أسرة أيزيدية من العراق كانت من بين آلاف المهاجرين الذين سافروا إلى بيلاروسيا على أمل العبور إلى الاتحاد الأوروبي. وبعد قضاء أكثر من ثلاثة أسابيع مروعة على الحدود، عادت الأسرة أدراجها إلى ديارها بعد أن أنفقت كل مدخراتها، ورغم كل ما مرت به هناك، إلا أن ذلك لن يردعها عن معاودة المحاولة ما أن تسنح لها الفرصة المناسبة.
كانت الأسرة تدرك المخاطر التي قد تواجهها أثناء رحلتها.
عانى حسين وزوجته غزالة ووالدته نعمة من برد الشتاء القارص وعبروا نهراً بصعوبة بالغة وساروا على الأقدام لمسافات طويلة عبر الغابات النائية في محاولة لبدء حياة جديدة في أوروبا.
ويعتقدون أن المغامرة كانت تستحق العناء بعد المآسي التي مروا بها في وطنهم.
حسين وأسرته من الإيزيديين( أقلية دينية وعرقية استهدفها مسلحو تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية عندما سيطروا على أجزاء من شمال العراق عام 2014).
أسر التنظيم العديد من أفراد عائلته، قُتل الرجال منهم واغتُصبت النساء واستُعبدت.
يبلغ حسين من العمر 36 عاماً، وزوجته غزالة 27 عاماً ووالدته نعمة 56 عاماً.
أمضوا عدة سنوات من حياتهم في مخيم للنازحين في شاريا شرق الموصل، لكن عندما سمعوا عن فرصة للوصول إلى ألمانيا عبر بيلاروسيا، جمعوا كل مدخراتهم وباعوا مقتنياتهم الثمينة، ودفعوا آلاف الدولارات إلى مهربي البشر.
الرحلة إلى أوروبا
في البداية، سافروا بواسطة حافلة إلى تركيا، ومن هناك إلى مينسك، عاصمة بيلاروسيا، على أمل العبور سيراً على الأقدام إلى بولندا أو ليتوانيا.
يقول معارضو بيلاروسيا، إن البلاد فتحت هذا الطريق أمام المهاجرين متعمدة خلق أزمة لاجئين في الاتحاد الأوروبي.
ويقول حسين: “في اليوم الأول، كان من المفترض أن نذهب إلى شقة حجزتها الشركة لنا حسبما اتفقنا، لكنهم لم يفعلوا ذلك، فبقينا في العراء”.
“كان البرد قارصاً، فاستأجرنا غرفة على نفقتنا الخاصة وكلفتنا 100 دولار لليلة الواحدة”.
لقد دفعوا المال لمجموعة من المهربين لمساعدتهم في عبور الحدود سيرا على الأقدام عبر الغابات النائية.
يقول حسين: “لم يكن المرشد يعرف الطريق في كثير من الأحيان، كان الأمر غاية في الصعوبة بالنسبة لنا”.
“كنت أشعر بالقلق والأسف على والدتي. كانت تعاني من ألم في ساقيها خاصة عندما كنا نسير بسرعة”.
ويضيف حسين أن حرس الحدود البيلاروسي أجبرهم أيضاً على المخاطرة، مستخدمين الكلاب لتخويفهم.
“كانوا يضعوننا في الماء … حتى هنا!” مشيرا إلى صدره.
في إحدى المرات، عبروا جداول الماء والأنهار حتى وصلوا إلى الجانب الليتواني من الحدود، ووصلوا من هناك إلى بولندا، حيث طلبوا سيارة كان المهربون قد وعدوهم بها.
يقول حسين: “اتصلنا بالمهربين لإرسال السيارة لكنهم أخبرونا بأن ثمة دوريات شرطة في المنطقة”.
“أرسلوا سيارة أجرة وقالوا: ضعوا أطفالكم فيها”.
لكن أعضاء المجموعة الذين لديهم أطفال لم يكونوا مستعدين للمخاطرة بالسماح لهم بالسفر بمفردهم.
يقول حسين إنهم وصلوا إلى بولندا مرتين خلال الأسابيع الثلاثة التي أمضوها في بيلاروسيا، لكن الشرطة أعادتهم في المرتين: “أعادونا بسلام ولم يعتدوا علينا”.
بعد إحدى رحلات العودة إلى الغابة على الجانب البيلاروسي، تدهورت صحة غزالة. قالت طبيبة أحضرها حرس الحدود البيلاروسي إنها تعاني من الإجهاد والبرد والجوع.
رأى حسين أيضاً السلطات البيلاروسية تساعد الناس على العبور مباشرة إلى بولندا.
يقول: “فتحت حكومة بيلاروسيا السياج”.
“عبر 600 شخص، وكان من بينهم أربعة أصدقاء لنا، لكن بعد ذلك، كان كل من يحاول العبور يتعرض للضرب”.
ويتابع حسين سرد ما حدث قائلاً: إن السلطات البيلاروسية نقلت 200 مهاجر إلى مناطق حدودية مختلفة، ونُقل بعضهم إلى المنطقة المتاخمة لليتوانيا.
ولم يسمحوا لهم بالعودة إلى مينسك.
“لو سمحوا لنا فقط بالعودة إلى المدينة والحصول على قسط من الراحة والطعام، لكنا قد نجحنا في الوصول إلى ألمانيا، لكننا كنا محاصرين هناك، وكانت درجة الحرارة صفراً والأمطار تهطل، كنا نخشى أن نموت هناك”.
العودة إلى العراق
في نهاية المطاف، وبعد أكثر من شهر من مغادرة البلاد، لم يبق لدى الأسرة أي مال. لقد أنفقت حوالي 20 ألف دولاراً في هذه الرحلة.
في تلك المرحلة، سُمح لهم بالعودة إلى مينسك وكانوا من بين 400 شخصاً أعيدوا إلى العراق على متن طائرة خاصة في 18 نوفمبر/تشرين الثاني.
وعند وصولهم إلى مطار أربيل في إقليم كردستان، لم يكن لديهم حتى ثمن المواصلات إلى مخيم شاريا، فجلسوا على الرصيف خارج المطار حتى صادفهم سائق تكسي أجرة فأشفق عليهم وأخذهم إلى وجهتهم.
تحدثت بي بي سي معهم في المطار، وسافرت لاحقاً إلى المخيم لإجراء مقابلات معهم.
كانت تنتاب غزالة نوبات إغماء على فترات منتظمة، ويقول زوجها: “إنها على هذه الحالة منذ عودتنا من بيلاروسيا، لأنها تعرضت لنوبات هلع وخوف. وتأتيها هذه الحالة عندما نبدأ بالحديث عما جرى معنا هناك”.
“لقد كانت خائفة من أن نحاصر بين السياجين ونموت في الغابات النائية. الأشخاص الذين حوصروا وضلوا طريقهم، ماتوا في الغابة وحيدين”.
وعلى الرغم من كل ما مروا به، إلا أن حسين وغزالة ونعمة يريدون معاودة المحاولة ما أن تسنح لهم الفرصة المناسبة للذهاب إلى ألمانيا.
لقد مرت الأسرة بالكثير من الأهوال في العراق.
أصيب حسين في هجوم شنه تنظيم القاعدة عام 2005 على قاعدة عسكرية أمريكية كان يعمل فيها. وأصيب مرة أخرى في هجوم بشاحنة مفخخة بعد ذلك بعامين راح ضحيته مئات القرويين.
عندما غزا تنظيم “الدولة الإسلامية” المنطقة في عام 2014، قال حسين إن 74 من أفراد عائلته أُسروا وقتل الكثيرون منهم. ويضيف أنه لا يمكنه العودة إلى قريته تل عزير قرب سنجار لأنها دمرت ولا تزال المنطقة “مليئة بالمليشيات”.
إنهم يحلمون بمغادرة المخيم والانضمام إلى اثنين من أبناء عمومتهم الشباب الذين أعيد توطينهم في ألمانيا بمساعدة منظمات الإغاثة بعد أن استعبدهم تنظيم الدولة الإسلامية.
يقول حسين “عانينا من التعب والبرد والجوع والعطش… قمنا ببيع جميع ممتلكاتنا ولكن، الحمدلله ما زلنا على قيد الحياة، وإلى حين معاودة المحاولة، نشكر الله على عودتنا سالمين”.
bbc