومستوى تطور القوى المنتجة الذي يقود إلى المزيد من التفاوت والصراع في كل من هذه المجتمعات على حدا وعلى الصعيد العالمي.

13/11/2018

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular